خبر : نحو تعزيز المشتركات بين المؤسستين الإعلامية والأمنية..بهجت الحلو

الأحد 01 ديسمبر 2013 12:34 م / بتوقيت القدس +2GMT
نحو تعزيز المشتركات بين المؤسستين الإعلامية والأمنية..بهجت الحلو



لا يكاد يخلو تقرير يصدر عن المؤسسات الحقوقية حول أوضاع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، من رصد لانتهاك يطال الحريات الإعلامية، تتمثل في استدعاء الصحافيين والتحقيق معهم، ومنعهم من أداء مهامهم في تغطية الأحداث والبحث عن المعلومات، أو من خلال إصدار قرارات إدارية بإغلاق مكاتب إعلامية، أو مصادرة مواد إعلامية ومنع نشرها، وأشكال أخرى لانتهاكات تطال المؤسسة الإعلامية حاضنة حرية الرأي، وملاذ الرأي والرأي الآخر، المعبر عن صحة وعافية بنيان المجتمع المؤسس على التعدد والتنوع واحترام قيم المساواة بين مواطنيه.

إن هذه الانتهاكات التي يتم رصدها يجب التصدي لها، ومنع تكرارها، ليس فقط من خلال مساءلة من يقترفها ومحاسبته، والعمل على تعويض ضحاياها، بل أيضاً من خلال إثارة الوعي بالرسالة الأمنية والرسالة الإعلامية اللتين تجمعهما قيم ومبادئ مشتركة أكثر مما تفرقهما، فكلتا المؤسستين يجمعهما هدف النهوض بالمجتمع وتمتين قوته، والحفاظ على كرامة الإنسان المتأصلة فيه، وحماية حقوقه وحرياته.

إن المؤسسة الأمنية تهدف إلى حفظ أمن المواطن (الحق في الأمان على النفس والممتلكات) والمؤسسة الإعلامية تهدف إلى كشف الحقيقة (الحق في المعرفة، والوصول السلس للمعلومات، والحق في استقاء الأنباء ونشرها).

لقد أحاطت الإعلانات والمواثيق الدولية، وكذلك التشريعات الوطنية، الحريات الإعلامية وحرية الرأي والتعبير، بالحماية والرعاية، حيث أكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حرية الرأي والتعبير من خلال المادة (19) التي نصت على أن "لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية".

وشدد القانون الأساسي الفلسطيني بموجب المادة (19) على أنه "لا مساس بحرية الرأي والتعبير، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن مع مراعاة أحكام القانون". ونصت المادة 27 على أن: "تأسيس الصحف وسائر وسائل الإعلام حق للجميع يكفله هذا القانون الأساسي وتخضع مصادر تمويلها لرقابة القانون"

وحتى لا يتم المساس بأي وسيلة إعلامية بصدور قرار إداري، بل إن ذلك يتم حصراً بصدور حكم قضائي، نص القانون الأساسي في 27 على أنه: "تحظر الرقابة على وسائل الإعلام ولا يجوز إنذارها أو وقفها أو مصادرتها أو إلغاؤها أو فرض قيود عليها إلا وفقا للقانون وبموجب حكم قضائي".

وامتد هامش الحريات الإعلامية التي كفلها قانون المطبوعات والنشر رقم 9 لسنة 1995 لتشمل الممارسة الإعلامية من طرف الأحزاب السياسية، حيث نصت المادة (5) من قانون المطبوعات والنشر على أن: "لأي شخص بما في ذلك الأحزاب السياسية الحق في تملك المطبوعات الصحافية وإصدارها وفقاً لأحكام هذا القانون".

وتماهى قانون المطبوعات والنشر مع القانون الأساسي في حظره على السلطة التنفيذية اتخاذ أي إجراءات ضد الصحافيين والصحافة والكتّاب بقرار إداري، إذ لا بد من اتخاذ الإجراءات عبر القضاء حيث نصت الفقرة (42/أ) على أن: "تقوم المحكمة المختصة بالنظر في جميع المخالفات التي ترتكب خلافاً لأحكام هذا القانون، ويتولى النائب العام التحقيق فيها وذلك وفقاً للصلاحيات والإجراءات المنصوص عليها في القوانين الجزائية المعمول بها".

إن من واجب المكلفين بإنفاذ القانون، الالتزام بهذه النصوص القانونية والسهر على تطبيقها، حتى ينعم المجتمع بالممارسة الحقيقية لحرية الرأي والتعبير، ويتمتع برواج الحريات الإعلامية وتطورها وخصوصاً في ظل الثورة الإعلامية المتصاعدة وفي مقدمتها الإعلام المجتمعي أو ما بات يعرف بإعلام المواطن، الذي يتيح لجميع الأفراد ممارسة كافة فنون العمل الصحافي عبر بوابات الفيس بوك وتويتر، واليوتيوب، والبرامج التطبيقية المتاحة على الهواتف النقالة.

إن واجبات المكلفين بإنفاذ القانون تتسع يوماً بعد يوم من أجل حماية الحريات الإعلامية التي تتزايد أدواتها وفنونها، وإن مسؤولياتهم تكبر يوما وراء يوم، لحماية حرية الرأي والتعبير في مجتمع يسعى لتحقيق حريته ويبني مؤسسات الدولة المستقلة التي تحترم مبادئ الديمقراطية والتعددية وسيادة القانون.

بيد أن هنالك واجبًا آخر يلقى على عاتق الصحافيين والإعلاميين والمؤسسات الإعلامية، واجبًا يتماهى مع واجبات المكلفين بإنفاذ القانون أنفسهم، هذا الواجب يتمثل في ضرورة التزام الصحافيين بمعايير العمل المهني، والوفاء باستحقاقات شرف المهنة، ومتطلبات الانحياز للحقيقة.

إذاً، ومن خلال النصوص القانونية التي تم استعراضها، ومن خلال بيان واجبات ومسؤوليات المكلفين بإنفاذ القانون وكذلك العاملين في الحق الإعلامي، تتضح قوة العلاقة بين المؤسسة الأمنية والمؤسسة الإعلامية، وأن ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما، لكن الأمر يحتاج إلى آليات لإدارة المشتركات من خلال أنشطة بناء القدرات، وعقد الدورات التدريبية، وتنظيم لقاءات لتوعية المكلفين بإنفاذ القانون حول مضامين الحريات الإعلامية وحقوق الصحافيين.

وبالتوازي مع ذلك، من الضروري القيام بعقد أنشطة توعوية للصحافيين حول دور وواجبات ومسؤوليات وحقوق المكلفين بإنفاذ القانون، والقيام بكل ما من شأنه توضيح عمق ونبل وإنسانية ووطنية الرسالة الإعلامية لدى المكلفين بإنفاذ القانون، والقيام بكل ما من شأنه توضيح أبعاد الرسالة الأمنية في عمقها الوطني والحقوقي والإنساني، لتنعكس إيجاباً في تصور وممارسة العاملين في المؤسسة الإعلامية.

ولا ينبغي السماح لحالة الارتباك المؤقت والعرضي بين المؤسستين أن تطغى على جمال المشتركات الأقوى والأعمق والأمتن بين المؤسستين الأمنية والإعلامية. ولا ينبغي لحالة القلق العابرة التي أفرزتها حالة الانقسام، أن تطغى على اعتبارات التعاون والتفاهم وتجسيد المشتركات.

نأمل أن تخلو التقارير التي تصدرها المؤسسات الحقوقية من أي انتهاكات تتعلق بالمساس بحرية الرأي والتعبير، أو الحريات الإعلامية، وهذا أمر منوط بقيام المكلفين بإنفاذ القانون بواجبهم في احترام وتطبيق القواعد القانونية الملزمة والواجبة الإتباع التي تضمن الحريات الإعلامية، وان تتم مساءلة ومحاسبة كل من ينتهك أحكام القانون، أو يتعسف في استخدام السلطة، وبالمقابل فإن الأمر منوط أيضاً، باتباع الصحافيين والإعلاميين، والكتاب والمدونين، وقادة الرأي ونشطاء الإعلام المجتمعي، لمعايير وقواعد وأصول العمل المهني.