خبر : من يشل الجيش الاسرائيلي \ بقلم: أمير أورن \ هآرتس

السبت 21 ديسمبر 2013 04:08 م / بتوقيت القدس +2GMT



 

يعتقد رئيس الاركان، الفريق بني غانتس، بأن الوضع في الشرق الاوسط يمنح اسرائيل "فرصة استراتيجية". ليس مثل قبل عشر سنوات، قبل الاجتياح الامريكي للعراق والتقلبات في الانظمة والازمات العربية، فانه لا تهدد أي دولة اسرائيل حاليا، مصر ليست مستقرة، هكذا ايضا سوريا، أما الاردن "الذي منذ البداية لم يشكل تهديدا"، فيعيش في صراع. وحسب ضابط كبير تحدث مع غانتس مؤخرا فان "الاسرائيليين أنفسهم بدأوا يفكرون كيف يستغلوا الفرصة الاستراتيجية".

          ولم يُشرك غانتس الجمهور الاسرائيلي بأفكاره مباشرة ولا الناطق العسكري هو من يبلغ بالأمر. فلدى غانتس ناطق كبير بثلاث رتب دون العميد موتي ألموز وبرتبة واحدة عنه نفسه: الجنرال مارتن دامبسي، رئيس الاركان في البنتاغون. قبل شهر، في لقاء مع رجال اعمال في أسرة تحرير "وول ستريت جورنال" روى دامبسي عن حديثه مع نظيره من الجيش الاسرائيلي.

          أما ما هي تلك الفرصة الاستراتيجية التي يلاحظها غانتس، فلم يفسرها دامبسي. وعلى فرض أن القيادة العليا في الجيش الاسرائيلي شُفيت من تطلعات بعض من أسلاف غانتس (موشيه ديان في منتصف الخمسينيات، رفائيل ايتان في بداية الثمانينيات) للمبادرة الى الحرب، فان الفرضية الواردة هي أن المقصود هو تسويات سلام وأمن تؤدي الى انهاء المواجهة التي فرضتها الشعوب المجاورة على اسرائيل.

          الجيش الاسرائيلي ليس حقا جيش الشعب؛ فهو جيش الحكومة. هي تقرر والشعب المجند ينفذ. ولكن من اجل اقناع الشعب الذي ينتخب الكنيست بصحة قراراتها، تستند الحكومة الى خبرة رجال الجيش التي هي مهنية ظاهرا وبريئة من الموقف السياسي. وهذه كذبة مسلم بها. عندما يُراد البقاء على قمة جبل محتل، يأتون برئيس اركان يشرح بأنه بدون محطة انذار هناك، ستكون نهاية الدولة. وعندما يكونون مستعدين لاستبدال المخاطرة التي في استمرار النزاع بمخاطرة تكمن في انسحاب بغرض تسوية، يأتون برئيس شعبة استخبارات يعد بايجاد بديل تكنولوجي مناسب.

          في المساحة التي بين "أن نكون شعبا حرا في بلادنا" وبين "خير الموت في سبيل بلادنا" يهرب المجتمع الاسرائيلي، الحكومة وأذرع التنفيذ لديها من السؤال الأساس: ما هي بلادنا. على فرض أن الخلاف على المناطق المأهولة في يهودا والسامرة لن يُحل إلا بواسطة صيغة متفق عليها لتبادل الاراضي، فمن هو المخول بأن يقرر بأن رمال حلوتسا التي ستُسلم الى الفلسطينيين مقابل تنازلهم عن كدوميم وعوفرا هي اسرائيل أقل من المستوطنات التي أُقيمت بعد 1967؟ فلم يسبق أن أُجري ميزان وطني مخول قرر بأن الضفة الغربية أكثر حيوية من غرب النقب. هذا بالتأكيد ليس ما اعتقده الجيش الاسرائيلي بصفته الجهة الوحيدة التي طولبت بأن ترسم الخريطة الامنية قبل حرب الايام الستة.

          لقد كان التطلع الاسرائيلي التقليدي هو نيل تسليم عربي بوجودها في خطوط الهدنة، مع تعديلات طفيفة. وخارج هذه الخطوط أرادت اسرائيل تثبيت مجالات ردع – في سيناء، بدون قوة مصرية كبيرة، نظامية وقريبة من النقب، وفي الضفة، بدون مدرعات اردنية وبدون قوة ارسالية عراقية. وعليه فقد وافقت اسرائيل، بثمن الحصول على دبابات "باتون" امريكية أن تزود دبابات كهذه الى لاردن ايضا شريطة أن تبقى دوما شرقي النهر. الملك حسين الذي تعهد بذلك مع تحفظات ما، عرف بأن نقل ألويته المدرعة الى الضفة الغربية، على مسافة أجزاء من الساعة من القدس وكفار سابا، سيكون في نظر اسرائيل مبررا للحرب.

          لقد تركز التخطيط التنفيذي للجيش الاسرائيلي قُبيل 5 حزيران 1967 على ابادة القوة المصرية المدرعة التي انتشرت في سيناء في الاسابيع الثلاثة السابقة وبردع الاردن من نقل مدرعاته الى الضفة الغربية. وفي تحقيقها في معارك الامن الميداني والمعلومات، "حماة النطاق"، تروي عميره شاحر عن "خطتين لحملة تضليل" استهدفتا شل ألوية المدرعات في الغور شرقي النهر. "الخداع كان يستهدف خلق الانطباع بأن الجيش الاسرائيلي يعتزم احتلال غور الاردن من الشمال ومن جانبي النهر، احتلال هضبة إربد واستغلال النجاح للتقدم نحو المفرق لقطع الاردن عن سوريا وعن العراق". وتضمنت التخطيطات تسريبات، عملاء مزدوجين، طلعات علنية لدورية جوية، يوم جولات على معابر الاردن، مراقبات نحو استحكامات اردنية، يوم جولات قادة لفحص محاور الحركة المحتملة، حشد عتاد جسر في غور بيسان، تهيئة محاور حتى النهر وتنفيذ تجارب لعبور المدرعات في المناطق التي تشبه سفوح الجلبوع الشرقية.

          المهامة المخطط لها، بالتالي، لم تكن احتلال الضفة – ومن ضمنها ايضا الغور (الذي غربي النهر) – بل العكس، الامتناع عن التورط في جبهة اخرى، بينما ينشغل الجيش الاسرائيلي في معركة برية قاسية مع الجيش المصري. في 2 حزيران أُقيمت في غور بيسان، بقيادة العقيد نتان غروسمان، قوة الخداع "دجلة" التي أساس وحداتها جاء من سلاح الهندسة. قائد المنطقة الشمالية، دافيد العازار، صادق على الحملة، ولكنها أُلغيت في 4 حزيران بأمر من هيئة الاركان، على ما يبدو عقب نقص بـ 60 شاحنة لنقل عتاد الجسر والاجتياز.

          يحتمل أن تكون الـ 60 شاحنة الناقصة، الى جانب الحماسة الاردنية (في اطار القيادة العربية المشتركة، بقيادة ضابط مصري) لفتح النار، منعت شل المدرعات الاردنية للضفة الشرقية وساهمت في تسلسل الأحداث غير المخطط لها التي أدت الى احتلال الضفة. فقد نُقلت قوة "دجلة" لتنفيذ خداع مشابه في جنوب جبل الخليل ولكن هناك ايضا أُلغي استخدامها بسبب وتيرة التطورات. ولم تشهد النتائج على النوايا: وزير الدفاع ديان لم يكذب في اعلانه العلني، "ليس لدينا أهداف احتلال"، وفي استعراض مغلق لاعضاء لجنة الخارجية والامن في الكنيست في 7 حزيران، أطلق رئيس الوزراء ليفي اشكول تلميحات بخطط سلمية، مع نهاية الحرب، وديان، القطب اليميني في حركة العمل، شرح لماذا برأيه محظور اجتياز الخط الدولي والسيطرة على هضبة الجولان – بينما القطب اليساري، يعقوب حزان من مبام، يشجعه على عمل ذلك.

          الـ 46 سنة منذئذ لم تقلص من المعارضة العالمية لتغيير الخريطة في صالح اسرائيل، باستثناء استبدال الاردن بفلسطين كشريك للمسيرة. وعليه، ففي ضوء الانشاء المتوقع لدولة فلسطينية مستقلة عاد ليطرح على جدول الاعمال، في رحلات وزير الخارجية جون كيري وفي خطة الجنرال المتقاعد جون ألين، مستقبل الحدود الشرقية، حتى نهر الاردن (وفوقه مجال جوي والكترومغناطيسي). وهكذا نعود الى نقطة المنطلق: من اجل الدفاع عن اسرائيل في تركيبة تواجد عسكري (اسرائيلي وعالمي، متدرج في فترات انتقالية) وتجريد من قوات فلسطينية ومعادية محتملة اخرى، يجب أن يتحدد أولا من هي اسرائيل التي يتطلعون للدفاع عنها.

          هنا يدخل الى الصورة العامل الداخلي. فقد الغمت اسرائيل المنطقة بلوبي قوي يعارض الاخلاء. الحجة القديمة، وكأن الاستيطان الدائم يعزز الامن الى جانب وحدات عسكرية تعود وتمر، نقلت من الخط الاخضر شرقا، في الضفة وفي الجولان، وتعقد المساومة ليس كالتواجد المدني. ففي غور الاردن اقيمت عشرات المستوطنات الصغيرة  وفيها الاف المستوطنين، مثل عددهم في غوش قطيف تقريبا حتى الاخلاء – ذاك الذي شعر رئيس الاركان موشيه يعلون بالاهانة عندما لم تمدد ولايته كي يقوده.

          هذا الاسبوع كسياسي يسعى الى رئاسة الليكود والحكومة ويتزلف للمستوطنين، زار يعلون الغور وخلط الحابل بالنابل – الخوف من اطلاق الصواريخ من الضفة على تل ابيب وعلى مطار بن غوريون، الخطر الذي يجدر معالجته بوسائل سياسية وامنية، ولكن قبل ذلك معارضة اخلاء المستوطنين منها في تسوية سلمية. فقد قال يعلون: "انا رجل الاستيطان. لا اؤمن بأمر كهذا. فليس لمكان لا يسكن فيه اليهود أمن ايضا. من يريد السلام حقا يجب أن يتحدث عن التعايش وليس عن ابعاد اليهود وعن اقتلاع اليهود مثلما جرى في قطاع غزة وعن الدمار الذي ادى الى أن يطلق قطاع غزة في النهاية الصواريخ".

          هذا قول سياسي، وليس أمنيا. الدراسة المهنية يفترض أن تتم في قيادة الامن القومي. ولكن النقاش في البديل الذي يتضمن اخلاء للمستوطنين هو مادة متفجرة سيعمد مساعدو رئيس الوزراء من الليكود على الهرب منها. ويتبقى رئيس الاركان غانتس، نائبه غابي آيزنكوت، رئيس قسم التخطيط اللواء نمرود شيفر ورئيس دائرة التخطيط الاستراتيجية، العميد آسف اوريون؛ وهم يسكتون، كي لا يدخلون في شقاق مع المسؤولين عنهم. مطلوب على نحو ضروري، كالمعتاد، مساعدة أمريكية – دمبسي في دور الناطق بلسان غانتس، الذي طولب هذا الاسبوع بان يوضح ما يقصده في موضوع الفرصة الاستراتيجية، ولكنه فضل ابقاء الامور مفتوحة للتحليل.