خبر : عبد الرحمن عوض الله .. وسام على صدر الوطنية الفلسطينية ! ..بقلم: هاني حبيب

الأحد 27 أكتوبر 2013 03:21 م / بتوقيت القدس +2GMT
عبد الرحمن عوض الله .. وسام على صدر الوطنية الفلسطينية ! ..بقلم: هاني حبيب



.. وأخيراً، حزمت أمري، وواجهت ترددي الدائم وتلكؤي المستمر في أن أقوم بما ليس لي عهد به، وهو الكتابة عن شخص ما، فقد عجزت في السابق في أن أكتب عن تجربتي مع شخصيات لها وزن وتأثير كبيران في تاريخ الوطنية الفلسطينية الحديثة، وكنت دائماً ولا أزال، أن تكون كتابتي أقل بكثير مما أحمله من تقييم حقيقي لهذه الشخصيات العملاقة.

أكثر من مرة حاولت ان استجمع قواي، او ما تبقى منها، لأكتب عن "من فيض الذاكرة" للكاتب المؤرخ عبد الرحمن عوض الله، وفي كل مرة لا أقوى على البدء في الكتابة، ليس فقط لأنني غير متخصص في هذا المجال، ولكن أكثر من ذلك، لأنني لم أتمكن من التقاط المحور الذي سأناقشه، فهذه رواية تاريخية حقيقية تؤرخ لفترة من تاريخ قضيتنا الوطنية، لمناضل كان مؤسساً لهذه التجربة العملاقة، ولعل تلك الخواطر التي استحكمت بي وأنا أقرأ السطور المتعلقة "بأسدود" بلد الكاتب وبلدي قد أحالتني إلى حالة من الحنين لم أمرّ بها طوال عمري، فقد تعرفت على هذه القرية وكأنني أعيش فيها، وسيطر هذا الحنين على جنبات قلبي ووجداني، وأشعرني بالعجز عن وصف هذا التأثير والالهام والحنين كما ينبغي.
الفرصة لاحت أخيراً عندما تسلم عبد الرحمن عوض الله من الرئيس أبو مازن وسام الاستحقاق والتميز، وبالرغم من هذا التكريم الرئاسي، فقد شعرت ببعض الأسى والحزن، فقد ارتأيت أن تكريم رجل بهذا الوزن، كان يجب أن لا يأتي في ظل موجة من التكريمات، وحتى لو جاء هذا التكريم متأخراً، فإن التعويض عن هذا التأخير كان يجب ـ كما أرى ـ أن يأتي احتفالياً بشخص عبد الرحمن عوض الله، لما له من وزن يتجاوز الحدود الوطنية والنضالية إلى كاتب مؤرخ ترك إرثاً لأجيال قادمة من الوعي بتاريخ قضيتنا الوطنية، لكن تكريم هذا الرجل، هو الذي حفزني للخروج عن ترددي ويشجعني على بعض الوفاء لهذا الرجل الذي لا أرى فيه مجرد مؤسس لتشكيل مقاوم، ولا سجين ومعتقل سابق في السجون العربية والإسرائيلية، ولا كشاهد على المسار النضالي للشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال، بل أكثر من ذلك، كونه كاتباً مؤرخاً لهذا الجزء المنسي أو المتناسى من تجربة ثورتنا الفلسطينية، والواقع انني أرى أن هناك العديد من المناضلين الثوار المؤسسين في هذه الثورة العملاقة، لكن القليل منهم ربما كان لديه الامكانية الهائلة الضرورية لتأريخ هذه الثورة من داخلها، عبد الرحمن عوض الله ـ كما أرى ـ كانت لديه القدرة والامكانية والكفاءة، للكتابة عن هذه التجربة باقتدار المؤرخ المناضل.
لقد تركت لنا الحركة الوطنية الفلسطينية تاريخاً مكتوباً لا ينضب عن هذه التجربة، إلاّ أنها في معظم الحالات، كانت عبارة عن مواقف وبرامج للأحزاب والقوى، في لحظات معينة في خضم التجربة النضالية لشعبنا الفلسطيني وبسياقات مختلفة ولأهداف محددة، بينما الرواية التاريخية "من فيض الذاكرة" شكلت السياق المترابط والمتراكم لهذه التجربة على عمقها وتشابكها، ومع أنها ـ الرواية ـ كانت حصيلة المسار النضالي للحزب الشيوعي الفلسطيني، وحزب الشعب، إلاّ أن ترابط العناصر المشكلة للتجربة الوطنية، جعلت من الرواية، حصيلة لهذه التجربة في سياق الكفاح الوطني لكافة فصائل العمل الوطني الفلسطيني على اختلاف تشكيلاتها.
شعبنا الفلسطيني الذي خاض وما يزال المواجهة مع الاحتلال، أفرز قادة عظاما وقوى وفصائل مقاتلة، وعددا هائلا من المناضلين، غير أنه افتقد على الدوام الكاتب المؤرخ، رغم الدخلاء على هذا النوع من المهم، وهذا ما وفره عبد الرحمن عوض الله للذاكرة الفلسطينية، وبالتالي فإني أرى أن صفة القائد المناضل، تتوارى نسبياً عما أراه في عبد الرحمن عوض الله، ككاتب مؤرخ، تضاف إلى كونه قائداً مناضلاً، فهذه هي أهم الصفات التي تميزه وتجعله أهلاً لأن يكون مختلفاً، وهو الأمر الذي شجعني على القول، بأن تكريمه الرئاسي، كان يجب ان يكون متميزاً استحقاقاً لتميز هذا الرجل.
وبمنأى عن ذلك كله، فهذا الرجل الذي خرج من عباءة التدريس والتعليم وفقه اللغة العربية إلى ساحة المواجهة المباشرة بآفاقها السياسية والحزبية الطويلة والمريرة، ليبدع لنا أسرة ـ أسرة عوض الله ـ كنموذج للأسرة الفلسطينية المناضلة، وها نحن نرى في عائلته الصغيرة، وربما الممتدة إرثاً نضالياً، إذ إن جميع أفراد هذه الأسرة، منشغلون بالعمل الوطني النضالي، بنين وبنات، وزوجات وأزواجا، في ظل عميدها الذي تجاوز التأثير على هذه الأسرة، لكي يؤثر على أجيال قادمة من خلال تجربته النضالية التي جمعها في أحضان "من فيض الذاكرة".
لفلسطين أن تفخر بهذه التجربة وصاحبها، ولفلسطين أن تفخر بهذا الوسام، الذي هو في حقيقة الأمر، وسام على صدر الوطنية الفلسطينية!!
Hanihabib272@hotmail.com
www.hanihabib.net