خبر : فلسطين أكبر من غزة ....بقلم د. وليد القططي

الخميس 30 يناير 2014 05:33 م / بتوقيت القدس +2GMT
فلسطين أكبر من غزة ....بقلم د. وليد القططي



من البديهيات المنطقية التي لا تحتاج إلى برهان أن الكل أكبر من الجزء , ومن قوانين الإدراك في مدرسة الجشطلت النفسية أن الكل أكبر من مجموع أجزائه , ومن يعكس هذه البديهية وذلك القانون يكن فاسد العقل ومنحرف التفكير , وإذا طبقنا ذلك على الجغرافيا فيما يخص العلاقة بين فلسطين وغزة نجد أن غزة تشكل من حيث المساحة 1.5٪ من فلسطين , ومن حيث السكان فإنها تشكل أقل من خمس سكان فلسطين المتواجدين في داخل فلسطين التاريخية وخارجها , وبالتالي فهي جزء من الأرض الفلسطينية وجزء من شعب فلسطين , وهذا لا يعني تجاهل الوزن النسبي الكبير لغزة الذي يتجاوز حجمها الجغرافي والسكاني المحدود مقارنة بالكل الفلسطيني لا سيما في مجالي السياسة والمقاومة , ولكن كبر حجمها النسبي السياسي والمقاوم لا يبرر منطقيا أن تُغطى على الكل الفلسطيني بحيث يتم اختزال قضية فلسطين في قضية غزة , واختزال قضية غزة في قضيتها الإنسانية , التي يتم اختزالها بدورها في فتح المعابر ورفع الحصار . 

فرغم أهمية ذلك لأهل غزة إلا أن ذلك جزء من قضية أكبر هي القضية الفلسطينية التي تتلخص في التهجير والاستيطان والاحتلال التي أفرزت كل المظاهر الناتجة عن ذلك . وللأسف بعضها نحن فعلناه بأنفسنا كالانقسام وتوابعه . فلقد كانت غزة طوال السنوات السبع الماضية , وخاصة قبل اندلاع ما يسمى بثورات الربيع العربي حاضرة في الإعلام العربي وإلى حدٍ ما الإعلام الأجنبي بقوة حتى هُيئ لنا أن غزة دولة عظمى تأتي فلسطين بعدها في الأهمية , وهذا التوجه الإعلامي تجاه غزة أرضى بعض الأطراف في غزة لا سيما الممسكون بزمام الأمور فيها خاصة وأنه يُرضي حالة النرجسية الفردية والحزبية , ويشبع غريزة تضخيم الذات الحزبية لدرجة الإحساس بالعظمة التي تنظر للآخرين من علِ , وفي غمرة هذا الزهو المخادع أصبح الهرم مقلوبا من خلال الحديث المتكرر عن غزة وشعب غزة ومقاومة غزة , وفي بعض المراحل انقلب الهرم وانقلبت معه أولويات الصراع فبدلاً من ان تكون الأولوية للصراع مع العدو الصهيوني تراجع ليصبح صراعاً داخلياً بين سلطتين متنافستين ومشروعين متناقضين .

 وفي خضم هذا الصراع وتغير الأولويات وفق إستراتيجية الهرم المقلوب أُطلقت الوعود بتحرير رام الله والصلاة في المقاطعة بدلاً من تحرير القدس والصلاة في الأقصى , والوعود المقابلة بتحرير غزة وتطهيرها من ( الانقلابيين الظلاميين ) بدلاً من تحرير فلسطين وتطهير الضفة من المستوطنات الصهيونية , ومع مرور الوقت ترسخت مفاهيم ورُددت شعارات واُنشدت أناشيد جميعها تصب في نفس الاتجاه الذي يضخم الحالة الغزاوية من خلال الحديث عن شعب غزة ومقاومة غزة وربما تجاوز البعض ذلك للحديث عن هوية الشعب الغزاوي , وكأننا أمام كيان سياسي مستقل عن الكل الفلسطيني أو أمام حالة منفصلة عن السياق التاريخي والنضالي للشعب الفلسطيني ... وللخروج من هذه الحالة التي تعبر عن الهرم المقلوب يجب أن نعدل الهرم ونعيده إلى وضعه الطبيعي لتصبح قمته أعلى من قاعدته , وهذا يتطلب منا الآتي :
أولاً : التركيز في الإعلام الفلسطيني وخاصة الإعلام المقاوم والخطاب السياسي الفلسطيني لا سيما الخطاب السياسي المقاوم على القضية الفلسطينية بمفهومها الشامل كقضية كل الشعب الفلسطيني حتى الموجود داخل فلسطين المحتلة عام 1948 , واللاجئين في مخيمات دول الطوق , والمهجرين في الشتات , والضفة والقطاع , باعتبارها قضية شعب هُجّر من وطنه واُحتلت أرضه , ويريد العودة إلى وطنه وتحرير أرضه وإقامة دولته المستقلة وفق مبدأ حق تقرير المصير .


ثانيا : التركيز في الأدب والفن الفلسطيني المقاوم على إبراز الهوية الوطنية الجامعة للشعب الفلسطيني ووضع خصوصية الشعب الفلسطيني القاطن في قطاع غزة ضمن هذا الإطار دون مبالغة تؤدي إلى تضخيم الحالة الغزاوية وتبرزها كأنها حالة مستقلة بذاتها عن الشعب الفلسطيني , ودون تهوين يطمس التجربة الوطنية الخاصة التي بدأت بعد انسلاخ قطاع غزة عن فلسطين بفعل الاحتلال الصهيوني لفلسطين عام 1948 وفصلها عن الضفة الغربية وبقية فلسطين.


ثالثا : التركيز على مشروع المقاومة والكفاح المسلح الرامي إلى تحرير فلسطين من البحر إلى النهر كمشروع متواصل زمنيا وتاريخيا منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين ومن ثم إنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين , فرغم بروز المقاومة الإسلامية في غزة في الوقت الراهن كساحة وحيدة تقريبا للمقاومة المسلحة إلا أنها جزء من مشروع متنقل جغرافيا ومختلف زمنيا بناء على متغيرات موضوعية وأخرى ذاتية ما بين خارج فلسطين وداخلها , وكذلك فهي جزء من مشروع شارك فيه مختلف فصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني حتى حط رحاله في المرحلة الحالية بغزة وهو مؤهل للانتقال إلى ساحات أخرى في المستقبل .


رابعا : الحذر من تحميل غزة وسكانها أكثر مما يحتملوا من أعباء اقتصادية وعسكرية , وهذا يقتضي عدم استدراج العدو إلى حروب على غزة لا تخدم القضية الوطنية الفلسطينية ومشروع تحرير فلسطين ولا تقربنا من تحقيق أهدافنا الإستراتيجية . فالصراع مع العدو الصهيوني طويل الأمد وليس من الحكمة استنزاف قدرات المقاومة وإنهاك شعب غزة والتأثير سلبيا على صموده في حروب غير مفيدة وليس لها أهداف واضحة من طرفنا , والأفضل ان نستمر في تقوية قدرات المقاومة وتعزيز صمود الشعب خاصة المقاومة بتحسين أحواله الاقتصادية وتوفير سبل العيش الكريم له , ولتكن أي مواجهة قادمة مع العدو ضمن إستراتيجية التحرير المتكاملة مع الكل الفلسطيني وليس لمجرد القول ان المقاومة مستمرة .