خبر : ماذا بعد أن ذاب الثلج وظهر المرج ؟ ...طلال عوكل

الإثنين 18 نوفمبر 2013 09:50 ص / بتوقيت القدس +2GMT
ماذا بعد أن ذاب الثلج وظهر المرج ؟ ...طلال عوكل



الذكرى التاسعة لرحيل الزعيم الفلسطيني هذا العام كانت متميزة، من حيث تزامنها مع انتهاء الأبحاث المخبرية الروسية، والسويسرية، والتي أظهرت تباينا فيما يتصل بأسباب وفاة ياسر عرفات.

التباين بين التقريرين، لا يشير إلى فوارق في الامكانيات، أو مستوى الخبرات التي تتوافر لدى الطرفين وكلاهما يملك من الامكانيات ما يؤهله لاكتشاف الحقيقة، ما يعني ان الفوارق تعود إلى أسباب سياسية.
كيف يمكن لمختبرات متساوية القدرات العلمية والتكنولوجية ان تصل إلى تفاوت يجعل نتائج التحليل الروسي غامضة، فيما يتوصل التحليل السويسري إلى أن الرفات تحتوي على مادة البولونيوم السامة، رغم أن الفريقين أخذا العينات من ذات الرفات، وفي وقت واحد تقريباً.
تتضاعف الشكوك، بشأن خضوع النتائج لتأثيرات سياسية، حين نعرف بأن ظهورها جاء متأخراً لستة أشهر عن الأشهر الستة التي حددتها الفرق الروسية والسويسرية، من أجل التوصل إلى نتائج محددة.
على أن المشكلة الأبرز التي تشير إلى وقوف السياسة وراء هذه التحقيقات، يكشف عنها، غياب نتائج التحقيق الفرنسي حتى اللحظة، ذلك التحقيق الذي جرى بموجب دعوى قدمتها للقضاء الفرنسي أرملة الراحل عرفات.
فرنسا كانت قد قدمت قبل ذلك تقريراً طبياً ينطوي على غموض فيما يتعلق بأسباب الوفاة، رغم انها الطرف الأقدر على تحديد تلك الأسباب منذ اللحظة الأولى لوجود عرفات في مستشفى بيرسي العسكري إلى حين وفاته.
لا يوجد سبب يدعو للاعتقاد بأن فرنسا لم تتعاط سياسياً مع الملف، خصوصاً وأنها كما قيل أتلفت العينات التي كانت موجودة لديها خلال وجود عرفات في المستشفى الفرنسي.
المهم في الأمر أن كافة التقارير، القديمة والجديدة لا تشير إلى أن الوفاة كانت طبيعية بسبب مرض ما، أو بسبب الشيخوخة، الأمر الذي يؤكد هواجس كل الشعب الفلسطيني الذي لم تساوره الشكوك بشأن مسؤولية إسرائيل عن اغتيال الزعيم الفلسطيني.
في الواقع ثمة اعتقاد راسخ لدى المراقبين الفلسطينيين، ونظن أن أيضاً لدى الكثير من المراقبين العرب والأجانب، بأن عملية اغتيال من هذا المستوى لزعيم تاريخي كبير بقامة عرفات، قد تمت بقرار سياسي دولي أو بقرار إسرائيلي وموافقة دولية، ومن بعض الدول العربية.
ان سألت أي فلسطيني عن أسباب اغتيال عرفات، سيقول لك إن الشواهد كثيرة على أن إسرائيل في عهد شارون، قررت استبعاد عرفات كشريك وأحكمت الحصار عليه في المقاطعة، لأنه من وجهة نظرها، أصبح عقبة أمام تقدم المخططات الاحتلالية، ولأنه من وجهة نظر الدول الحليفة لإسرائيل أصبح عقبة أمام عملية السلام بسبب تمسكه بالثوابت الفلسطينية، وبسبب عدم ارتهانه لخيار المفاوضات كخيار وحيد.
ثمة خديعة في الأمر، حين يدعي شارون أن إزالة عرفات عن الطريق من شأنها أن تفتح الطرق أمام تحقيق السلام، فلقد أثبتت إسرائيل خلال مرحلة شارون وحتى الآن انها هي التي تدمر كل إشارة إلى الطريق المؤدية إلى السلام.
لن يشعر الزعماء الذين وافقوا على القرار الإسرائيلي باغتيال عرفات أو تواطأوا معه، بالذنب، أو الندم، لأنهم ربما تضامنوا مع الروح الانتقامية التي تحلى بها الرئيس السابق جورج بوش، على خلفية رفض الزعيم الفلسطيني العروض البائسة التي قدمها له باراك، والرئيس الاميركي الأسبق بيل كلينتون خلال مفاوضات تموز العام 2000 في كامب ديفيد.
كان معلوماً أن على عرفات أن يدفع ثمن رفضه تلك العروض، وامتشاقه السلاح خلال انتفاضة الأقصى، التي اندلعت في عموم الأرض المحتلة بعد نحو الشهرين من مفاوضات كامب ديفيد الفاشلة، فلقد حث عرفات على الانتفاضة، وأوعز بتشكيل كتائب شهداء الأقصى، وقدم لها الدعم.
والآن من وجهة نظر وطنية فلسطينية فإن الملف جاهز، بما أكده تقرير المعهد السويسري، لكنه بالتأكيد يحتاج إلى استكمال حتى يصبح جاهزاً لدفعه الى محكمة الجنايات الدولية.
ليس هناك مجال للتسامح أو الغفران إزاء أي تأخير أو مماطلة في استكمال الملف، من الطرف الفلسطيني، الذي تأخر قراره بتشكيل لجنة تحقيق فلسطينية حتى العام 2010، ولكن حتى يتم استكمال الملف، لا بد من تشكيل لجنة دولية محايدة، تقوم بالتحقيق من أجل التوصل بالقرائن الدامغة لمرتكب الجريمة.
لجنة التحقيق الفلسطينية التي يترأسها اللواء الطيراوي مكلفة بالاستعجال في التحقيقات للكشف عن الوسيط الذي نقل السم للزعيم الفلسطيني، والمفروض أن تتوخى الشفافية إزاء ذلك بما لا يلحق أي ضرر بسلامة التحقيقات.
هذا يعني أن السيدة سهى عرفات، التي وضعت ثقتها بالقضاء الفرنسي عليها أن تتراجع باتجاه سحب الملف، لأننا كما فهمنا نعلم بأن المحاكم الدولية لا تنظر بملف مطروح أمام القضاء في دولة وطنية.
أما الخطوة الأساسية فإنها تتطلب من دولة فلسطين، التقدم بطلب الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، وإلى السبع والستين مؤسسة دولية، التي أشار أكثر من مسؤول فلسطيني إلى إمكانية الانضمام إليها.
وبإمكان دولة فلسطين أن تدعو الجمعية العامة للانعقاد، وفي الوقت ذاته أن تدفع الملف إلى مجلس الأمن الدولي رغم صعوبة الحصول منه على قرار.
ومرة أخرى يتأكد أن التزام حسن النوايا تجاه المخططات الإسرائيلية الخطيرة، والحروب التي تشنها إسرائيل على الأرض والحقوق الفلسطينية، هذا الالتزام، الذي قد لا يعني القطع مع المفاوضات، إنما يشكل إهداراً للوقت، وتأخيراً لا لزوم له.
ربما يكون الرئيس محمود عباس قد أعطى التزاماً بعدم التوجه للمؤسسات الدولية قبل نهاية التسعة أشهر المحددة للمفاوضات ولكن إسرائيل تقدم كل صباح، وكل لحظة، كل المبررات الكافية للتنصل من هذا الالتزام وإلا فإن على من طلب هذا الالتزام أن يوقف الحرب الإسرائيلية المستعرة والمسعورة.