خبر : قراءة في كتاب " الصهيونية والنازية .. ونهاية التاريخ " (1) ...أحمد رمضان لافي

السبت 03 مايو 2014 09:41 ص / بتوقيت القدس +2GMT




بقلم: تقديم وإعداد / أحمد رمضان لافي
للراحل د. عبدالوهاب المسيري ( الفصل الأول)

في المقال السابق كنا قد تناولنا الموضوع بشكلٍ عام وقضية الإبادة بشكلٍ خاص على أن نستمر بشرح مضمون الكتاب بشيءٍ من التمحيص, وفى هذا المقال سنتناول شرح الفصل الأول من الكتاب ,وفيه يشرح قضية الإبادة والمصطلحات المرتبطة بها في سياقها الحضاري الغربي بشكلٍ عام والألماني بشكلٍ خاص, حيث يرى أن مصطلح الإبادة بعموميته يُطْلَق على القضاء على شعب قضاء كاملاً .. أما في الخطاب الحضاري الغربي فيمكن القول بأنه محاولة النازيين التخلص من الجماعات اليهودية في ألمانيا والغرب عن طريق تصفيتهم جسدياً, ويرى الكاتب بأن مصطلح الإبادة لم يقتصر على التصفية الجسدية بل يَضُم في طياته التهجير الترانسفير والسخرة والتجويع وأخيراً التصفية الجسدية.. وهذا هو الأقرب للراوية.

كما رصد الكاتب أن التحولات الاقتصادية والسياسة لعبت دوراً هاماً في موضوع الإبادة ضد اليهود في أوروبا بشكلٍ عام وألمانيا بشكل خاصٍ. إلاَّ أن تَبَنٍّى ألمانيا النازية الإبادة كوسيلة لحل بعض الإشكاليات التى واجهتها كان له دوافع أُخرى حضارية وثقافية ونفسية.. وقد نبع هذا المفهوم في أوروبا ونظرتهم للأقليات منذ عصر النهضة حيث لم يوجد أي إطار قانونى أو أخلاقي للتعامل مع الإثنيات أو الأقليات وخاصة اليهودية فانتشرت النظرة الدونية الأوروبية لما هو غير مسيحي . وفى هذا الإطار اعتبرت الكنيسة الكاثوليكية اليهود بأنها جماعة شاهدة على عظمة وانتصارات الكنيسة. وجعلت من اليهود جماعة وظيفية فقط .. كذلك استخدم الإقطاع هذه الجماعة كوسيط لمص دماء المجتمع من خلال اللعب كوسيط بين المجتمع وبين طبقة الاقطاع من خلال امتصاص فائض القيمة من الجماهير ومن هنا كان العداء المجتمعي لليهود أيضا. ولم يختلف الوضع بعد عصر النهضة حيث جاءت البروتستانتية .. وجعلت من اليهود أداة لعودة المسيح مرة أخرى وهذا مشروط بعودة اليهود الى أرض الميعاد وفى ذلك فقد استخدمت البروتستانتية اليهود كجماعة وظيفية ولكن بشكل عقائدى كما استخدمتها الكنيسة الكاثوليكية كشعب شاهد, وعلى هذا الأساس تعامل الغرب مع اليهود على أنهم جماعة نفعية اقتصادياً أو عقائدياً.. وتم تقسيم اليهود بشكل هرمى فأعلى الهرم اليهود ذوا المنفعة العالية وهذه الفئة لها كامل الحقوق وأما من هو في الأدنى فيجب التخلص منه. كما يرى الكاتب أن الغرب بعد عصر النهضة وباتساع رقعة التفكير والفلسفة في كل شيء حتى على الانسان نفسه باعتباره كائنا يختلف عن الطبيعة له طبيعته وله قوانينه وله معياريته وبذلك فقد مركزيته الإنسانية حتى وجد نفسه كالآلة مادى مُجَرَّدْ من كل مواصفات الإنسان وتَجَرَّدْ من المصطلحات الدالة على الإنسانية أو البشرية, ومن هنا تحولت الإنسانية الغربية إلى "سوبرمن" بمعنى إمبرياليون يتحكمون في كل البشر والطبيعة , وإلى "سبمن" وهم دون البشر يكونوا أداتيين يُذْعِنُوْن للإرادة الامبريالية, وبعد تقسيم اليهود إلى نفعيين وغير نفعيين فكان الفائض من الغير النفعي لابد من التَخَلُّص منه إما بالترانسفير أو الإبادة, ويُبْحِر الكاتب في هذا المجال ويوضح بأن هذه الثقافة أضحت ثقافة لمعظم شعوب أوروبا المتنفذة وذلك بعد تحويل الانسان إلى مادة توظيف فقط,, ولم تكتفى بالشعوب والأقليات التى تعيش في أوروبا بل تعدت هذه الثقافة المحيطات والبحار والحدود القارية للكرة الأرضية ,,فكانت من أهم تلك المظاهر نقل "البيوريتانز" وهم الساخطين سياسيا ودينيا في أوروبا إلى أمريكا المكتشفة حديثا حينئذ ,, كما نقلت الفاشلين والمُجْرِمِين أيضا .. وتَبِعَتهَا عمليات ترانسفير بهدف خِدمِة الإنسان الغربي فقط ومن ذلك تم نقل الأفارقة مُكَبَلِيْن بالحديد للعمل كعبيد , وتحويلهم إلى مادة استعمالية رخيصة, كما نقلت جيوش غربية للسيطرة على ما يمكن السيطرة عليه من أراضي الدول الأفريقية والأسيوية المتخلفة من وجهة نظر أوروبا.. كما تم نقل العديد من اليونان الى تركيا وبالعكس خاصة بعد الحرب العالمية الاولى,, ونقلت ألمانيا أكثر من 31 مليون من غير الأمان واستبدلتهم بألمان في أوروبا الشرقية...وهناك الأمثلة كثيرة في ترسيخ مفهوم الترانسفير التى قامت بها الثقافة الغربية بما يخدم مصالحها, وارتكز النازيين الألمان في إبعاد اليهود وترحيلهم ونقلهم على هذه الثقافة التى أصبحت جزءا من حياة الغربيين. وقد كانت هذه الثقافة مُكَوِّن أساسي لمرحلة أخرى وهى الإبادة حيث استشعر "البيوريتانز" أنهم مستوطنين لأرض بلا شعب ضد سكان البلاد الاصليين .. ولذلك فهي تُعَدْ أُولى الأيدولوجيات الإمبريالية الإبادية وبكل الأحوال فقد اعتبر النازيون أن نظامهم النازي وممارساته الإبادية هى ثمرة من ثمار الثقافة الغربية التى تكونت وتبلورت من خلال التشكيل الحضاري الغربي , ولم تكن ألمانيا فقط تعيش هذه الثقافة وحدها, حتى أعداء النازية مارسوها وتمنوا أن يفعلوها,, فهذا "تشرشل" رئيس وزراء بريطانيا يقول أنه كان ينوى تجويع الألمان وتدمير المدن الألمانية وحرقها وحرق غاباتها , وحتى اليهود أنفسهم كانوا يطالبون بهذا, فكتاب اليهودي "فلاديمير جابوتنسكى" عام 1934 كان يُنَادى بتدمير ألمانيا حيث يقول : " لابد من تدمير ألمانيا فالشعب الألماني بأسره هو عدو لنا" , أما الكاتب اليهودي " تيودور كاوفمان" في كتابه " لابد من إبادة ألمانيا" هو أكثر المواقف تُحَرِّض على إبادة ألمانيا ولعل النازيين استفادوا من هذا التحريض وجعلوه مبرراً لما فعلوه باليهود واعتبروهم السباقين لهذا,, فكان لكل ما سبق بمثابة تشكيل هوية ثقافية خاصة بالألمان وكيفية التعامل مع الغير ومن أولويات الغير كانوا اليهود لدرجة أن أحد الألمان ويدعى " ولهلم مار" في كتابه " انتصار اليهودية على الألمان " بين الهيمنة اليهودية على الاقتصاد والثقافة, كما أسس جماعة أعداء اليهود. وعندما سيطر الحزب النازي على مقاليد الحكم في ألمانيا اعتبر الحزب اليهود قطاعات غير نافعة بل وضار ة بألمانيا , فَهُمْ من وجهة نظر الحزب سبب هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى وإذلالها واعتبر الحزب أيضا الماسونية والماركسية هي مُجَرَّدَّ حِيَلْ لليهود للسيطرة على ألمانيا ولذلك قرر الحزب التخلص منهم وليجعلوا المجال الألماني خالٍ من اليهود كعرق مُضِرْ .. ولِيُطَهِرُوا بذلك ألمانيا من نَجَسِهِمْ وليحافظوا على العِرق الجيرمانى الأصيل الذى سيحكم العالم فبدأ هتلر بترحيل آلاف اليهود إلى بولندا وغيرها, ناهيك عن الموروث الاقتصادي اليهودي الذى تحكم في حركة المال في ألمانيا والذى نتج عنه فجوة كبيرة من العداء الشعبي أيضا الألماني لليهود على أثر ذلك.

وإلى لقاء آخر في الفصل الثاني ....