خبر : صفقة جنيف وعودة إيران إلى بيت الطاعة ...مهند عبد الحميد

الثلاثاء 26 نوفمبر 2013 02:02 م / بتوقيت القدس +2GMT



الاتفاق الأولي بين إيران والدول الست الكبرى، جاء مقدمة لاتفاق استراتيجي سينبثق عن مفاوضات الشهور الستة القادمة. القضية الأساسية التي انطلق منها اتفاق جنيف هي منع إيران من صنع قنبلة نووية تؤهلها للانضمام الى منظومة العالم النووي، بموافقة طوعية إيرانية. وهذا يعني تراجع أو فشل ايران في فرض مكانة إقليمية تتناسب مع امتلاك سلاح نووي. وقبولها بحصة اقليمية أقل وضمن السيطرة الاميركية الغربية، اي في إطار علاقات التبعية. هذا هو جوهر الاتفاق وما عدا ذلك يظل في عداد التفاصيل ومحاولات التجميل والتبرير.

يجوز الادعاء أن الغرب نجح في ايقاف البرنامج النووي الايراني، ولا يغيّر من هذا الادعاء السماح لايران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5% وأقل من 5% لغرض الاستخدام السلمي المدني. فالاتفاق يذهب الى وضع كامل المشروع النووي تحت رقابة المفتشين الدوليين وهيئات الاختصاص، ويدعو إلى تقديم معلومات التصميم الحساسة عن مفاعل "آراك" وضمان عدم انتاج البلوتونيوم فيه، ويتضمن السماح للمفتشين بزيارة المفاعلين " فوردو" و"نطنز" بشكل منتظم ، واستبدال اليورانيوم المنتج والذي تفوق نسبته عن 5% بقضبان وقود او مسحوق حامض، وعدم نصب اجهزة جديدة للطرد المركزي، وعدم استخدام الاجهزة المتطورة القادرة على التخصيب بوتيرة أعلى. معلومات جرى تداولها في وسائل الاعلام المختلفة ولم تأت على ذكرها طهران ووسائل الاعلام المؤيدة لها.
تنازلت ايران استراتيجيا وربحت تكتيكيا، وتوج التحول والانعطاف في دور ايران الاقليمي. هذا التحول الذي جاء أساسا بفعل نمو المصالح المشتركة مع الغرب. والذي خطا خطوات واسعة بعد الاحتلال الاميركي الغربي لافغانستان، فقد ذهبت ايران إلى خندق المحتلين، بعد أن قدمت تسهيلات لوجستية للغزاة، ودفعت الشيعة للمشاركة في حكم قرضاي تحت الاحتلال. لكن ايران تقدمت بخطوات اوسع اثناء احتلال العراق فانتقلت الى موقع الشريك في بناء الحكم الطائفي الجديد. وكانت قد رفضت المشاركة في مقاومة المحتلين الاميركيين وهي التي اخذت على عاتقها دعم المقاومة والممانعة الفلسطينية والعربية. وبرر قائد المقاومة اللبنانية حسن نصر الله عدم اللجوء للمقاومة في العراق بوجود "خصوصية" للصراع في هذه المنطقة. وبعد الاندحار الاميركي في العراق تقاسم الطرفان الامريكي والايراني السيطرة على النظام الطائفي العراقي. واصبح العراق منطقة نفوذ مشترك بين الطرفين. غير ان نقطة الالتقاء الاهم التي عززت التلاقي الاميركي الايراني هي عداء النظام الثيوقراطي الايراني للديمقراطية وللتعدد السياسي والثقافي. الذي يعني حرمان السواد الاعظم من الشراكة في البناء والحقوق وفي المشاركة في التحرر من علاقات التبعية. إن إقصاء الشعب وحرمانه من ابسط حرياته وحقوقه يعبر عن مصلحة الرأسمالية الدينية التابعة (الجديدة) التي لم تر في الرأسمالية المهيمنة عدوا ينبغي الاستقلال عنه. ولو رأت فيه عدوا لاستنجدت بالشعب وتعبيراته السياسية في كل المعارك. لهذا السبب كان عداء النظام الايراني للحركات الثورية والديمقراطية والتنويرية الايرانية شديدا وحاسما منذ فوز "الثورة الاسلامية" وحتى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والانتفاضات الشعبية التي ناصبها النظام الايراني العداء وقمعها بشدة. وكان تناقضه مع الامبريالية وقوى الهيمنة قابلا للحل بالتفاهم نظرا لتقاطع والتقاء المصالح رغم الشعارات العدائية الرنانة. انسجاما مع ذلك انحاز النظام الايراني لنظام الحكم الطائفي الفاشي التابع في العراق، وناصب الشعب العراقي العداء وعزز الصراع الدموي الشيعي السني والطائفي في كل الاراضي العراقية . وانحاز النظام الايراني للنظام الاسدي الدموي ضد اكثرية الشعب السوري التي فجرت ثورة سلمية وطالبت بالحرية والكرامة والديمقراطية. ان المسار الذي بدأ ضد حرية وشراكة السواد الاعظم من الشعب الايراني في البناء وفي الحكم، هو المسار ذاته الذي شهد اشكالا من التقارب والتعاون والتحالف مع "الشيطان الاكبر" ومع االانظمة الطائفية الديكتاتورية و مع التنظيمات والنخب والمقاومات التي تعمل في خدمة أجندته الخاصة وتأتمر بمواقفه. لذا لم يكن مفاجئا ان تكتمل دورة النظام ليعود أدراجه الى بيت الطاعة الامريكي.
موقف نتنياهو الذي تحدث عن خطأ تاريخي ارتكبه الغرب وعن انتصار ايراني، حفظ ماء الوجه للنظام الايراني وحلفائه الممانعين والمقاومين. كم كانت دولة الاحتلال سعيدة بالتهديدات الايرانية فترة حكم نجاد، فهي من جهة تعلم ان التهديدات هي بمثابة اقوال غير قابلة للتنفيذ والتحول الى أفعال. ومن جهة ثانية تستخدم التهديدات في حشد الضغوطات ضد ايران للتراجع عن برنامجها النووي. ومن جهة ثالثة تتذرع بالخطر الامني القادم من ايران للتوسع وتبرير سيطرتها على منطقة الاغوار المحاذية للاردن. الاتفاق افقد اسرائيل كل الاستخدامات المستمدة من فزاعة الخطر الايراني. بعد الاتفاق مع ايران وبعد إزالة السلاح الكيماوي السوري لا تجد اسرائيل مخاطر تنفخ بها وتستخدمها لتبرير احتلالها وتوسعها الكولونيالي . إسرائيل بهذا المعنى كانت من الخاسرين في الشكل والتكتيك وتحديدا أغاظها وجود شريك اقليمي بامتيازات أقل تحت المظلة الامريكية الغربية وضمن استراتيجيتها. اسرائيل تريد ان تبقى اللاعب الاقليمي الوحيد والوكيل الحصري للغرب ولا ترغب بشركاء لها. هذا هو حدود الخلاف مع الولايات المتحدة التي ترغب بشركاء آخرين تابعين من غير ان تمس بالمكانة الاسرائيلية الخاصة. غير أن إسرائيل كانت من الرابحين استراتيجيا. هذا ما لحظه شمعون بيريس رئيس الدولة، الذي قال : نحن لسنا أعداءكم وانتم يجب أن لا تكونوا هكذا، أرجوكم اختاروا السلام.." . إن وقف البرنامج النووي الايراني وقطع الطريق على امكانية انتاج اسلحة نووية ايرانية يبقي على إسرائيل الدولة الوحيدة التي تملك السلاح النووي، ويجعلها الطرف الاقوى الذي يساهم في تجديد السيطرة على هذه المنطقة الحيوية
ويبقى سؤال : كيف ستنعكس صفقة جنيف على شعارات المقاومة وتحرير القدس وتدمير إسرائيل؟ هل سيتم تمزيق هذه الورقة بعد ان استنفد استخدامها، أم سيتم تحويلها الى وجهة اخرى غير "الشيطان الاصغر"؟ الجوان التحويل نحو وجهة أخرى سبق صفقة جنيف بعامين. نعم لقد حول حزب الله مقاوميه الى الاراضي السورية ليقاتل ضد الشعب السوري. وكانت إسرائيل سعيدة بذلك. لان من يقاتل شعبا شقيقا لا يمكن له ولا بأي حال ان يقاوم اسرائيل مرة أخرى. أما المقاومين الفلسطينيين فأظن ان دورهم في الاجندة الايرانية شارف على نهاية غير سعيدة.

Mohanned_t@yahoo.com