خبر : أوهام "العدالة الانتقالية" في المنطقة العربية!!...بقلم: هاني حبيب

الأحد 13 أكتوبر 2013 07:44 م / بتوقيت القدس +2GMT
أوهام "العدالة الانتقالية" في المنطقة العربية!!...بقلم: هاني حبيب



كثيرة هي المفردات والمصطلحات التي شاعت إثر "الربيع العربي" والتي كانت حكراً على المثقفين والمفكّرين والمنظّرين، وباتت متداولة إلى درجة كبيرة لدى أوساط اجتماعية عديدة، ومن بين هذه المفردات والمصطلحات التي باتت أكثر شيوعاً "العدالة الانتقالية" والتي انتقلت من تجارب بعيدة نسبياً عن عالمنا العربي، وظلت متداولة في أوساط القانونيين والساسة، إلى شاشات التليفزيون وورش العمل وحتى في اللقاءات الخاصة، حيناً يتم تداولها باعتبارها مرادفاً لمصطلح "المصالحة" وأحياناً، تأخذ أبعادها النظرية والقانونية الدقيقة، وفي كل الأحوال فإن الجدل القائم حول هذا المصطلح، يعتبر ميداناً للثقافة العامة، حتى لو لم تتكلّل المساعي لتفعيل هذا المصطلح على الواقع العربي.

وحتى لا نغوص في التعبيرات النظرية والفقهية لهذا المصطلح، فإننا نعود إلى اختصار له، خطه أحدهم على حائط منزل أساقفة جنوب إفريقيا "ديزموند توتو" في مدينة كيب تاون تقول "كيف نحول الأخطاء البشرية إلى عدل بشري"؟ وقد أوجزت هذه العبارة وأوفت التعريف بالمصطلح وجعلته أقرب إلى الفهم العام بعيداً عن التنظير والتعريفات التي قد يصعب على المواطن العادي فهمها.
ومع أن هذا التفسير والشرح الموجز يعبر حقيقة عن جوهر عملية "العدالة الانتقالية" إلاّ أن تحويل الشعار إلى حقيقة فاعلة في اطار تجربة ناجحة، يعوزه الكثير من الشجاعة والقوة لإزالة العقبات العديدة التي تنتصب دون تحقيقه، تتجلى في ميادين القانون والعادات الاجتماعية والنوايا ويتم التسامح والمراجعة والنقد، وكل ميدان من هذه الميادين منفرداً، يشكل في حد ذاته عقبة كأداء تنتصب عندما نحاول أن نبدأ بالعدالة الانتقالية لنضعها ونكيفها وفقاً للحالة الخاصة بكل بلد وكل مجتمع، إذ إن التجارب السابقة في التاريخ المعاصر، لا يمكن وضعها في اطار ونموذج يمكن الالتزام به واللجوء إليه واستنساخه، ذلك أن من البديهي أن ظروف وبيئة كل تجربة تختلف تماماً عن التجارب الأخرى، ما يضع على كاهل تلك القوى التي تحاول أن تفعل "العدالة الانتقالية" لدى تجربتها الخاصة أن تبدع الأفكار الخاصة في اطار تجربتها وميدان عملها، مع أن هناك أفكاراً عامة يمكن أن تسهل لهؤلاء هذا التفعيل، إلاّ أن هذه الأفكار العامة، ليست كافية بالتأكيد لاستنساخ أية تجربة سابقة.
إن إحدى العقبات الرئيسية أمام "العدالة الانتقالية" في المنطقة العربية تتلخص في أن التحولات الجارية الآن، خاصة في بلدان "الربيع العربي"، لم تكتمل بعد، وأن أطراف المعادلة لا تزال تنتظر تحولات إضافية، بما يمنعها من التضحية بمكتسباتها أو أوهامها أو رهاناتها، قبل أن تتضح الصورة النهائية للوضع الداخلي على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، الأمر الذي يجعل الحديث عن "العدالة الانتقالية" كما يرى البعض، سابقاً لأوانه.
وحتى بفرض أنه تم تشخيص الوضع الراهن باعتباره، يشكل حالة يمكن معها فعلاً تفعيل "العدالة الانتقالية" فإن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، هل هناك إرادة حقيقية كاملة لدى أطراف الأزمة بالوصول إلى العدالة الانتقالية إلى مبتغاها، ففي الحالة المصرية مثلاً ـ حيث يكثر الحديث عن العدالة الانتقالية لدرجة أن هناك وزارة بهذا الاسم "فإن هناك انقساماً واضحاً، ليس بين أطراف الأزمة فقط، بل في إطار كل طرف منفرداً، فبينما يرى أصحاب ثورة 30 يونيو، أن لا مجال للحديث عن عدالة انتقالية أو حتى مصالحة مع طرف آخر ما زال ممعناً في سفك دماء المصريين، بعض هؤلاء يرى أن المصالحة هي المخرج من هذا الصراع الدموي ويقي مصر من حرب أهلية محتملة ويسمح للدولة بأن لا تتحول إلى دولة هامشية أو دولة هشة، أما الطرف الآخر والذي يواصل ضرباته الدموية في كل اتجاه، فإنه لا يعترف حتى الآن بعملية المصالحة، أو العدالة الانتقالية، وما زال مُصرّاً على تحقيق أهدافه الخيالية، وإذ ان المصالحة أو العدالة الانتقالية هي بين أطراف تحتاج لها، فإن هذا الجانب الذي تقوده جماعة الإخوان المسلمين، غير معني لا بالمصالحة ولا بالحديث عنها على أقل تقدير!
وما هو مجال المصالحة أو العدالة الانتقالية ـ ونستخدم المصطلحين رغم أنهما لا يتشابهان ولكن لسهولة الفكرة ـ وإذا عدنا للنموذج المصري، فإن هناك من يرى ضرورة أن يشكل المجال الواسع لهذه التجربة، نظام حسني مبارك، وتجربة الحكم العسكري، ثم نظام محمد مرسي، إلاّ أن البعض الآخر، يرى أن الأمر يتعلق بالتطورات الأخيرة، خاصة أنه تم عزل "الفلول" من الحياة السياسية وأن فكرة المصالحة والعدالة الانتقالية أخذت تنتعش بعد إزاحة حكم جماعة الإخوان المسلمين، حيث بدأ مجرى الدم المصري ليشكل العنصر الأساسي في الصراع، على خلاف ما كان الأمر عليه في ظل مبارك والحكم العسكري، مع أن الرأي النظري السائد، يؤكد على مصالحة مجتمعية شاملة تؤدي إلى عدالة انتقالية، تضع النماذج السابقة تحت التفعيل المباشر والشامل.
إلاّ أن أكثر العقبات وأشدها تأثيراً على فشل أية عملية مصالحة حقيقية تؤدي إلى العدالة الانتقالية، تتمثل في طبيعة المجتمعات العربية التي تأثرت في السنوات الأخيرة بموجات ذات طبيعة إرهابية دموية، جعلت مجتمعاتنا أقل تسامحاً، وأكثر تمسكاً بقيم الثأر و"القصاص" حسب المفهوم المجتمعي الراهن، ذلك أن جوهر العدالة الانتقالية يرتكز على قيم التسامح بالدرجة الأولى، دون اغفال تحقيق العدالة، التي باتت عدالة انتقالية، لكن ذلك يقتضي القدرة على الاعتراف بالذنب والجرم، ولا أعتقد أن هناك إرادة تتوفر لدى مجتمعاتنا للإقدام على مثل هذا الأمر، ما يحول ـ على ما أعتقد ـ دون توفر العنصر الجوهري في توفير إرادة حقيقية للاتجاه نحو "العدالة الانتقالية".
في السابق، عاصرنا بعض المجموعات تلجأ إلى ما يسمى "بالمراجعة" حيث يسيطر عليها عنصر النقد الذاتي، إلاّ أن التجربة دلّت على أن هذه المراجعة، لم تكن حقيقية، بل كانت في الغالب تهرباً من استحقاقات سياسية وأمنية، والمراجعة في ظل هذه الظروف، ما هي إلاّ شكل من أشكال الخداع ولا تبنى على أسس من توفر القناعات والإرادات.
وفي ظل قيم الإقصاء وعدم الاعتراف بالآخر، بل تكفيره، تبقى "العدالة الانتقالية" مجرد شعار للاستهلاك والتداول وربما للتحايل على متطلبات المجتمع، إذ إن البعض يقول إن الأضعف هو الذي يحاول الاستجابة لمتطلبات "العدالة الانتقالية" وفي ظل هذا المفهوم المغلوط، فإن "العدالة الانتقالية" لن تجد لها مكاناً حقيقياً في واقعنا العربي، على الأقل في الظروف الراهنة والمستقبل المنظور!
Hanihabib272@hotmail.com
www.hanihabib.net