خبر : حتى أوباما يستثني غزة ...بقلم: أشرف العجرمي

الأربعاء 11 ديسمبر 2013 10:41 ص / بتوقيت القدس +2GMT
حتى أوباما يستثني غزة ...بقلم: أشرف العجرمي



لا تعرف الولايات المتحدة ماذا تفعل كي ترضي الحكومة الإسرائيلية الغاضبة على الاتفاق الدولي مع إيران، فالرئيس باراك أوباما حرص على الظهور في منتدى سبان اليهودي المليونير الذي يعتبر من أهم داعمي الحزب الديمقراطي، لكي يطمئن إسرائيل، ويؤكد حرص بلاده على أمنها، وقد فاجأ أوباما المشاهدين بما قدم، كي يقترب من موقف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، لدرجة أنه خرج عن اتفاق جينيف الخاص بالملف النووي الإيراني في حديثه عن الرؤية الأميركية للاتفاق النهائي مع إيران، وأيضاً خرج عن مرجعيات العملية السياسية الدائرة حالياً بين الفلسطينيين والإسرائيليين بوساطة أميركية.

في الموضوع الإيراني ركز أوباما على أربع نقاط من المفروض أن يتضمنها الاتفاق القادم مع إيران وهي: إغلاق أو وقف تشغيل المفاعل النووي الإيراني الموجود تحت الأرض في بوردو، والاستغناء عن مفاعل المياه الثقيلة في اراك، والتخلي عن أجهزة الطرد المركزي السريعة، ووقف تخصيب اليورانيوم إلى ما هو أعلى من درجة 3,5%، أي يحق لإيران الاستمرار في تخصيب اليورانيوم إلى درجة منخفضة. وهذا الموقف الذي يتبناه أوباما محاباة لإسرائيل لا يرضي الأطراف المتطرفة فيها والتي تريد إلغاء أو القضاء على قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، لاعتقادها أن إيران عاجلاً أم آجلاً ستحصل على السلاح النووي، تماماً كما حصلت عليه الباكستان وكوريا الشمالية خلافاً لرغبة واشنطن.
وفي الموقف الأميركي من المفاوضات لم يعد أوباما يريد تسوية دائمة وشاملة، بل هو يسعى إلى اتفاق إطار واتفاقية انتقالية لا تشمل جميع قضايا الحل الدائم المطروحة على أجندة التفاوض. والاتفاق القادم مع الفلسطينيين لا يستثني فقط القضايا الخلافية مع إسرائيل والتي لا يتم الاتفاق بشأنها، بل يقتصر على الضفة الغربية دون قطاع غزة. ويريد أوباما أن يقدم نموذجاً للحل في الضفة مقبولاً على إسرائيل ليشجع شباب غزة للسير على طريق الضفة التي ستحصل على تقرير المصير واقتصاد مزدهر وتجارة متطورة.
استثناء غزة من الحل يضاف إلى ما تعانيه من قمع واضطهاد على يد السلطة الحاكمة فيها وعلى يد الاحتلال الذي يستبيح سماءها وبحرها وبرها، ويزرع فيها الدمار ويحاصرها من كل الاتجاهات، بالإضافة إلى التجاهل والإهمال من السلطة الوطنية في رام الله التي وصل بها الأمر إلى المساس برواتب الموظفين في السلطة، وذلك لأنهم التزموا بقرار السلطة الامتناع عن العمل مع سلطة الانقلاب والبقاء في بيوتهم. فقد جرى خصم بدل المواصلات والعلاوة الإشرافية عن كل موظفي قطاع غزة بحجة أنهم ليسوا على رأس عملهم. وإذا كان البعض يرى في وقف صرف بدل المواصلات بحكم عدم ذهاب الموظفين إلى العمل أمراً يمكن أخذه بالاعتبار، فلا ينبغي وقف العلاوة الإشرافية لأن هذا يشكل عقوبة ظالمة على عدم التقصير وعلى الالتزام. فما ذنب الموظف أنه أجبر بقرار القيادة على الجلوس في بيته. ألا يكفي وقف ترقية هؤلاء الموظفين بصورة غير منطقية وجائرة! وجاء الآن دور أوباما ليكمل الصورة. وموقفه ليس غريباً بالنظر إلى موقف بعضنا من غزة.
الغريب أن أوباما وإدارته يعلمون أن أي حل لا يشمل غزة لن يكون مقبولاً على الفلسطينيين وأنه لن يجد من يوافق عليه. كما أن فكرة الحلول المرحلية أو الانتقالية غير واردة، لأنها قطعاً وبدون أدنى شك ستتحول إلى حلول دائمة. وموقف أوباما جاء ليكمل موقف وزير خارجيته جون كيري الذي أتى بحل انتقالي لموضوع الأمن يتيح لإسرائيل السيطرة على مناطق واسعة من الضفة لفترة طويلة من الزمن مرهونة بموقف إسرائيل ورضاها، بحجة الحفاظ على الأمن.
مشروع كيري وموقف أوباما سيقودان إلى انهيار عملية المفاوضات التي لم تبدأ جوهرياً بأي حال وما تزال عبارة عن جلسات حوار وجدل غير مجد ولا يقود إلى أي نتيجة. فالأمن الإسرائيلي لا يضمنه وجود الاحتلال في الضفة، بل يضمنه السلام العادل والشامل وحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه، وادعاءات إسرائيل بضرورة وجودها في أكثر من مكان في الضفة لكي تضمن امنها، لأنها لا تثق بقوة ثالثة لحفظ الأمن، هي فارغة وغير منطقية لأن إسرائيل اليوم لا تخصص قوات كثيرة لحفظ الأمن على حدودها مع الأردن، فهي مرتبطة مع المملكة بمعاهدة سلام ولا يوجد اي خطر من الجارة الشرقية.
كما أن مفهوم الأمن لم يعد مرتبطاً بالسيطرة على الأرض بالنظر لتطور الوسائل القتالية ووجود أسلحة بيد المجموعات والتنظيمات المختلفة تستطيع الوصول إلى كل مكان من بعيد. والموضع إذاً اقتصادي بالدرجة الأولى ومرتبط بحاجة إسرائيل لمواصلة استغلال المناطق الفلسطينية لأطول فترة ممكنة، منطقة البحر الميت وخزانات المياه الجوفية والأراضي الخصبة.
والموقف الأميركي في منتهى الخطورة لأنه سيقود لانفجار حتمي للوضع في ضوء الفشل القادم للعملية السياسية، ولن يكون بمقدور أحد أن يمنع الفلسطينيين من التوجه للمجتمع الدولي الذي لن يقبل بموقف إسرائيل.
ومشكلتنا أننا سنبقى على موقفنا من استمرار المفاوضات حتى في ظل حتمية الفشل، وفي ظل موقفين إسرائيلي وأميركي أقل ما يقال فيهما أنهما استفزازيان إلى حد كبير، بدلاً من الاستعداد للمرحلة المقبلة، حيث تتطلب مواجهة السياسة الإسرائيلية توحيد شقي الوطن وعودة غزة إلى الشرعية مجدداً كي لا تبقى خارج التفكير بالحل حتى في أحلام أوباما ونتنياهو، وحتى يتعزز موقفنا الدولي في المعركة السياسية والدبلوماسية القادمة، وقبل كل شيء لا بد من انصاف غزة والاهتمام بها كجزء أصيل وحيوي من الوطن وليست جزيرة غريبة عنه، ولا هي حقل تجارب لسلطة غير قادرة على الوفاء باحتياجات القطاع وتتعامل معه كمشروع استثماري وإمارة تجسد حلمها في السلطة والاستحواذ.