خبر : الإسلاميون والحزب السياسي ...بقلم: د. أحمد يوسف

الأحد 04 مايو 2014 03:52 م / بتوقيت القدس +2GMT
الإسلاميون والحزب السياسي ...بقلم: د. أحمد يوسف





حماس وسؤال الإسلاميين:

هل آن الأوان لحزب برؤية وطنية؟

على مستويات الفقه والفكر والسياسة، امتد النقاش في المنطقة العربية لسنوات عدة حول شكل العمل الإسلامي وأدواته لا سيما داخل القوي الإسلامية ذاتها. فكان الإخوان المسلمون، وارتكازاً إلى وسطية دعوتهم، وحسن استبصارهم لمصلحة الأمة، سباقين إلى القبول بتشكيل الأحزاب السياسية، والركون الى تعبئة الجماهير وتداول السلطة، كأداتين بارزتين للوصول إلى هدفها نحو أمة ماجدة لها في التاريخ امتداد وسند، ولها في المستقبل أمل ووعد.

ومع ذلك، فإن الحقيقة الموجعة والتي يجب الاقرار بها، بل والاعتذار عن مكنونها، أن السنوات الأخيرة بما حملته في المنطقة العربية من أحداث سياسية كبري، قد أثارت العديد من التساؤلات حول جدية وصدقية جماعة الإخوان المسلمين من حيث إرادة قيادتها وقدرتها على تحديد علاقتها مع كل من "الوطن" و"الآخر". ثم تشعبت الأسئلة، مثل: هل الإسلاميون - اليوم - على استعداد لتغليب الأولويات الوطنية على الاستحقاقات والمنافع التنظيمية.؟ وبالمثل، هل يمكن لنا في فصائل العمل الوطني والإسلامي أن ندرك بأن التنظيمات إنما هي إطارات عمل لمشاريع نبدأها بدافع الضرورة، ثم إذا اتسعت بأعدادها وبمشاريعها السياسية، يتوجب علينا لتجاوز وضعية الاستقطاب والاصطفاف حول راياتها، توريثها للمجتمع كعنوان جامع تتسع مساحاته لاحتضان الجميع، ويكون فيه الوطن متقدماً خطوات على الاعتبارات الحزبية الضيقة، ورؤية بعض قصار النظر لأبعاد المشروع الوطني الفلسطيني.

ولعلي وفي ظلال أجواء اتفاق المصالحة الأخير – اتفاق مخيم الشاطئ - بين حركة حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية أرى نفسي مدفوعاً بالواجب ومسكوناً بالألم أن أكتب وبصوت مسموع إلى الإخوة في حركة حماس – وهم رصيد الأمة من الخير ومستودعها من الأمل- أدعوهم فيها إلى تشكيل حزب سياسي يمثل الأداة الأبرز للحركة في ممارسة السياسة. وليكن حزباً مدنياً يحترم أصول وأدوات العملية الديمقراطية ومستنداتها من أعراف وثقافات وقيم، يقرأ التاريخ ويستبصر المستقبل، ويستند إلى فقه الواقع والأولويات ومقاصد الحكم والموازنات، ولا يحتضن نخباً بعقليات يحاصرها الغياب، وعاجزة عن تقديم خطاب إسلامي برؤية وطنية جامعة، وحتى وعيها التاريخي لأبعاد النص الإسلامي لا يتجاوز - عملياً - أكثر من عمليات الحفظ والترديد بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير.

لقد طمأن قلبي ما تداولته قبل أيام وسائل الإعلام من تأكيد لأحد أعضاء المكتب السياسي لحركة حماس، بأن الحركة تدرس المشاركة في الانتخابات الرئاسية، مما يعني الجاهزية لدخول منظمة التحرير الفلسطينية وأيضاً للمجلسين التشريعي والوطني، لتستعيد دورها الوطني المنشود.

ومع ذلك، فإن مجرد الذهاب للانتخابات القادمة، والسيناريوهات المحتملة لنتائجها، تستدعي طرح العديد من الأسئلة، أهمها: هل ستشارك حركة حماس في الانتخابات بلافتاتها الدينية، ونخبها التاريخية، وبرنامجها السياسي الذي تقدمت به في انتخابات يناير 2006م، أم أنها ستشارك من خلال حزب سياسي بإطلالة جديدة، وربما بفلسفة سياسية جديدة قادرة على احتضان مجموعات النخب الاقتصادية التي يمثلها رجال المال والأعمال، والفكرية التي تضم في جنباتها الكتَّاب والمحللين والأكاديميين والإعلاميين وتكتلات المستقلين والفنانين وتجمعات الحركة النسوية.؟ بهدف تحقيق التوازن في العملية السياسية، ومشاركات الجميع الفاعلة في البرلمان ومؤسسات الدولة؛ فيما تقدم للشارع الفلسطيني أيضاً وجوهاً تتمتع بالكفاءة الإدارية، والأهلية السياسية، والحيوية المجتمعية، وتحمل رؤية وطنية عريضة تتسع للجميع، وتستوعب كل ألوان الطيف الفكري والتعدد الثقافي والهوية الدينية؛ الإسلامية والمسيحية، وتتعاطى باحترام مع دور المرأة ومكانتها المطلوبة، باعتبارها نصف المجتمع وجزء أصيل من مكونات المجتمع المدني وحقوق الإنسان .

اليوم، ونحن نتحدث عن العمل المشترك، وعن الشراكة السياسية، التي ستحتضن كل ألوان الطيف الوطني والإسلامي، نحتاج إلى وعاءٍ يحتضن الجميع؛ الإسلامي والليبرالي واليساري، على أرضية من التوافق الوطني وخدمة المصلحة الوطنية العليا، حيث تقف أمامنا تجارب في بلدان عربية وإسلامية جديرة أن نقتفي خطاها في كلٍّ من تركيا والمغرب، وحتى وقت قريب كانت هناك - أيضاً - تجربة حزب النهضة (الإسلامي) في تونس .

فلسطين – الوطن: المشهد والرؤية

بعد الانتخابات التشريعية التي جرت في يناير 2006م، كانت هناك مجموعة من التصورات والحقائق التي لا بدَّ لنا - كمتابعين - من التسليم بها وتفهم دلالاتها، حيث تعمدت إسرائيل العمل على إفشال تجربة حركة حماس السياسية في الحكم، وذلك عبر القيام بسلسلة من الاعتقالات لقيادات الحركة وكوادرها داخل مؤسسات السلطة التنفيذية والتشريعية.. وبعد الأحداث الدامية في يونيه 2007م، انتهى - عملياً - وجود حماس داخل إدارات الحكم في الضفة الغربية، إما بفعل ممارسات الاحتلال أو تغول السلطة بعد استشراء حالة الانقسام السياسي.

إن ما تمر به الساحة الفلسطينية من ظواهر الاستقطاب والتشرذم، وما تعيشه من حالات الإحباط وفقدان الثقة في الكيانات الحزبية القائمة، كما أن التجربة السياسية لكلٍّ من حركتي فتح وحماس لم تكن – أيضاً - بمستوى تطلعات جماهير الشعب الفلسطيني وسقف توقعات الشارع الذي انتظر رؤية إنجازاتهما طويلاً، حيث طغت لغة الشعارات والحناجر، والتي لم ترتق إلى تحقيق الحد الأدنى من الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، إضافة لإخفاق الطرفين في وعودهما للشعب الفلسطيني بحياة أفضل ونضالات أشمل، حيث لم يتحقق إحداث أي تقدم على مستوى مشاريعها في التحرير والعودة.. وهذا ما أظهرته استطلاعات الرأي التي جرت مؤخراً، والتي لم تمنح أيٍّ منهما أكثر من 30%، وربما أقل من ذلك بدرجتين أو ثلاث.

إن من المحزن القول: إنه وبعد سبع سنوات عجاف من الاشتباك السياسي والتراشق الإعلامي، فقد ازدادت مساحات التشظي والانقسام بين القوى الوطنية والإسلامية، وأصاب التصدع نسيجنا الاجتماعي، وتوسعت مربعات الاستقطاب والاصطفاف الفصائلي، وغابت في ظل حملات التحريض والتشويه والتشهير الحزبي، والاتهامات المفرطة، الشخصية الفلسطينية الوطنية، الأمر الذي أفرغ الوطن من كيانات سياسية عتيدة، ولم يترك لنا رموزاً وطنية يمكن المراهنة عليها، والالتفاف حولها، في واقع ما هو قائم من سياقات التشهير والاحتراب الإعلامي.

اليوم، ونحن نتجه - بأمل كبير - إلى الانتخابات العامة بعد ستة شهور، فإن هناك بعض التساؤلات المشروعة، والتي تفرض نفسها على مشهدنا السياسي، وهي: ما هو موقف الاحتلال الاسرائيلي من اجراء هذه الانتخابات لاسيما في القدس المحتلة؟؟ وكيف ستكون الأجواء السياسية/الأمنية خلالها في كل من الضفة الغربية والقدس؟ وهل ستتمكن أي من الشخصيات الإسلامية من الترشح كممثل معلن عن حركة حماس، وذلك بكشفه لهوية انتمائه ؟؟ فهل بإمكان أي من الإسلاميين المؤدلجين بعناوين حمساوية القيام بحملات انتخابية لأشخاصهم أو حركتهم ؟ فيما سيكون ذلك مدعاة للتنكيل بهم، ومدخلاً واسعاً لاعتقالهم، وربما إبعادهم – من قبل الاحتلال - لاحقاً؟!!

إننا – في الواقع - أمام تحديات تفرض علينا التفكير بطريقة ذكية لا تعطي للاحتلال مبرراً لاستهداف كوادرنا الوطنية والإسلامية، وذلك بخلق فضاءات سياسية للتضليل والمناورة، يمكننا إذا أحسنَّا حبكها أن نقطع دابر الاحتلال ومكره، ونتخطى بها حيله وتدابير أمره.. وهنا، لا يسعني التفكير إلا في مظلة ذات رؤية وطنية مستقلة، بعيدة عن حسابات الأحزاب والحركات القائمة، تفتح المجال واسعاً لمشاركة الجميع بما فيهم القوى الإسلامية المختلفة والأغلبية الصامتة، التي يتخطى حضورها اليوم نسبة 40% من مجموع الناخبين.

إن على حركة حماس - بوجه خاص - أن تتحرك لبسط أجنحتها تحت هذه المظلة الواسعة، وذلك من خلال إنشاء حزب سياسي مدني برؤية وطنية جامعة، تتقدم فيها أولويات الوطن بأكثر من خطوة على توجهات كل أصحاب الأيدولوجيات السياسية والدينية، ويكون عامل جذب وعنصر حشد داخل الشارع الفلسطيني، سواءٌ على مستوى الأحزاب أو الشخصيات، وخاصة إذا كانت العناوين والأسماء المطروحة على الساحة السياسية لهذا الحزب قابلة للاحتضان داخل فضاءاتنا الوطنية والإسلامية المتعددة.

إن تجارب الفلسطينيين منذ عام 1996م وحتى الآن، لم تقدم النموذج الذي يمكن الإشارة إليه، والاستشهاد به كنموذج ناجح للحكم الرشيد، فيما تشهد الساحات السياسية لبعض الدول العربية والإسلامية اليوم تقدماً قابلاً للمحاكاة، من حيث أطره المفاهيمية والتطبيقية، بالرغم من الخصوصية التي تنفرد بها كل حالة سياسية عن الأخرى.

إن التحولات التي جرت في العالمين العربي والإسلامي، والتي صاحبت ثورات الربيع العربي، قد أوجدت حراكاً ديمقراطياً يمكن البناء عليه، بالرغم مما شهدته بعض الساحات من حالة انتكاس بددت الحلم وأحالته إلى كابوس.

الرؤية والهدف:

لاشك أن الحالة الفلسطينية تمثل واقعاً ربما هناك نُدرة في أن تجد شبيهاً له، من حيث طبيعة الاحتلال والقوى الاستعمارية الداعمة له، ومن حيث مكانة الأرض الفلسطينية وخصوصيتها الدينية، إضافة لما تتمتع به القضية من مكانة مركزية في الوجدان العربي والإسلامي؛ باعتبارها قضية المسلمين الأولى.

من هنا، فإن هناك مجموعة من الأهداف التي يتطلع لها كل فلسطيني في الوطن والشتات، ويأمل في تحقيقها، وهي:

أولاً) المحافظة على وحدة الشعب الفلسطيني، وضمان تطور هويته والدفاع عن حقوقه السياسية المشروعة.

ثانياً) التحرر ونيل الاستقلال وضمان حق تقرير المصير.

ثالثاً) بناء دولة مستقلة، كاملة السيادة، ضمن منطوق الشرعية الدولية وقراراتها المتعاقبة المؤيدة لحق تقرير المصير للفلسطينيين.

رابعاً) الدفاع عن حقوق الفلسطينيين أينما كانوا إلى أن تتحقق تطلعاتهم في التحرير والعودة.

خامساً) ترتيب البيت الفلسطيني بما يضمن حالة من التوافق والسلم الاجتماعي، ونبذ مظاهر التعصب والعنف الداخلي.

الوسائل والآليات

إن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يكتسب أهمية خاصة، من حيث منطلقاته التاريخية والسياسية، الأمر الذي يجعل من وسائل تحقيق المشروع الوطني اكتساب ذات الأهمية في جهة منطلقاتها وتطبيقاتها العملية، ويأتي ذلك انطلاقاً من التشعب الحاصل في مرجعيات هذا الصراع، وارتباطاته المحلية والإقليمية والدولية، الأمر الذي سنجد إسقاطاته الميدانية على أرض الواقع متحققة في السلوك السياسي والمقاوم على حد سواء.

لقد استخدمت القوى الوطنية الفلسطينية طوال ما يقرب من قرن من الزمان العديد من الوسائل المتنوعة، والأساليب المختلفة في محاولة منها لتحقيق المشروع الوطني.. ويمكن القول بثقة مقرونة بدلائل وشواهد تاريخية: إن الحركة الوطنية الفلسطينية استطاعت استلهام معظم تجارب حركات التحرر العالمية، وفي الوقت ذاته إلهام البعض منها بمزيد من الوسائل والخبرات التي انفردنا بها - كفلسطينيين - في فترة من الفترات.

إن هناك جملة من الوسائل التي سيتم اعتمادها للتعاطي مع المرحلة القادمة، والتي يرى الحزب – إذا تمَّ تأسيسه - أنها بمثابة أولويات بالنسبة له، وهي:

1- القيام بعملية متزنة من توزيع المهام، وتقسيم الملفات على مختلف وسائل المشروع الوطني، ففي الوقت الذي مورست فيه المقاومة المسلحة، والعمل التفاوضي على حد سواء، نجد أن قنوات ووسائل أخرى - ربما تكون في الأهمية ذاتها - لم تأخذ قسطها من التعبئة والتحشيد، وما نقصده هنا هو المجالات السياسية والإعلامية والشعبية.

2- إحياء جوانب التنسيق والتكامل بين مكونات الحالة الوطنية، في ضوء أن مختلف القوى في عمومها لم تنجح في إيجاد حالة من التوافق والانسجام والتعاون بينها، وتحقيق قواعد العمل المشترك، لاسيما وأن ما ساد خلال العقود الماضية، واستمر حالياً - للأسف - بمزيد من البؤس، هو حالة التنافر، وتشتيت الجهود وتطايرها في اتجاهات مختلفة, بحيث تضاربت الأهداف والرؤى (الأجندات)، واختلفت المرجعيات، وتباينت الوسائل.

3- تفعيل الوعي الشعبي المتنامي، فلم يعد خافياً حجم ما صنعه صمود الشعب الفلسطيني بقواه الحية، وبطولاتها وتضحياتها مرحلة بعد مرحلة، من إحياء للوعي الشعبي الفلسطيني، وما أصبح له من دور فاعل في شكل تضامن جماهيري واسع النطاق.. وهنا، لا بدَّ من الارتقاء بمستوى الوعي الشعبي المتنامي، بحيث لا يقتصر دوره على "حماية" وسائل تحقيق المشروع الوطني فحسب، بل يصبح مصدراً أساسياً لرفدها بأسباب الدعم المختلفة الذي تحتاج إليها.

4- الأخذ بمبدأ التفاوض السياسي، باعتبار أن المفاوضات هي وسيلة من وسائل إدارة المنازعات الدولية وقت السلم ووقت الحرب، التي يمكن من خلالها تحقيق إنجازات وطنية ودعم المشروع الوطني, بشرط أن تنضبط المفاوضات بالإطار الوطني والحقوق والثوابت الوطنية .

5- كسب مواقف التضامن والتأييد الشعبي في الدول الغربية، التي تبديها الحركات والقوى اليسارية والليبرالية مع نضالات شعبنا، وتطلعاته في نيل حق تقرير المصير.

الموقف من المقاومة

إن المقاومة تحظى بإجماع وطني فلسطيني؛ باعتبار أنها حق مشروع ما دام الاحتلال الإسرائيلي قائماً في الأراضي الفلسطينية، وتشكل المقاومة أداة مهمة من أدوات الصراع، وتحقيق الطموحات، ونيل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.. لا شك أن المقاومة الفلسطينية قد مورست بكافة أشكالها من قبل الفصائل والقوى التي تبنت هذا الخيار، وقد ساهمت في تحقيق مكاسب ملموسة في إطار صراعنا المشروع ضد الاحتلال، غير أن المشكلة الرئيسة التي واجهتنا جميعاً هي كيفية نظم المقاومة بطريقة تكفل أن تكون أشد نجاعة، وأكثر تماشياً مع الأهداف العامة والرؤية السياسية.. إن عدم نظم العلاقة بين فصائل المقاومة أدى في بعض الأحيان إلى خلق حالة من الإرباك، وعدم الانسجام في توجيه البوصلة في اتجاهها الصحيح.. لذا، فإننا نرى أن وضع المقاومة ضمن إطار ينظم عملها، ويرشد سياساتها، ويناغم بين مختلف أطرافها، هو من أهم الأولويات التي ترسخ لعلاقة وطنية أكثر تماسكاً وتلاحماً. من هنا، فإننا نعتقد أن دعم وترشيد ما هو قائم من وحدات فلسطينية مقاتلة لحماية أرض الوطن، بحيث تأخذ بالمعايير والقوانين الدولية، وتحترم قواعد الاشتباك الخاصة بالمواجهة مع الاحتلال، يمثل ترجمة عملية لبعض الأهداف التي نطمح إلى تحقيقها من وراء ذلك.

لقد اجتازت المقاومة الفلسطينية - بشقيها الشعبية والمسلحة - داخل الأراضي المحتلة وخارجها مراحل عدة؛ تاريخية وسياسية وميدانية، بحيث ظهرت وكأنها تتجه نحو ثورة شعبية حقيقية، بدأت بالتحركات الاحتجاجية التي شملت كافة المناطق المحتلة طولاً وعرضاً، ودخلت الشوارع والأحياء والأزقة، مثلما اجتاحت المدن والقرى والمخيمات، وضمت قطاعات السكان كافة، صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، عمالاً ومتعلمين، وباتت ثورة شاملة ضد الاحتلال.

إن من حق كلّ الشعوب التي تعيش حالة احتلالية أن تقاوم، وأن تختار أدوات النضال التي تناسب إمكانياتها، وتتوافق مع حجم الدعم المتوفر لها محلياً وإقليمياً ودولياً، وشعبنا الفلسطيني واحد من بين هذه الشعوب، التي ما زالت ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي.

إطار الشراكة والتحالف

إن الحزب المطلوب يجب أن يكون واجهة للعمل السياسي مشرعة أبوابها للجميع، ويتوجب عليه السعي لحشد كافة الجهود الوطنية والإسلامية المخلصة، بغض النظر عن أيديولوجياتها السياسية، وتوجهاتها الفكرية، وأدواتها النضالية، وتجميعها في جبهة واحدة، لتمكين شعبنا من تحقيق طموحاته وتطلعاته في التحرير والعودة.

إن الحزب المطلوب يمكنه كذلك - في ظل جبهته العريضة وأهدافه المنشودة - العمل في إطار شراكة سياسية مع الآخرين، بما يعزز من قدرات مشروعنا الوطني للنهوض بالحالة المجتمعية لشعبنا في الوطن والشتات.

ومن الجدير ذكره، الإشارة بأن هناك بعض الإسلاميين ممن يتحسس من فكرة الربط بين الدين والسياسة، وأيضاً هناك من يتوجس ويتخوف من فكرة العمل مع الآخرين، الذين لا يضعون المبادئ الإسلامية على خريطة الرؤية الأيدولوجية لأحزابهم، ويرى هذا البعض بأن هناك "نقطة عدم التقاء" معها في البرامج السياسية؛ لأن مساراتها – من وجهة نظره - هي خطوط متوازية لا تلتقي.. والحقيقة التي يعلمها من خبروا العمل الحزبي هو أن العمل السياسي لا يقوم على نقطة التقاء البرامج، بل على مساحات التقاطع بينها؛ أي على مساحة القواسم المشتركة (Mutual Interests)، وعلى امكانيات التوافق حولها.. وكما أن العلاقة بين الدين والسياسة ليست هي علاقة فصل، كما أشار د. سعد الدين العثماني؛ المفكر والسياسي في حزب العدالة والتنمية المغربي، وذلك "لأن الدين حاضر في السياسة - بشكل من الأشكال - في جميع الثقافات والحضارات والمجتمعات، بما فيها المجتمعات الغربية اليوم، ولكنها في الوقت نفسه ليست علاقة وصلٍ تام؛ لأن الفعل السياسي هو دنيوي في الإسلام بامتياز، فهو بشري اجتهادي تقديري، رغم كونه - من حيث العموم - يخضع لمبادئ الدين وأحكامه".

القاعدة الشعبية والنخبوية

إن الحزب - الجبهة سيكون باب الانتساب إليه مشرعاً للجميع، سواء من التجمعات الشعبية أو النخب الفكرية ونشطاء المجتمع المدني، وحتى إخواننا المسيحيين الذين شاطرونا مسيرة الآلام منذ النكبة وحتى الآن، وهم أحد مكونات هذا الحزب وأركانه العتيدة إذا قام.. إن الحزب لن تخرج منطلقاته الاستراتيجية عن الرؤية السياسية التي ترتكز ملامحها إلى العناصر الأربعة التالية؛ وهي:

1- نظام حكم يعتمد مبدأ الشراكة السياسية والتحالفات الوطنية.

2- التوافق الوطني على مستوى المواقف والسياسات، وأساليب المقاومة – المسلحة والسلمية - وأهداف النضال.

3- التواصل مع العمق الاستراتيجي؛ العربي والإسلامي، والتأكيد على مكانته الحاضرة في حماية الحقوق الفلسطينية، والدفاع عن مقدساتها.

4- الانفتاح على المجتمع الدولي، واستثمار حالة التضامن الكبير مع القضية الفلسطينية داخل المجتمعات الغربية.

في سياق هذه الرؤية، ستكون عملية الحشد والتعبئة للحزب، حيث إن معطياته الحركية ومفرداته السياسية تتسع للجميع.. لذا؛ فإن فرص التمثيل ستكون أبوابها مفتوحة على مصراعيها، كي يجد كل من يلج إليها من الفلسطينيين بغيته؛ باعتبار أن الوطن يأتي أولاً، وأن الحق فوق كل شيء.