خبر : الانتخابات ليست دائماً هي الحل! ...رجب ابو سرية

الثلاثاء 15 أبريل 2014 09:47 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الانتخابات ليست دائماً هي الحل! ...رجب ابو سرية



بعد غد يقترع الشعب الجزائري الشقيق على اختيار رئيس الجمهورية بين ستة مرشحين، أوفرهم حظا الرئيس المنتهية ولايته السيد عبد العزيز بوتفليقة، فيما تجري في الشهر المقبل، انتخابات الرئاسة المصرية، التي يتنافس عليها عدد من المرشحين أوفرهم حظا، كما يبدو، المشير المستقيل من منصب وزير الدفاع، السيد عبد الفتاح السيسي، فيما ينافسه السيد حمدين صباحي مرشح انتخابات الرئاسة السابقة التي جرت قبل نحو عامين، وظفر خلالها بالمكانة الثالثة بعد كل من أحمد شفيق ومحمد مرسي.
وليس بعيدا عن هذين الموعدين، تجري الانتخابات البرلمانية في العراق، وانتخابات الرئاسة في سورية، وبذلك يمكن القول إن عددا من الدول العربية تشهد خلال فترة وجيزة، لا تتعدى العشرة أسابيع، او التي تبلغ نحو شهرين ونصف الشهر، أي الى الصيف المقبل، أو حتى شهر رمضان القادم، مناسبة الانتخابات على رأس النظام، فهل يعني ذلك ان الأمة العربية، مقبلة على تغيير سياسي شامل، أم ان الأمر لن يتعدى تغيير بعض الوجوه، فيما ستظل ـ كما هي العادة ـ رؤوس الأنظمة الشائخة كما هي، وفي مكانها الذي يبدو انه بات مسجلا باسمها ومفصلا على مقاسها؟!
باستثناء العراق، الذي بات منذ إسقاط نظام صدام حسين، نظام الحكم فيه برلمانيا وليس رئاسيا، حيث ان الرئيس العراقي يتمتع بمكانة شرفية، وهو بات مع إقامة النظام الطائفي يشغله عراقي سني كردي، حاليا هو السيد جلال طالباني، الذي يكفي ان نشير الى انه لا يتمتع لا بصلاحيات ولا بمكانة نوري المالكي، رئيس الوزراء ولا حتى بمكانة أو أهمية مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان، الإقليم الذي يتمتع داخل العراق بصلاحيات الحكم الذاتي الكاملة!.
باستثناء العراق فإن كلا من الجزائر ومصر وسورية، محكومة بنظام حكم رئاسي واسع الصلاحيات، نظام حكم مركزي، وان كانت هذه الدول قد دشنت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي النظام الجمهوري، الذي جاء احتجاجا على النظام الملكي، إلا إنها في الحقيقة لم تغير جوهر نظام حكم الفرد المستبد، فإذا كان الملوك يحكمون في بلادنا، طوال الحياة، فقد صار هذا شأن الرؤساء أيضا، الذين سرعان ما سعوا وحاولوا أن يكملوا "الصورة الملكية" المحيطة بهم، بقصر أركان الحكم على عائلة الرئيس وأسرته وأقاربه، ثم في محاولة توريث الحكم، حيث سعى الى ذلك كل من حسني مبارك ومعمر القذافي، وفشلا بالطبع، فيما نجح في ذلك نظام الأسد في سورية، حيث تولى بشار الرئاسة بعد موت أبيه، ولم يقتصر الأمر على توريثه وحسب، بل إن مجلس الشعب السوري قام يومها "بتفصيل" النص الدستوري ـ الذي كان ينص على شرط وضعه الأسد/ الأب، بأن يتجاوز الرئيس الأربعين من العمر ـ على مقاس بشار، الذي كان يبلغ من العمر حينها الرابعة والثلاثين (دستور العام 2012 عاد لهذا الشرط، ربما احتراما لذكرى الرئيس الوالد، أو تضييقا لدائرة "المنافسة" للرئيس بشار)!
بوتفليقة يترشح لولاية رابعة، مدة كل واحدة منها خمس سنوات، أي انه وهو الذي يبلغ الثمانين عاما من العمر، لو بقي حيا طوال الخمس سنوات القادمة، فإنه سيكمل العشرين عاما في الحكم، وهذا يعتبر أطول فترة رئاسة، لم تتحقق حتى لهواري بومدين، أهم رئيس في تاريخ الجزائر، أما انتخابات العراق، فلا احد يعرف مصيرها، وان كانت المقدمات تشير الى رغبة الشيعة ممثلين بتياري الصدر والحكيم في إنهاء حكم المالكي، الذي حكم حزبه به ولايتين وبسلفه إبراهيم الجعفري ولاية ثالثة، أي ان الأمر لن يتعدى تبديل المقاعد داخل البيت الشيعي، أما في سورية، فإن ترشح الأسد، فضلا عن انتخابه رئيسا، لن يستفز المعارضة السورية وحسب، بل سيدفع للوراء بالحل السياسي، ويبقي على خيار تفتيت البلاد وتآكلها باستمرار الحرب الأهلية فيها لسنوات طويلة قادمة، فضلا عن انه سيفتح له باب الحكم لولاية ثالثة، تعني ان يستمر في الحكم لأكثر من عشرين عاما. وفي مصر، فإن انتخاب السيسي، سيعني إغلاق الأبواب أمام الإخوان المسلمين، واستمرار حالة التوتر الداخلي، بحيث لا يكون هناك سوى خيار "فرض" الاستقرار بالقوة، كذلك هناك خشية على مظاهر الحياة الديمقراطية الوليدة، في ظل رئيس قوي، يستند لتأييد ودعم شعبي، لم تشهده البلاد منذ خمسينيات القرن الماضي مع عبد الناصر.
تجربة الشعوب العربية مع الانتخابات السياسية، التي تصل لدرجة تداول السلطة، ليست تجربة جيدة، ان لم تكن مريرة، فقبل ربع قرن دخلت الجزائر في أتون حرب أهلية استمرت اكثر من عشر سنوات، بعد الانتخابات المحلية، وتجربة فلسطين مع الانتخابات التشريعية، أدخلت النظام في ازدواجية "فتح" و"حماس"، نظرا لأن الرئيس كان من "فتح" وأغلبية التشريعي من "حماس"، وانتهت بالحرب الأهلية والانقسام الداخلي وتعطل الحياة الديمقراطية لمدة سبع سنوات حتى الآن. وانتخابات الرئاسة المصرية في حزيران 2012 لم تكمل ولايتها، وحين تم عزل مرسي العياط، دخلت البلاد في حالة من التوتر، لولا قوة الجيش لتحولت الى حرب أهلية، وقصة العراق معروفة، حيث لم تحقق البلاد وحدتها الداخلية الحقيقية منذ إسقاط نظام صدام، ولا حققت المساواة ولا العدالة، وبدلا من إقامة نظام حكم قائم على أساس المواطنة، أقامت نظام حكم طائفي/ مستبد بديل، فيما أدخل نظام حكم الأسد سورية في حرب أهلية، أسقطت حتى الآن أكثر من مئة وخمسين ألف ضحية، وشردت نصف الشعب السوري ودمرت البلاد، الى حدود مرعبة.
والجزائر والعراق دولتا نفط وغاز، أي فيهما ثروات طبيعية وعدد من السكان لا بأس به، كذلك مساحة طبيعية شاسعة، إضافة الى التعدد الإثني والعرقي والطائفي والتاريخ الحضاري، ورغم ذلك لم تتحول الجزائر الى يابان إفريقيا، ولا تحولت العراق الى درع العرب الشرقي. وفي الحقيقة فإن المشكلة ليست في إجراء الانتخابات أو في عدم إجرائها، وليس في كون الديمقراطية شكلية، وغير كاملة ولا مكتملة، ولكن تكمن بشكل محدد في عدم تحديد صلاحيات الرئيس، الذي هو في الحقيقة ملك، وفي عدم تحديد الدستور لشرط عدم الترشح للمنصب لأكثر من ولايتين (انتبه دستور 2014 المصري لهذا الأمر ـ أخيرا)، ولو كان الأمر كذلك، لارتاح السوريون والجزائريون من الجدل، ولاختصروا أكثر من نصف الطريق.
Rajab22@hotmail.com

رجب ابو سرية