خبر : ضد المصالحة الفلسطينية ...بقلم : د. وليد القططي

الخميس 27 فبراير 2014 01:29 م / بتوقيت القدس +2GMT
ضد المصالحة الفلسطينية ...بقلم : د. وليد القططي




ما أن تبدأ جولة جديدة من اللقاءات والزيارات والمفاوضات بين طرفي الانقسام الفلسطيني حتى تبدأ معها حملة جديدة من التصريحات التي تبشّرنا بقرب انتهاء عهد الانقسام البائس , والتي تعدنا بالمفاجآت السارة القريبة التي ستفرح أبناء الشعب الفلسطيني الأحياء منهم والأموات ... وما هي إلا أيام قليلة وأسابيع معدودة , وينتهي شهر العسل بالطلاق المدوّي , وتتبدل التصريحات المبشرة والمفاجآت السارة بتصريحات منفّرة ومنذرة ومفاجآت مؤلمة ومحزنة , ثم يدخل الطرفان في جولة جديدة من الردح السياسي المتبادل الذي يسُتخدم فيه مختلف أسلحة الجدل العقيم وحوار الطرشان وعبقرية إلقاء التهم على الطرف الآخر , مع استخدام كل أنواع المصطلحات المستوردة والمصنّعة محلياً يوظفها فلاسفة الانقسام ومنظروا استمرار الخصام ليثبت كل طرف أن الطرف الآخر هو الذي عطّل المصالحة , مدعومين بالقوى الداخلية لكل طرف التي تعيش على استمرار الوضع الراهن , والتي راكمت الامتيازات الخاصة بها من حالة الانقسام الحالية وتخشى أن تفقدها لو انتهى الانقسام .


ولكن حتى المصالحة الفلسطينية بوضعها الحالي ليست هي المطلوبة شعبياً ووطنياً , فالمصالحة بما تتضمنه من تراث سياسي تراكم عبر سنوات الانقسام البغيضة بما فيه من صراعات , ومناكفات , ومفاوضات , وردح سياسي ونشر الغسيل القذر على منابر الإعلام العربية والدولية , وتعبئة داخلية تبث الكراهية وتزرع الحقد , وتثقيف أيديولوجي عدائي يصل إلى درجة التكفير أو التخوين أو كلاهما معاً , ومراوغة سياسية تتهرب من استحقاقات المصالحة الحقيقية , وصراع على السلطة يختبئ تحت الصراع على المشروع الوطني الفلسطيني , ومفاوضات تتركز على تقاسم السلطة بدلاً من التركيز على إعادة النظام السياسي الفلسطيني , ومناكفات إعلامية لا تحترم مشاعر وعقول الشعب الفلسطيني ... هذه المصالحة ليست هي المطلوبة شعبيا ووطنيا لأنها ان تمت في ظل هذه الفلسفة الحزبية ستكون إما من أجل التقاسم الوظيفي للسلطة بين فتح وحماس يتم من خلالها المحاصصة وتوزيع المراكز والمناصب والمنافع والامتيازات فيما بينهما , أو ترتكز على إدارة الانقسام وليس إنهائه بمعنى أن تظل البُنية التحتية للانقسام كما هي في الضفة وغزة على أن يتم تعديل في البُنية الفوقية للسلطة بحيث تظهر الأمور من الناحية الشكلية والرسمية والإعلامية كأنما هي سلطة واحدة برأس واحد دون أن يمس ذلك الواقع الحقيقي والانقسام على الأرض في السلطة سياسيا وجغرافيا واجتماعيا وثقافيا وقانونيا ... فالانقسام الحالي سيء والمصالحة وفقاً لهذه الفلسفة أسوأ من الانقسام .


فالمطلوب إذن هو تغيير فلسفة المصالحة من الأساس , وتبديل زاوية الرؤية للمصالحة الوطنية الفلسطينية بحيث ترتكز إلى إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني برمته التي تعُتبر المصالحة جزء من هذه الرؤية وتلك الفلسفة وليس العكس , وهذا النظام السياسي الفلسطيني يرتكز بدوره على جانبين يجب الفصل بينهما هما السلطة الفلسطينية والقيادة الفلسطينية . فالسلطة الفلسطينية هي كيان وظيفي لإدارة شئون السكان الفلسطينيين في الضفة والقطاع فلا نعطيها أكبر من حجمها , وهي أصلا سلطة وظيفية أُنشأت لتقوم بوظائف محددة لخدمة الاحتلال تريحه من عبء السكان مع الاحتفاظ بالأرض , وتقوم بدور شرطي للاحتلال يحفظ أمنه ومستوطنيه, ودورها الأخطر هو تصفية القضية الفلسطينية باعتبارها مرحلة انتقالية للاتفاق النهائي الذي سينُهي الصراع مع العدو الصهيوني بما يخدم مصلحته . فإذا استطعنا أن نبطل هذه الوظائف , ونحّولها إلى وظائف لخدمة الشعب الفلسطيني وليس عبئا عليه , بل ونجعلها جزءاً من منظومة الصمود الفلسطينية الداعمة للمقاومة والتي تصب في النهاية في خدمة المشروع الوطني فجيد , أما إذا لم تستطع ذلك بالحد الأدنى أن لا تخدم الاحتلال , فالأولى هو أن ترجع الأمور إلى نصابها الطبيعي وهو وجود شعب ومقاومة في صراع مباشر مع الاحتلال بدون سلطة وكيان حاجز بينهما .


أما الشق الآخر من إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني فهو أوسع وأشمل من السلطة الفلسطينية لأنه يشمل كل أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات , ويتعلق بالقيادة العليا الموجهة للصراع مع العدو الصهيوني , وهذه القيادة هي الإطار السياسي الجامع لكافة الفصائل والقوى المؤثرة على الساحة الفلسطينية التي يمكن ان تكون منظمة التحرير الفلسطينية ولكن إعادة بنائها على أسس جديدة من الناحيتين : الهيكل والتكوين وكذلك الميثاق والمبادئ بحيث تنسجم مع موازين القوى الحقيقية على الأرض وليست على أساس التراث السياسي التاريخي لبعض الفصائل المكّونة للمنظمة , وبالتحديد إدخال حركتي حماس والجهاد الإسلامي داخل المنظمة حسب وزنهما في المقاومة والشعب , وكذلك إعادة صياغة الميثاق الوطني الفلسطيني لينسجم مع الانتماء الإسلامي والعربي والوطني للشعب الفلسطيني وبما يتفق مع الثوابث الإسلامية والوطنية التي يجمُع عليها الشعب الفلسطيني .


والخلاصة أن المصالحة الفلسطينية المرجوّة ليست هي المصالحة التي يتم الإعداد لها الآن بين حركتي فتح وحماس ضمن الرؤية والفلسفة التي تحكم الحركتان , بل هي المصالحة التي تكون جزءا من إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وفي إطاره بحيث لا تتركز على تقاسم السلطة أو إدارتها , بل تكون السلطة نفسها خاضعة للنظام السياسي الفلسطيني وجزء منه تخدم الشعب الفلسطيني وليس عبئاً عليه وتخدم الاحتلال , وتكون منظمة التحرير الفلسطينية بعد تعديل هيكلها ومكوناتها وميثاقها ومبادئها قائدة للمشروع الوطني الفلسطيني والذي يرعى الثوابث الوطنية ويتمسك بها ويعتمد على المقاومة طريقاً للتحرير , ويعيد الاعتبار للبعدين الإسلامي والعربي للقضية الفلسطينية كعمق داعم لها , وينبذ الصراعات الداخلية ويركز على الصراع مع العدو الصهيوني العدو المركزي للشعب الفلسطيني والعرب والمسلمين .