خبر : زيارة الرئيس هل ستكون حاسمة؟ ...بقلم: د. عبد المجيد سويلم

الخميس 13 مارس 2014 10:32 ص / بتوقيت القدس +2GMT



الأرجح أن تكون زيارة الرئيس أبو مازن إلى الولايات المتحدة حاسمة بالفعل وذلك في ضوء الحقائق التالية:
• فشلت الولايات المتحدة أو عجزت ـ لا فرق ـ في الضغط على إسرائيل، وعاد نتنياهو متحرّراً من هذه الضغوط، بعد أن تأكد له حرية كل طرف في التحفظ على ما يراه مناسباً، وبعد أن أدرك أن من الأفضل له (عدم التدخل) في صياغة الوثيقة باعتبارها (أي الوثيقة) وثيقة أميركية غير ملزمة بالكامل، وبعد أن أيقن واطمأن بالملموس أن هذه الوثيقة توفر له فرصةً إضافية للاستمرار في المخططات الاستيطانية والتهويدية، وخصوصاً إذا ما تمّ تمديد المفاوضات وهو أمر مرجّح على ما يبدو.
• تبددت مخاوف نتنياهو في ضوء الانحياز الأميركي "الجديد" حول قضية الأغوار والحدود والمعابر. فقد بات واضحاً الآن أن الموقف الأميركي الآن بات أقرب إلى وجهة النظر الإسرائيلية، حيث إن الولايات المتحدة تطالب ببقاء السيطرة الأمنية الإسرائيلية (لمدة سيتم التوافق عليها في المفاوضات القادمة) على طول الشارع (90) شرقاً وعلى بقاء القواعد والمنشآت العسكرية المحاذية لخط النهر على طول الحدود.
قبلت الولايات المتحدة بوجود طرف ثالث ولكن القرار يظلّ في يد القوات الإسرائيلية بكامل فترة بقائها هناك، أما بالنسبة للمعابر فقد قبلت الولايات المتحدة بحق إسرائيل بـ "الفيتو" على دخول الأفراد والسلع بغض النظر عن الشكل، ولم توافق على "إلزام" إسرائيل بمدة زمنية محددة لهذه السيطرة وهذا "الفيتو".
• تبنّت الولايات المتحدة فكرة الكتل الاستيطانية دون تحديد ملموس حتى الآن، و"أُدغمت" الفكرة في مسألة التبادل، وأُعطيت إسرائيل بموجب ذلك هوامش إضافية لزيادة الكتل من جهة وإعادة "تجميعها" من جهةٍ أخرى.
وبذلك بقيت هوامش الاختلاف بين الموقف الأميركي والموقف الإسرائيلي محصورة في ثلاث قضايا رئيسية:
1ـ القدس، حيث إن الولايات المتحدة ترى ضرورة قصوى لتقسيم واقعي ما بين الشرقية والغربية كعاصمتين لكل دولة من حيث الجوهر وكمدينة موحدة من حيث الشكل الإداري، لكن دون تحديد نهائي وملموس للمناطق المقدسة من المدينة، وحيث أن السيطرة على هذه المنطقة مسألة في غاية الأهمية والحساسية.
2ـ اللاجئون، حيث ترى الولايات المتحدة أن الإلغاء الكامل لهذا البند وتحويله إلى عودة مقننة ومشروطة لأراضي الدولة مسألة غير كافية ولا بدّ من توافق "ما" على عودة مفتوحة نسبياً لأراضي الدولة الفلسطينية وعلى وجوب عودة أعداد مشروطة ومقننة لإسرائيل نفسها إضافةً إلى التعويض. كذلك لم توافق الولايات المتحدة على أي نوع من الربط ما بين عودة الفلسطينيين وتعويضهم وأملاك اليهود في البلدان العربية حتى الآن.
3ـ ترى الولايات المتحدة أن قاعدة الحل هي حدود العام 67 مع التبادل الذي يسمح بواقع "أمني وديمغرافي" "مقبول" للطرفين معاً.
أما فيما يتعلق بيهودية الدولة فقد بات واضحاً الآن أن الولايات المتحدة قد تحايلت على هذه المسألة من زاوية النص أولاً، ومن زاوية عدم الالتزام المسبق بهذا النص، مع التعهد بقبول تلك الصيغة في "الحل" المستقبلي الشامل ثانياً؟!
الهدف الأول للولايات المتحدة من دعوة الرئيس إلى لقاء الرئيس أوباما في واشنطن هو الضغط على الجانب الفلسطيني "ودراسة" إمكانيات انتزاع مواقف فلسطينية لمصالح المواقف الأميركية التي باتت في مرحلة الصياغة النهائية والتبلور الملموس في كافة المسائل التي ستطرح في هذه الوثيقة.
القضايا التي سيطالب بها الرئيس أبو مازن ـ على ما أُخمّن ـ هي التالية :
1. الطرف الفلسطيني مستعدّ لقبول وجود إسرائيلي محدود في منطقة الأغوار شريطة أن يتم النص الواضح والصريح على انتهاء هذا الوجود بعد فترة زمنية محددة (3ـ5) سنوات وبوجود أطراف ثالثة وعدم القبول بالمطلق مبدأ رهن الانسحاب النهائي والكامل بالإرادة الإسرائيلية، وحيث أن (جاهزية) القوات الفلسطينية من الناحية الفنية هي ذريعة فارغة ولا أساس حقيقياً لها.
2. فيما يتعلق بالمعابر فإن الطرف الفلسطيني سيطالب بأن يكون الحق بالسماح من عدمه في يد طرف ثالث ولفترة زمنية محددة، على أن يتسلم الطرف الفلسطيني كافة الإجراءات الفنية والإدارية للدخول والخروج من المعابر.
3. سيصرّ الطرف الفلسطيني على أن تبادل الأرض مرفوض على قاعدة الاحتياجات السياسية والأمنية الإسرائيلية وإنما على قاعدة عدم الإجحاف بتواصل وسيادة الدولة الفلسطينية، وعلى أساس المساواة في القيمة والمثل والرفض المطلق للتبادل السكاني، وعلى أن يكون منطلق التحديد للحدود هي حدود الرابع من حزيران بما في ذلك منطقة اللطرون والقرى الثلاث والبحر الميت والمنطقة الحرام (بالحدود القديمة)، وليس ما خلقته إسرائيل من وقائع في هذه المناطق.
4. وسيطالب الطرف الفلسطيني باعتماد نفس النص الوارد في مبادرة السلام العربية وقمة بيروت حول اللاجئين، وحول القدس الشرقية، أو تحويل المدينة بكاملها إلى مدينة مفتوحة للطرفين وبإدارة دولية وكعاصمتين للدولتين.
في هذه الحالة ـ حالة تمسّك الجانب الفلسطيني بمطالباته ـ فإن الإدارة الأميركية ستكون مرغمة على البحث عن صيغة جديدة للإطار بحيث يتضمن الإطار المبادئ العامة للاتفاق مثل حل الدولتين، وحدود الرابع من حزيران كقاعدة، وضرورة التبادل، والقدس كعاصمة للدولتين، وحل "ضروري وواقعي" لقضية اللاجئين، وأن تعطى للطرفين فرصة جديدة للتفاوض على التفاصيل الملموسة، وهذا ما هو مرجّح بالفعل.
في الواقع تكون زيارة الرئيس بهذه المعاني حاسمة لجهة أن لا نلتزم بشيء قبل أن تلتزم إسرائيل بالأشياء المطلوبة منها، ونبقى في هامش المناورة المتاح حتى الآن، ودون أن تكون المفاوضات قيداً على حركتنا السياسية وبالشكل الذي نراه مناسباً طالما أن إسرائيل ليست مقيدة بشيء وتفعل ما تراه مناسباً لها.
زيارة أبو مازن حاسمة ليس باتجاه الحل وإنما حاسمة باتجاه منع الحل الإسرائيلي، وباتجاه عزل ومحاصرة السياسة الإسرائيلية بقدر ما هو ممكن وهو إنجاز كبير على كل حال.