خبر : إسرائيل: فكرة الاعتراف بالوطن القومي اليهودي ...بقلم: أشرف العجرمي

الأربعاء 19 مارس 2014 08:04 ص / بتوقيت القدس +2GMT
إسرائيل: فكرة الاعتراف بالوطن القومي اليهودي ...بقلم: أشرف العجرمي



تحاول أوساط سياسية إسرائيلية بذكاء بالغ الربط بين مطالبة الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل وطن قومي للشعب اليهودي وبين التسليم الفلسطيني بالحل الدائم ونهاية المطالب الفلسطينية من إسرائيل.
ويدعي هؤلاء أن إصرار الفلسطينيين على رفض القبول بالاعتراف معناه أنهم يريدون تدمير إسرائيل وأنهم لا يزالون يتبنون استراتيجية المراحل التي يراد منها القضاء على دولة إسرائيل، واستطاعوا إقناع الإدارة الأميركية بهذا الطرح لدرجة أن موضوع الاعتراف بإسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي يكاد يصبح أحد قضايا التسوية الدائمة المركزية مثل الحدود والقدس واللاجئين والأمن والمياه، وهو لم يكن كذلك قبل بدء المساعي الأميركية الجديدة التي قادها وزير الخارجية جون كيري، وكل المحاولات الفلسطينية لإخراج هذا الموضوع من دائرة النقاش على ما يبدو لم تفلح حتى اللحظة، وهذا يتضح في تصريحات المسؤولين الأميركان من الرئيس باراك أوباما حتى جون كيري، وإن كان الأخير قد وجه انتقادات لإسرائيل يعتبر فيها الإصرار على طرح الموضوع كشرط مسألة خاطئة.
فكرة الاعتراف بالوطن القومي للشعب اليهودي هي فكرة جديدة في مسيرة المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية وأول من طرحها اريئيل شارون في أحد خطاباته عندما كان رئيساً للوزراء وتبنت الفكرة تسيبي ليفني بعد أن تولت رئاسة الحكومة مؤقتاً بعد تنحي إيهود ألمرت، وتحولت إلى شرط تعجيزي وعقبة كأداء في وجهة العملية السياسية عندما تبناها بنيامين نتنياهو، وأيده في ذلك الأميركان الذين لا يرون غضاضة في اعتراف الفلسطينيين بالوطن القومي اليهودي على اعتبار أن التسوية المنشودة قائمة على أساس حل الدولتين بمعنى " دولتين لشعبين" وأنه إذا كان على الإسرائيليين أن يعترفوا بفلسطين التي ستقوم دولة للشعب الفلسطيني فعلى الفلسطينيين أن يعترفوا بإسرائيل دولة للشعب اليهودي. وهذا الموقف يتجاهل حقيقة أن الفلسطينيين اعترفوا بإسرائيل وحقها في الوجود واعترفوا بالشعب الإسرائيلي، وهذا ما فعلته الدول العربية التي وقعت اتفاقات سلام مع إسرائيل مصر والأردن التي اعترفت بإسرائيل هي كذلك.
ليس مطلوباً من الفلسطينيين أن يعترفوا بأسطورة حتى لو أصبحت بعض الحقائق على الأرض تجسدها بقوة الأمر الواقع. وللحقيقة لا يمكن للفلسطينيين أن يقروا بمحض إرادتهم أن فلسطين التاريخية هي وطن قومي لليهود ويلغوا ببساطة حقهم التاريخي الذي حصلوا عليه بوجودهم ووعيهم الجمعي وحضارتهم وثقافتهم ولغتهم ودياناتهم وإرثهم الوطني والمعنوي. ولو قارنا بين الرواية التاريخية الفلسطينية التي يسندها تاريخ وجود الشعب الفلسطيني لآلاف السنين وبين رواية اختلقت في القرن التاسع عشر تيمناً بنشوء وتبلور القوميات في أوروبا وهي قوميات يجمعها الكثير من الخصائص المشتركة التي تتجاوز فقط الجغرافيا إلى اللغة ومكونات أخرى لم تكن تتوفر عند اليهود في أوروبا.
وحين العودة إلى جذور اختراع الشعب اليهودي من المفروض أن نوجه الإسرائيليين جميعاً لقراءة كتاب اليهودي الإسرائيلي البروفيسور شلومو ساند استاذ التاريخ المعاصر في جامعة تل ابيب الذي يحمل عنوان " اختراع الشعب اليهودي" الذي يتحدث عن مقارنة موضوعية بين قوميات مختلفة في أوروبا كان عليها أن تخترع وعياً قومياً وتاريخاً قومياً ورموزاً قومية على غرار علم ونشيد قومي وطوابع بريد ولباس وأبطال قوميين ولغة بينما كان على اليهود اختراع الشعب نفسه.
وقام ساند بتفكيك الركنين الأساسيين اللذين استندت عملية اختراع الشعب اليهودي من خلال نفي رواية "الشتات اليهودي" ودحض الادعاء بطرد الرومان لليهود. والكاتب يؤكد أن الطرد لم يحصل، وأن رواية الطرد والتشريد كانت ضرورية من أجل بناء ذاكرة للمدى البعيد وضع فيها شعب عرقي متخيل ومنفي باعتباره استمرارا مباشرا للشعب التوراتي القديم، ونفي الادعاء بأن الدين اليهودي لم يكن ديناً تبشيرياً أي محاولة المخترعين دحض فكرة دخول قوميات وأجناس مختلفة الديانة اليهودية، وكأن اليهود هم قوم يتميزون بنقاء العرق عاشوا في فلسطين وطردوا منها وجميهم ينتمون للقبائل اليهودية الأصلية، وبالتالي عودتهم إلى فلسطين طبيعية في إطار استرداد حق تاريخي.
وما قام به البروفيسور ساند يعتبر محاولة جريئة لنبش الماضي اليهودي وإيضاح الواقع الحاضر لتخليص الإسرائيليين من الاعتقاد الملفق بالأصل العرقي الواحد لليهود، وبالتالي هو يساهم في عقلنة التفكير الإسرائيلي ورؤية الآخر ومحاولة الدفع باتجاه تحقيق حل الدولتين وتحويل إسرائيل إلى دولة لكل مواطنيها.
وإذا كان هذا أستاذ التاريخ الإسرائيلي هذا وغيره من الباحثين والمؤرخين الإسرائيليين في تيار ما "بعد الصهيونية" الذي لم يصمد أمام جبروت النقد ولأنه لم يكن جذرياً بما يكفي يقولون بأن الرواية التوراتية والرواية الصهيونية لا تصلح للتأريخ فكيف يمكن أن يقبل الفلسطينيون أقل مما يثبته المؤرخون الإسرائيليون.
نحن هنا لسنا بصدد دحض حقوق الإسرائيليين اليهود في دولة، وهذا ما تجاوزناه بالاعتراف بحق إسرائيل في الوجود وفي حق الشعب الإسرائيلي في دولة خاصة به، فلا يمكننا أن ندحض الواقع القائم الذي نقر به ونتعايش معه. ولكن لا يمكن أن نقر برواية مختلقة وشعب أنشئ بقرار أممي وليس نتيجة تطور طبيعي يؤدي إلى تكوين قومية ودولة مستقلة، فولادة الشعب الإسرائيلي كانت غير طبيعية وجاءت لأسباب وحاجة الدول الاستعمارية لمثل هذه الدولة التي كان من الممكن أن تقوم في دولة إفريقية مثلاً.
نحن الآن لا نحاكم التاريخ ولا نشكو ظلمه ولكن لا يمكن أن نقبل الغبن ونشطب تاريخنا وحقوقنا، وإذا كان الإسرائيليون يصرون على أن نتعايش مع روايتهم لا أن نقبلها كما هي لا بد أولاً من قبول روايتنا التي يسندها التاريخ الحقيقي للمنطقة ولهذه الأرض تحديداً، ففلسطين كانت موجودة قبل وبعد كل التغيرات التي حصلت بقوة الواقع المفروض بقوة السلاح أصلاً.