خبر : مراسل بريطاني في يبرود: مقاتلو "النصرة" والجبهة الاسلامية خربوا فيها اقدم كنائس سورية

الأربعاء 19 مارس 2014 07:26 م / بتوقيت القدس +2GMT
مراسل بريطاني في يبرود: مقاتلو "النصرة" والجبهة الاسلامية خربوا فيها اقدم كنائس سورية



يبرود (سورية)، لندن– نشرت صحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية اليوم الاربعاء تقريراً من كبير مراسليها في الشرق الاوسط روبرت فيسك الموجود في بلدة يبرود السورية التي استعادت القوات الحكومية السيطرة عليها من المتمردين. وينقل فيسك ما شاهده من دمار ومن تأثير الحرب الاهلية على اهاليها. وهنا نص تقريره:

"انتهت معركة يبرود لكن الكنيسة الارثوذكسية اليونانية القديمة فيها تعرضت لتخريب وحشي على ايدي ساكنيها السابقين المتمردين، وباتت شوارعها مغطاة بمظاريف الطلقات النارية الفارغة، وبدت بيوتها محطمة وحافلة بثقوب القذائف. راقب الجنود السوريون – ومجموعة من مقاتلي حزب الله اللبناني – العميد بادي علي وهو يرفع علم الدولة يوم الاثنين، بعد ان فات اوان انقاذ الرسوم الجصية الجميلة التي خربها رجال جبهة النصرة والجبهة الاسلامية في اقدم كنيسة في سورية.

باتت كنيسة سيدتنا الارثوذكسية اليونانية مكانَ عارٍ مليئة بالاناجيل المحروقة واللوحات الممزقة بالسكاكين – ويرى كثير منها ممزقاً ارباً من القماش الاحمر والمذهب الى جانب صليب المذبح المكسور – وقطع فسيفساء مزالة عن الجدران بازاميل. وقد يسأل متشككون عما اذا كان النظام هو الذي قام بهذا العمل المحرم – لفائدة الكاميرات – ولكن تخريب مكان العبادة هذا بما فيه من اعمدة قديمة وازالة عيون القديسين من لوحات الفسيفساء لا بد ان يكون قد استغرق اسابيع.

هاجم الاسلاميون لوحة فسيفساء للقديس جورج والتنين – بل وازالوا ايضاً عيني التنين وكذلك عيني الفارس السيء الحظ. ليس بوسعك ان تسمي هذا العمل المحرم شائناً. ولكن عليك ان تسأل كيف يمكن لسورية ابداً ان تصلح العلاقات بين المسلمين والمسيحيين بعد مثل هذا التخريب المتعمد. ربما كان الجواب هو ان هذا لن يكون ممكناً ابداً، مع ان المدنيين المسلمين في هذه البلدة القديمة حموا، بشجاعة هائلة، جيرانهم المسيحيين حتى النهاية.

اما الجنود السوريون فقد تدفقوا الى البلدة بآلافهم. لم تكن هناك جثث باقية – مع ان الحيوانات النافقة المتعفنة كانت كثيرة – لكن الرجال الذين تحدثت اليهم امس كانوا مقاتلين اشداء، وكانت وجوههم ملوحة بالهواء الجبلي بعد 13 يوماً من القتال. وكان الامر كذلك بالنسبة الى اعضاء حزب الله الذين نظروا بدهشة الى الصحافي الانكليزي طالبين الا تلتقَط صورهم ولكن مع الرد بايجاب على ما اذا كانوا قد جاؤوا من سهل البقاع في لبنان، في الجانب الآخر من سلسلة الجبال فوق يبرود.

كانت معداتهم جديدة، بما فيها بنادق قنص واجهزة راديو. لم يكن هذا جيشاً مهلهلاً. وبدا ان رجال الجيش السوري ورجال حزب الله يعملون بصورة شبه مستقلة بعضهم عن بعض وبقوا متباعدين في الشوارع، مع انهم تقاسموا طعامهم ووقفوا يراقبون دبابتين روسيتين جديدتين وهما تتجهان الى الميدان الرئيس.

كيف يمكنك ان تدون تاريخ الايام الـ13 الاخيرة – او حتى قصة الولد الصغير الذي عاش شهوره الـ 15 كلها تحت حكم الاسلامويين – في الوقت الذي لم يكن فيه احد سوى من يعيشون هنا والمقاتلين المتمردين بينهم شهوداً على ما تحملته يبرود لاكثر من سنتين؟

كانت الطريق الى البلدة محفرة، ومبانيها، ودكاكينها ومحالها منهوبة، واهاليها مختبئين خوفاً. وجدت امرأةً واحدة فقط في شارع من المباني العثمانية القديمة المبنية جدرانها بالطين والماء وحسب. كانت ما تزال تحتفظ بابقار في الطابق السفلي من منزلها. تحدثت ام قصي – والولد الصغير هو ولدها – عن كيف قامت هي وما يصل الى 70 امرأة اخرى بمظاهرة في الشارع ضد مقاتلي جبهة النصرة، الذين لم يكن بعضهم يتحدث العربية.

قالت: "هددونا وطوقونا وقالوا لنا انه ممنوع علينا ان نتظاهر. امرونا بالا نذكر اسم الرئيس بشار الاسد لكننا قلنا اننا لا نريد اجانب في سورية. ثم قمنا بمظاهرة اخرى ولم يكن هناك سوى 10 منا فطوقونا باكثر من 200 من مقاتليهم. وسجلوا شريطاً لعبوه على جهاز راديو معهم، مدعين ان قائدة المظاهرة عميلة للحكومة. وقد صوبوا بندقية الى رأسها. لكن الشريط كان مزوراً".

كانت هناك تعليقات اخرى مثيرة لقلق عميق. ادعت ام قصي ان مقاتلي جبهة النصرة - الذين كانوا مثلها مسلمين سنة – ارغموا الناس في البلدة على دفع اسعار باهظة لقاء ما جلبوه من طعام. وتعين على المسيحيين دفع اثمان اعلى كضريبة بسبب ديانتهم. وقالت ان قسما كبيراً من المواد الغذائية كانت معونة انسانية جاءت عبر الحدود من لبنان – ويفترض انها من مخيمات لاجئين لجأ اليها انصار المتمردين طلباً للسلامة.

عند زاوية الشارع صادفت القائد الميداني للجيش السوري الذي شق طريقه الى داخل يبرود، وهو العقيد مدين عبادة. وصف معركة من مرحلتين – وكانت نيران القذائف ما زالت اصداؤها تتردد على سفوح الجبال فوقنا بينما كنا نتحدث – والتي ستنتقل حتماً الآن الى بلدة رنكوس، حيث ما زالت جبهة النصرة صامدة. لكنه اصر على ان بلدة عرسال اللبنانية – التي جلب منها المتمردون كميات كبيرة من الذخائر الى سورية – صارت مقطوعة الآن وراء الحدود اللبنانية. وهذه ضربة اخرى لخصوم الأسد.

كان جنود عبادة يقاتلون منذ يومين من دون ان يناموا لكنهم بدوا كرجال مؤمنين بانهم يحققون النصر – ومن الممكن ان تكون هذه هي الحقيقة فعلاً. وما لم يخسر الجيش السوري يبرود – كما خسر معلولا بعد استعادتها للحكومة في السنة الماضية – فانه يبدو مصمماً على البقاء هنا. ومن هنا جاء رفع العلم وكل الاشارات الى "النصر" و"الشجاعة" و"البطولة".

استمر خطاب الجنرال علي مدة طويلة – لماذا يلقي كل الجنرالات نفس الخطب؟ لكن الملصقات القديمة كانت باقية على الجدران.

كان عنوان احدها "حزب التحرير الشعبي في يبرود". وجاء فيه: "اذا كنت صابراً ومؤمناً بالله، فان مكر اعدائك لن يؤذيك". لكن قدراً كبيراً من الاذى طال المتمردين في يبرود. وفي العادة يأخذ السوريون اسرى. لكن مما ينذر بسوء انني لم ار اي اسير.

قال الضباط السوريون انهم عثروا على جوازات سفر مصرية واماراتية في البلدة. قالوا نها حقيقية واخذت من جثث اصحابها القتلى – واعربوا عن الاسفلعدم استطاعتهم ابرازها لي – مع ان عندهم اسماء.

كان عبد الرحمن محرز قائد كتيبة احرار الشام. وكان هناك تونسي اسمه محمود عثمان البرشة. ومحمد القدياني، قائد كتيبة مغاوير القلمون. وعمر سليمان خزنة قائد كتيبة فجر الاسلام. وكانت القائمة طويلة.

يبرود بلدة غنية، او كانت كذلك. ومن عائلاتها الكثيرة التي غادرت سورية عائلة الرئيس الارجنتيني كارلوس منعم الذي عاد لزيارة بلدته في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) 1994. وهناك نصب لتخليد ذكرى تلك الزيارة، مغطى بعلم المتمردين ذي الالوان الاخضر والابيض والاسود. وربما تدفع تلك العائلات كلفة اعادة بناء هذه البلدة. ولكن من سيدفع كلفة اعادة بناء سورية؟

يبرود تبدو الآن الى حد كبير مثل سورية. مهملة، مخربة، يجري القتال عليها، وحافلة بالانقاض. ولا شك في انها ستعتبر نصراً مظفراً".