خبر : ميركا على خطى إنجلترا الاستعمارية في الطريق إلى آسيا من بوابة إيران ..بقلم : حسين حجازي

السبت 23 نوفمبر 2013 01:11 م / بتوقيت القدس +2GMT



يمكن مقاربة المشهد الشرق أوسطي اليوم على النحو التالي:

تقوم الولايات المتحدة الأميركية بتنفيذ انقلاب صامت لا يقل في دلالاته وأبعاده الجيوإستراتيجية عن انقلاب آل بوش، الذي بدأه الأب العام 1991 واستكمله الابن العام 2001 ، ولكن لئن اتسم انقلاب آل بوش بالنزعة الهجومية الحادة في السعي لتثبيت وحدانية القيادة الأميركية، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة، فإن الانقلاب الذي ينفذه أوباما اليوم هو على النقيض من هذه النزعة الهجومية المتطرفة، ويعكس قدراً من البراغماتية التصالحية مع الواقع والاعتراف بحقائق القوة الجديدة في العالم، بالسعي الى تقليص التمدد وتركيز الجهد الاستراتيجي بالاتجاه الشامل نحو الهدف الرئيسي، وهو هنا الصين باعتبارها الخطر او الوريث الحقيقي.
وكما هي الحال في كل مرة تحدث فيه الامبراطوريات العظمى مثل هذه النقلات الكبرى في سياساتها او مقارباتها التي تشي بطابع الانقلاب، فإن الحلفاء التقليديين من أتباع الامبراطورية، وقد باغتتهم هذه التحولات والتي لا يجدون للوهلة الأولى لها تفسيرا، لا يجدون أمامهم سوى الحائط ليدقوا عليه رؤوسهم الحامية، بعد ان ينظروا من حولهم ليروا وقد افزعهم ذلك رأس الامبراطورية وقد اصبح باردا يقارب الجليد.
ماذا دهاك يا باراك أوباما في هذا التناقض الغريب الذي يحير العقول؟ التجسس على كل العالم وتتخلى هكذا فجأة وبكل برودة أعصاب عن حلفائك الرئيسيين، مصر والسعودية وحتى إسرائيل. وتذهب هكذا فجأة لكسب ود إيران، وهاكم على نحو طريف ردود الأفعال التي اقدم عليها كل من هؤلاء الحلفاء الثلاثة في لحظة من الانفعال الغاضب، ولكن التي لا تشبه شيئا آخر في السلوك السياسي سوى دق الرؤوس في الجدار.
1-أعلنت السعودية عن تخليها عن استلام مقعد العضوية في مجلس الأمن الدولي بعد ان عملت لسنوات في السابق للحصول عليه، للتعبير عن احتجاجها على فشل المجلس، وهو في الواقع تعبير عن احتجاج صارخ موجه ضد الحليف الأميركي بسبب تراخيه في الازمة السورية، وسعيه للمصالحة مع إيران. وواصلت السعودية هذا الاحتجاج بالعمل من وراء الستارة على تعطيل انعقاد مؤتمر جنيف الثاني، وما يسببه ذلك من إفشال التوافق الأميركي الروسي لحل الأزمة السورية سياسياً.
2-ذهب الجنرال عبد الفتاح السيسي والسلطة الجديدة الحاكمة في مصر الى روسيا، للتلويح أمام أوباما الذي لم يبد اكتراثاً على ما يبدو، بان مصر تملك خيارات أخرى فيما يشبه استدعاء للراية السوفياتية الحمراء القديمة أمام الثور الأميركي، ولكن دون ان ينتبه احد هنا ان هذه المقاربة والإيحاء من زمن الخمسينيات في ذروة الحرب الباردة، ليست لها اي رصيد للصرف او التوظيف اي البيع في الوقت الراهن، حيث لا تبدو مصر اليوم بنفس أهميتها في الصراع الدولي العام 1979، وحيث إن أحداً لا يشبه أحداً في ذلك العصر، لا عبد الفتاح السيسي جمال عبد الناصر ولا روسيا الاتحاد السوفياتي ولا أوباما الجنرال ايزنهاور، وبالتالي يطرحون السؤال في الإدارة الأميركية لماذا نواصل دفع المليارات لمصر وقد انتهت الحرب الباردة، وفي زمن إفلاس الامبراطوريات لماذا نتحمل كلفة هذا التحالف.
3- أما بنيامين نتنياهو اشد الملدوغين فلم يكد ينتهي من مراسيم حفل الزفاف الذي أقامه لأجل استعادة الحليف القديم والأول فرنسا، طار على عجل هذه المرة الى روسيا بوتين مثل باقي أيتام أميركا في الحجيج هذه الأيام الى موسكو، بعد مصر اسرائيل وبعد اسرائيل تركيا وعلى قاعدة عدو عدوي يمكن ان يتحول الى صديقي.
همس نتنياهو على ما أظن في اذن بوتين البارد والمتجلد ان غاية أميريكا هي الوصول الى إيران، التي على حدودكم لاستعادة حلف أميركا مع الشاه القديم، وبالاتفاق الذي عقدوه مع أفغانستان ونفوذهم في القوقاز فأن الهدف هو سقوطكم، حتى وان تنازلوا لكم في الموضوع السوري، كتنازل انجلترا في سايكس بيكو عن سورية ولبنان لفرنسا في الطريق الى كسب إيران بوابة الهند القديمة، والذي هو من قبيل الخداع لأن إيران هي الكنز الثمين هنا لمد سيطرتهم على آسيا وصولا الى الصين، وهكذا فإن مصلحتنا معا تقتضي انتفاء التوصل الى عقد الاتفاق مع ايران في جنيف.
تنتهي اذن حقبة التحالفات التقليدية في الشرق الأوسط وتنفتح الستارة على فصل جديد من هذه التحالفات، يمكن اختصار مغزاه الرئيسي بتطبيق القاعدة الذهبية في السياسة، التي تقول انه لا وجود لعداوات او صداقات دائمة وإنما مصالح ثابتة، فالثابت هو المصالح وليس المبادئ والمتغير هي التحالفات، استبدال الخيول وتغيير البنادق من كتف الى كتف، وهكذا دواليك. وكم يبدو مثيرًا اليوم ان تصدر نفس العبارة الواحدة عن كل من مصر وإسرائيل وحتى السعودية عن الحاجة الى توسيع الخيارات، وتصدر هذه العبارة الجملة على نحو تاريخي عن وزير الخارجية الإسرائيلي، كما لو انها نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة عنوانها بوابة المجهول، حين قال ليبرمان ان على إسرائيل البحث عن حليف آخر غير أميركا.
راعيان اذن يتصدران المشهد، ويبدو ان الأكثر استعداداً وتشوقا لخلافة راعي البقر القديم، الذي يبدو كما لو انه ترجل عن حصانه والقى بحبلته الشهيرة على الأرض متخليا عن الرمزية الأثيرة التي خلدتها هوليود. ذلكم الراعيان الجديدان هما فلاديمير بوتين الروسي وفرانسوا هولاند الفرنسي، الدب الروسي اياه صاحب لعبة الروليت القديمة، وبائع العطور والأزياء الاب الراعي لكاثوليك الشرق في زمن ماض، فماذا تراهم يفعلون بالتركة التي سقطت هكذا فجأة في حجريهما، بعد ان بات أوباما كما لو انه غورباتشوف الجديد الذي يفكك ويهدم عرى الامبراطورية الأميركية، بعد ان هَدَم الأول الامبراطورية السوفياتية.
او تراه العالم يرتد على أعقابه بهذا الانقسام والتفكك الأكبر بالرجوع الى عناصره مكوناته الأصلية، بانقسام الغرب التقليدي الى معسكرين أميركا وبريطانيا من جهة وروسيا وفرنسا، ما خارج الغرب التقليدي الأنجلوسكسوني في الجهة المقابلة، وحيث كانت ثقافة النخبة زمن القياصرة الروس فرنسية، كما لغة الصالونات الثقافية فيما الميل الاستعماري الانجليزي تاريخيا نحو قلب آسيا. وتراها هي ايران فارس القديمة مرة أخرى هي بوابة آسيا، اذا كانت مصر واسرائيل ليستا سوى ممر الدخول الى هذه البوابة، الذي اقتضى احتلال مصر العام 1882 وزرع إسرائيل في فلسطين، وحيث خط السير فلسطين الأردن العراق إيران وترك سورية ولبنان للفرنسيين.
هذه واحدة من اخطر لحظات التاريخ حرجاً التي تتسم بسيولة عالية في إعادة تشكيل المعسكرات والأحلاف، ولكن المتغير فيها ان أهمية الشرق الأوسط القديم كمحور في الاستراتيجيات الدولية يتم التراجع عنه من لدن القوة الأميركية المهيمنة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأظن اليوم ان هذا التحول هو بداية تبلور المأزق الإسرائيلي، اذا كنا نشهد اليوم تراجع الأسباب والدوافع التي اقتضت تعزيز قوة إسرائيل على هذا الشريط الساحلي الصغير للمتوسط، كممر للسيطرة على الشرق الأوسط أبان نشوء المسألة الشرقية، بعد ان اصبح الشرق الأوسط نفسه معروضا للبيع مثل "أنتيكا" قديمة.