خبر : خيار "حماس" الأخير ....بقلم: حسين حجازي

السبت 08 مارس 2014 11:27 ص / بتوقيت القدس +2GMT
خيار "حماس" الأخير ....بقلم: حسين حجازي



هكذا حتى في وسط الحرائق المشتعلة في كل مكان، وأطواق النار والعواصف في هذا التفجر الكبير للشرق، وحتى في الساحل الاوراسي، الذي قال تشرتشل مرة: ان من يسيطر عليه يسيطر على العالم. فانهم لا ينسون او يغمضون العين عن تركيز انتباههم، نحو المصفاة الاخيرة التي تعتصر كل هذه الانفعالات، الاعتمالات كما التيارات والصبوات المتعارضة والتناقضات. مصفاة اسيا الغزية، التي تعاود الأنظار تتجه اليها، باعتبار المعركة من حولها وعليها هي التي تقررنتيجة الحروب. فالى غزة اذن در هنا الوردة ومشد رحالنا واتكال افراسنا فلنرقص هنا.

لكن الغزيبن الذين يبدو كما لو انهم في السنوات الاخيرة، سلموا بقدرهم المنكود هذا وشقائهم، في ظل حصار متطاول ودونما اكتراث بين فتح الانفاق واعادة اغلاقها، فتح معبر رفح بالقطارة لايام معدودة واعادة اغلاقه، السماح بادخال الاسمنت ومشتقات الوقود وعدم السماح بذلك، خلع نظام حسني مبارك والإتيان بالاخوان المسلمين ثم خلعهم، وانتظار حرب اخرى على الابواب بعد حرب اخرى سابقة. ان هؤلاء الغزيين الذين يبدو وكأنهم تركوا لمصيرهم، لا يظهرون أي اكتراث بشأن التصورات او الخطط الكبيرة التي نحاول هنا استقراءها، من لدن هذه المجموعة المزدهرة من صراع المعسكرات والتحالفات. لسان حالهم هو قول المسيح "اعطنا كفاف يومنا" وما عدا ذلك فليس ثمة ما هو اسوأ مما يحدث اليوم، فما الذي سيحدث غدا اسوأ مما يحدث اليوم؟.
وحدها حركة حماس السلطة السياسية والفعلية الحاكمة في غزة، هي من يقلقها امر هذه التصورات عن الشر الذي يحمله بكرا، وذلك منذ الاطاحة بحكم الاخوان المسلمين في مصر. التحول الذي اطاح بكل تصورات حماس المتفائلة والوردية عن المستقبل، الذي يؤكد الثقة بنجاح التجربة في غزة، وذلك دفعة واحدة كما في قصة بائعة اللبن الشهيرة. لترى نفسها مجددا وقد ذهبت هذه التصورات مع الريح التي اطاحت بحكم الاخوان في مصر .
وهي الضربة التي جاءت على نحو مباغت ومفاجئ للحركة في غزة، كما للاخوان في مصر بعد سنة واحدة، تنفست فيها غزة الصعداء، وشهدت فورة فعلية من الانتعاش والازدهار الذي يذكرنا بالاعوام الاولى من انشاء سلطة عرفات في غزة. فقد بدت الانفاق مع مصر ممرا تجاريا يدر على الاغنياء الجدد في غزة ، كما أتاحت لسلطة حماس موارد مالية كبيرة ادت الى انخفاض اسعار الشقق السكنية، كما السيارات، واستيعاب اكثر من 20 الف عامل فقط في تجارة الانفاق، كما شهد قطاع البناء نموا واضحا عزز الامال بانخفاض حجم البطالة.
وأدى الانتعاش المالي لسلطة حماس الآتي من الضرائب الى التوسع في قطاع التوظيف في اجهزتها الامنية كما وزاراتها الحكومية، حتى وصل الحال في بعض الاحيان انها كانت تدفع رواتب موظفيها نحو 55 الف موظف في غزة، قبل ان تتمكن السلطة الفلسطينية في رام الله من توفير الاموال اللازمة لسد فاتورة موظفيها .
ان اربعة احداث ومواقف حدثت في غضون الايام القليلة الماضية، تلقي على حركة حماس والغزيين عموما ظلالا قاتمة من التفكير بشان المستقبل . او ما يبدو اليوم اعادة وضع غزة مجددا في بؤرة الهدف والتصويب . واذ يبدو للوهلة الاولى او من على السطح ان هذه الاحداث غير ذات صلة مباشرة بينها، الا انه في التحليل او التأمل العميق في الروابط فيما بينها، ان العقدة الغزية هي القاسم المشترك الذي يجمع بينها او مصير جمهورية حماس في غزة. ان تسلسل الاحداث يتخذ هنا شكلا من الايقاع الذي لا يخلو من عناصر الاثارة والمفاجأة، وذلك على النحو التالي :
قرار المحكمة المصرية المفاجئ بحظر حماس واعتبارها منظمة ارهابية ،وهو من حيث التوقيت يأتي بالتزامن مع تصريحات بنيامين نتنياهو في البيت الابيض خلال لقائه الرئيس الاميركي باراك اوباما، عن ضمانة انسحاب اسرائيل من الضفة ازاء امكانية تحولها الى غزة اخرى بسيطرة حماس عليها.
وعلى بعد الف وخمسمئة كيلو متر من اسرائيل، الحدث الثالث، ولاحظوا هذا التأكيد على طول الذراع المقصود لذاته، تم الاعلان عن ضبط السفينة الايرانية المرسلة الى غزة، والمحملة بصواريخ وقذائف متطورة. بيد ان التطور المفاجئ في كل هذه القصة وهو الحدث الرابع يتمثل في سابقة غير معهودة، سحب السعودية ودولة الامارات المتحدة والبحرين، لسفرائها من قطر.وهو تطور لا يمكن قراءته في غزة من لدن حماس تحديدا وحتى معظم المراقبين والمحللين بمعزل عن هذه الضغوط المتواترة على حماس منذ سقوط حكم الاخوان في مصر. اذا كان هذا التحول في الموقف من جانب السعودية ودول الخليج الاخرى محاولة معاقبة قطر يتم على خلفية دعمها للاخوان في مصر وحماس على حد سواء. وحيث لم يبق من المحور الاقليمي الداعم لحماس سوى قطر وتركيا.
وتطرح خطة التسوية التي يسعى الرئيس الاميركي ووزير خارجيته جون كيري لتقديمها للطرفين، نتنياهو وابو مازن قضيتين اشكاليتين، لا يعتقد انه يمكن حلهما. والقضية الاولى هي عراضة نتنياهو لافشال العملية من داخلها ، أي الاشتراط الاعتراف بيهودية اسرائيل . اما الاشكالية الثانية فهي العقدة الغزية، والتي يمكن تلخيصها على النحو التالي: هل غزة يمكن ان تكون جزءا من الحل، ام هي العقبة التي سيصطدم بها الحل ؟ وبالتالي ما هو الحل او الخيار لتفكيك هذه العقدة؟.
وحتى الان، فان الخيار التكتيكي الذي انتهجته حماس في مواجهة هذه القضية الاخيرة، الرهان على اصطدام المفاوضات وفشلها بعراضة نتنياهو ،دون ان تضطر للكشف عن جميع اوراقها وهكذا في هذا السياق يأتي اظهار الدعم الملتبس وغير الصريح لابو مازن في المبادرة التصالحية التي طرحها اسماعيل هنية الشهر الماضي. ولكن رهان حماس الحقيقي الصامت وغير المعلن، يبقى في غياب مصالحة فلسطينية تشكل لحماس مظلة اجماع داخلي لصد الهجمات عليها، مع عودة السجال والتراشق الاعلامي بين حماس وفتح ، على خلفية احتدام الاتهامات من الجانب المصري لحماس، هو ممارسة هذا القدر من الصبر التكتيكي، والتعلق بالامل في انهيار وفشل الانقلاب العسكري في مصر.اذا كان اخوانهم المسلمين في مصر برهنوا حتى الان وعلى مدار الشهور الثمانية الماضية انهم قوة في الشارع ذات بأس حقيقي لا يمكن الاستهانة بها .
وبالمثل فان قطر وتركيا استحقتا هذا الثناء من قبل خليل الحية، ظهر يوم الجمعة امام المسيرة التي نظمتها حماس،قبالة السفارة المصرية في غزة ،في اول رد فعل شعبي تنظمه حماس على هذا المستوى للرد على قرار المحكمة المصرية باعتبار حماس منظمة محظورة ارهابية ،كما ضيق صبرها ازاء الحملة الاعلامية التي تشن عليها .
والواقع ان هواجس حماس الاساسية، مما يصدر عن النظام الجديد في مصر ، ليس الخوف من تحول هذا العداء الواضح بين الطرفين ، من التراشق الاعلامي ، الى مواجهة مسلحة بين مصر وغزة . وان كانت لا تتجاهل هذا السيناريو المرعب والمخيف . وانما في حقيقة ان الظروف الداخلية في غزة، ومعاناة الناس ، ومعاناتها هي نفسها ، الذي يسببه اشتداد الحصار الخانق واغلاق الانفاق ،ما يحول دون قدرتها على توفير المال اللازم لدفع رواتب موظفيها ، يضعها في الزاوية وضائقة شديدة بحيث يصعب عليها فعليا بالاخير، مواصلة هذا الصبر التكتيكي وضبط النفس.

وهو الامر الذي قد يفتح المجال لان تجد نفسها مستدرجة الى انتهاج الخيار الاخير ،الذي تحاول تجنبه وتعد الالف قبل الاقدام عليه ، وهو المبادرة الى قلب الطاولة بالذهاب الى نوع من التصعيد العسكري والحرب مع اسرائيل ، حتى ولو على سبيل الهروب الى هامش المناورة ، وتكون بذلك خلطت الاوراق وحشرت الجميع في الزاوية .وهو خيار ارى ضرورة العمل على تحاشي الوصول اليه، بالعمل على احتواء الازمة المتدحرجة بين مصر وحماس ، من قبل القيادة الفلسطينية ، والرئيس ابومازن على وجه الخصوص، قبل ان تمارس اسرائيل في الخفاء استدراج الجميع له استغلالا لقصة سفينة الاسلحة المزعومة.