تحليل من مركز أطلس للدراسات الاسرائيلية

خبر : حماس واسرائيل: لغة مصالح أم ادارة صراع محسوب بحتمية مواجهات كثيرة قادمة

الإثنين 09 ديسمبر 2013 10:40 ص / بتوقيت القدس +2GMT
حماس واسرائيل: لغة مصالح أم ادارة صراع محسوب بحتمية مواجهات كثيرة قادمة



غزة / سما / منذ نهاية عدوان نوفمبر 2012 الذي استطاعت فيه المقاومة قصف مدينتي تل أبيب والقدس المحتلتين وما أعقبه من اتفاق تهدئة برعاية الرئاسة المصرية في عهد الرئيس السابق محمد مرسي؛ فقد حافظت المقاومة الفلسطينية على التزامها بالتهدئة، فتوقفت عمليات اطلاق الصواريخ تقريباً بشكل تام، رغم أن اسرائيل لم تف بالتزاماتها فيما يتعلق برفع الحصار، وتوسيع مناطق الصيد، وبقيت المنطقة الحدودية بدون اتفاق، حيث لم تكتمل جلسات حوار التهدئة بوساطة مصرية، التي كان يفترض استكمالها للتوصل الى صيغة اتفاق تهدئة يشتمل على أكثر من مجرد وقف لإطلاق النار، إسرائيل من جهتها لم تلتزم إلا بما يتعلق بوقف سياسة الاغتيالات، لكنها واصلت أشكال كثيرة من العدوان هدفها تعزيز ما تسميه بسياسة الردع، وفى نفس الوقت كانت تحافظ على عدم انهيار التهدئة، بحيث بات المحافظة على التهدئة مصلحة فلسطينية اسرائيلية مصرية تستفيد منها الأطراف الثلاثة كل لأسبابه ودوافعه.الهدوء النسبي كاد أن ينفجر على إثر حادثة اكتشاف النفق، وما تبع ذلك من تفجير وتصدي لقوة الهندسة العسكرية واصابة عدد منهم، واستشهاد أربعة من القيادات الميدانية للقسام؛ إلا أن كل من حماس واسرائيل استطاعا الإبقاء على محدودية المواجهة وموضعيتها، ويبدو أن أي منهما لم يرغب في التصعيد، وكان هذا بحد ذاته اختباراً قوياً للتهدئة، وتأكيداً على أن الأطراف لا زالت تتمسك بها.

في الأشهر الأخيرة؛ يلاحظ أن عدداً من الجنرالات والسياسيين الاسرائيليين يكثرون في أوقات متباعدة من الإدلاء بأقوال وتصريحات تحاول أحيانا أن تلقى الضوء على ما يسمونه بالعلاقة المعقدة التي تنشأ على جبهة غزة، والبعض الآخر يحاول أن يرى في حماس شريكاً محتملاً رغم "قسوته وعنفه".

معظم هذه الأقوال تحاول أحياناً وصف العلاقة أو قراءتها في ظل المشهد الاقليمي الجديد (تحول مصر من حكم الاخوان الى حكم العسكر، وأزمة علاقة حماس بإيران وسوريا في ظل الأزمة السورية، وما ترتب على ذلك كله مما يسمى بـ "أزمة حماس")، وتبقي كل هذه الأحاديث لإسرائيليين تحتمل الخطأ في القراءة والتجربة، تقول أنهم أخطأوا في السابق كثيراً في قراءاتهم للمشهد الفلسطيني، كما تحتمل أيضاً عدم وضوح الرؤية رغم كل ما يمتلكونه من أجهزة رقابة واستشعار الكترونية، كما يحتمل أنها تنطوي رسائل ملتوية غير مباشرة للداخل الاسرائيلي وللخارج للفلسطينيين (ترغيب، وتهديد، تشهير، ودعاية مغرضة).

في سبتمبر من العام الجاري وقبل حادثة النفق، وفي أول ظهور تلفزيوني لقائد المنطقة الجنوبية الجنرال سامي ترجمان الذي كان قد دخل منصبه حديثاً؛ أدلى للقناة الثانية بأقوال يصف فيها مدى تعقيد العلاقة مع حماس التي تسيطر على الحكم في قطاع غزة، كما وصفها، حيث تفيد أقواله أنه "لا يوجد بديل لحكم حماس في غزة"، وأن "من يحكم غزة يجب أن يكون قوياً ليفرض سيطرته على العدد الكبير من التنظيمات المسلحة"، وأن "لإسرائيل مصلحه في عدم إضعاف من يحكم غزة"، وأنه "ليس من مصلحة إسرائيل أن تبقى غزة طنجرة ضغط تغلي بسبب الحصار، لأنها ربما ستنفجر في وجه اسرائيل"، ويؤكد أن وفداً اسرائيلياً زار مصر وحث جنرالات الجيش المصري على تخفيف ضغطهم عن غزة، ويقول أيضاً أن "إسرائيل تريد من الحكم الذي يسيطر على غزة أن يسيطر على الجوانب الأمنية"، وأن "حماس تعرف هذا الأمر، وتسطيع القيام به، وأنها تقوم بذلك"، ويكمل أنه مع ذلك فإن "حماس تتحضر للمواجهة القادمة، وكل يوم يعمل المئات من الأفراد تحت الأرض في حفر الأنفاق الهجومية والدفاعية".

وقبل أيام نشرت القناة العاشرة أقوالاً لقائد فرقة غزه الجنرال ميكي ادلشتاين، كان قد أدلى بها في لقاء مغلق مع مستوطني المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، وهي أقوال تصف طبيعة العلاقة مع حماس، والجدير بالذكر أن أقواله جاءت بعد حادثة النفق وفى ظل المناورة الكبيرة التي أجرتها فرقته في تدريب يحاكي احتلال قطاع غزة، في ظل استكمال استعدادات الجيش وتعزيز قدراته الهجومية، وقد تحدث عما وصفه بلغة المصالح، ونحن نقتبس الترجمة الحرفية لما جاء في التقرير:

هذا هو الجنرال ميكي ادلشتاين قائد وحدة غزة الضابط الأكبر الموكل له التعامل مع ما يحصل في قطاع غزة يقول: "حماس تعيش أزمة بعد سقوط مرسي، حماس قامت بعدة أخطاء استراتيجية حقيقية وحساسة أثناء وجودها في الحكم، التقت بكل الأصدقاء ولحسن حظنا قالوا لها وداعاً، تركيا، إيران، والعديد من الأطراف، والآن تجد نفسها في عزلة".

الضابط يفاجئنا ولأول مرة وبتلصص نادر، ويتطرق لما يحصل في القطاع "قيادة حماس، السياسية وحتى العسكرية، تقوم بكل الجهود للحفاظ على الانضباط، أحد الكتائب الأكثر أهمية لدى حماس أخذوها وألبسوها زي حرس الحدود ونشروا 800 مقاتل في محيط القطاع لتقوم بالحراسة وتمنع كل نشاط متقطع مثل الذين يحاولون إطلاق نار أو صواريخ أو حتى زرع ألغام، يعتقلونهم، وباستخدام كل ما يملكون ويحققون معهم".

"فجأة حماس تغيرت، وأصبحت هي الشرطي في قطاع غزة، هذا ليس مضموناً بأن يستمر لفترة طويلة، ولكن مؤقتاً هذا يوفر وضع انضباط جيد جداً وحقيقي، أحياناً لا يكون لدينا معلومات عن جهة تريد أن تقوم بإطلاق قذائف، ولكنهم بعد إطلاق الصواريخ يذهبون ويعتقلونهم. هم يعرفون جيداً كيف يصلون إليهم وبسرعة".

"الآن لدينا مساحة 100 متر نحن نعمل فيها داخل قطاع غزة، في البداية أصروا على ألا ندخل حتى متر واحد، نحن أبلغناهم أن هذه الـ 100 متر دخولنا إليها لصالحهم لأن هذا سيساعدهم ويقلل من اضطرارهم للعمل ضد مواطنين فلسطينيين يصلون للسياج الحدودي لأجل خرق الهدنة، وهنا تقبلوا ذلك. سابقاً كنا نتحرك بمروحيات قتالية وطائرات دون طيار، الآن هم "حماس" يعرفوا حتى أين نعمل نحن ونقوم بنشاطاتنا، نحن نبلغهم سابقاً بأننا سنكون في المنطقة كذا وكذا وبشكل دقيق جداً، فيقوموا بسحب رجالهم إلى الجهة الأخرى للحفاظ على الهدوء، وعندما يكون هناك خروقات أمنية على السياج الحدودي، ببساطة حماس ترسل رجال أمنها الى المنطقة".

مقدم التقرير: لهذه الأفعال التي تقوم بها حماس نتائج كثيرة على الأرض، في السنة الأخيرة منذ انتهاء عملية عامود السحاب حصل تراجع بنسبة 90% من إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، الآن وبعد كشف النفق مقابل مستوطنة العين الثالثة سكان محيط غزة قلقون من التهديد الجديد وكذلك الأجهزة الأمنية.

من جانب آخر؛ يستدرك فيقول "هناك كيلومترات تحت كيلومترات من المدن الأرضية، وهذا ليس أمراً جديداً وهذا ليس من السنة الأخيرة. النظرية الأمنية لدى الفلسطينيين التي تشكلت بشكل أقل أو أكثر قبل الرصاص المصبوب، وتعززت بعد ذلك بالحفر والتسلل تحت الأرض، وذلك لتشكيل تفوق نسبي على الجيش الإسرائيلي؛ التحرك الهجومي هو تحرك أساسي لدى الشاباك ولدى كتيبة غزة والاستخبارات العسكرية، عندما يستيقظون في الصباح؛ الأمر الأول الذي يسألونك إياه: هل عثرت على نفق آخر أم لا".

وعلى الرغم من كل ذلك؛ فان الضابط يؤكد للسكان على أن حماس كانت وستبقى حركة "إرهابية" على وجه الأرض تظهر لنا بأنها تعمل ضد الإرهاب، ولكن تحت الأرض تستعد الى المواجهة القادمة"، "حماس ليس تنظيم سلام ولن يصبح حركة سلام، الـ DNAلديها لن يتغير، هي بالتأكيد مستمرة في تعزيز قوتها وتعمل على تقويتها".

المعلق العسكري لصحيفة "معاريف" عمير ربابورت كتب مقالاً تحليلياً لأقوال الجنرال ادلشتاين، يقول فيه (تصف تصريحات قائد فرقة غزة، التي نشرت في القناة العاشرة أول من أمس، على نحو جيد الوضع حول القطاع، ولكنها لا تتناول كل أسباب الهدوء شبه التام الذي نشأ، وتتجاهل المعركة الهادئة الجارية بين الجيش الإسرائيلي وحماس حول جولة العنف التالية، قادة حماس في قطاع غزة لم يغيروا أيديولوجيتهم، ولم ينتقلوا إلى التمسك بطريق السلام، ولا تزال المقاومة أساس تجربة المنظمة".

"إن ما يؤثر عليهم أكثر من كل شيء هي بالذات الأحداث في مصر وسيناء، المصريون يديرون لأول مرة منذ سنين عديدة حرب إبادة ضد تهريب السلاح إلى قطاع غزة، بما في ذلك صواريخ "فجر"؛ ولهذا الغرض يستعينون أيضاً بالتكنولوجيا الأميركية، والجهد يعطي ثماره، حماس والجهاد الإسلامي على حد سواء لا تنجحان في ملء مخازن "فجر" خاصتهما، التي تضررت في عامود السحاب، وهم يجددون مخزون صواريخهم بعيدة المدى، تلك التي تصل إلى القدس وتل أبيب، بالإنتاج الذاتي فقط".

الصورة الإقليمية تبعث حتى على مزيد من الاكتئاب من ناحية حماس، هل لحماس تعاون مع إسرائيل أيضاً مثلما يفهم من أقوال العميد ادلشتاين؟ يبدو أنه نعم، ولكن بوساطة مصرية.

في كل الأحوال؛ من الواضح للجميع أن الهدوء الذي يخترق بين الحين والآخر بصواريخ "المنظمات العاقة" بعيد عن أن يكون خالداً، فـحماس تستغل الوقت كي تعد عمليات رف، وكما يبدو فقد حفرت حتى الآن عشرات الأنفاق من قطاع غزة نحو إسرائيل، والتي بوساطتها ستحاول تنفيذ عمليات في اليوم الذي ينتهي فيه الهدوء لسبب ما، أما إسرائيل من جهتها، فتبذل جهداً عابثاً كي تكتشف الأنفاق وتدمرها، فهل سينتهي هذا الهدوء في صباح مفاجئ ما في عملية اختطاف على نمط العملية التي أُسر بها جلعاد شاليط؟