خبر : وليم جفرسون كلينتون .. محمد يوسف الوحيدي

الأحد 06 أكتوبر 2013 03:37 م / بتوقيت القدس +2GMT
وليم جفرسون كلينتون .. محمد يوسف الوحيدي



في منتصف ديسمبر عام 1998 كانت ساحات وطرقات قطاع غزة تكتظ بالأعلام الأمريكية وصور الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون عشية زيارته غير المسبوقة إلى الأراضي الفلسطينية عبر قطاع غزة بالذات لدفع عملية السلام والسعي لإنهاء النزاع التاريخي بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
حطت مروحية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في 15/12/1998 على ارض مطار غزة ايذانا ببدء زيارة تاريخية هي الاولى لرئيس امريكي لفلسطين وبعد استقبال رسمي عزفت خلاله الموسيقى الوطنية للجانبين كمؤشر على الاعتراف الضمني بالاستقلال الفلسطيني قص كلينتون شريط افتتاح مطار غزة الدولي. ورافقت مروحية كلينتون الى مطار غزة خمس مروحيات عسكرية وجرى له استقبال رسمي وشعبي حيث كان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مقدمة مستقبليه ، وليم جيفرسون كلينتون ، أو بيل كلينتون ، شخصية " محببة " ، عندما تراه تشعر بقربك منه .. قدر لي أن أراه مرتين .. المرة الأولى في مطار غزة ، و لم أصافحة أو أقترب منه لأسباب بروتوكلولية و أمنيه ، ولكن تلك الزيارة ، كانت بمثابة وثبة و تحليق سياسي و ديبلوماسي فلسطيني ، شعر به كل من كان في المطار ، و خاصة مع إنحناءة الرجل أمام علم العرب ورمزهم ، علم فلسطين المقدس ، و مع سماع نشيد فدائي يا شعبي يا شعب الخلود ..و بوجود الفدائي الأول أبو عمار – ياسر عرفات .
لم أكن أتخيل بان هذا الرجل اللطيف ، دو القامة الفارهة و الملامح السمحة و الإبتسامة اللطيفة و الوديعة ، سيكون هو ذاته ، من يمارس ضغطا على الفدائي الأول ، قائدنا و رئيسنا الشهيد ، بل و يهدده بالقتل إن لم يستسلم للإملاءات .
كنت ، و كان كثير منا .. يعتقد أن الأمل كبير ، بعد أن أبدى هذا البيل ، تفهماً للقضية و الحق الفلسطيني ، ليس فقط الخق على المستوى الإنساني ، بل و على المستوى السياسي أيضاً .
ولا زلت أذكر ذلك الشعار الشهير الذي إقتبسه الفلسطينيون من أقوال الزعيم الثائر الأمريكي السود مارتن لوثر كنج ، لدي حلم .. بأن جعلوه لدينا حلم على صورة ضخمة لأبو عمار مع بيل كلينتون .. حيث وقر في الوجدان الشعبي على ما يبدو ، أن هذا البيل ، شخص مؤتمن حتى على أحلامنا ، و مكرم لدرجة أن ترفع صورته جنبا إلى جنب مع القائد أبو عمار ..
و تتالت و تسارعت الأحداث إلى أن رايته مرة ثانية ، و لكن هذه المرة ، تداعت الظروف ، و جاءت الفرصة بين يدي .. أن أصافحة و أكلمه ولو بضع كلمات للتحية و السلام .. حاملا في مخيلتي و مشاعري كل تلك الأحاسيس ، و الآمال التي تولدت لدي كمواطن فلسطيني يأمل في عيش هادئ ، و وطن حر كريم ، و معتقداً أن هذا الرجل سيكسر القاعدة ، و يتحرر من شعوذات الصهيونية ، و حصار اللوبي اليهودي الإقتصادي ، و بقايا الصليبية و هرطقات شهود يهوه ، هذه المرة كانت على هامش منتدى دافوس الإقتصادي في سويسرا ..
رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، بل قل رئيس العالم، القوة القادرة الأولى بعد الله على الأرض بل في الكون المعلوم.. يا إلهي هذا هو الرجل يقف أمامي بنفسه و يبتسم لي و سوف أسلم عليه بعد لحظات..
وقفت مع ( القطيع ) المحشور ، للمرور أما سلطان العالم ، لأخذ البركة بلمس يديه الكريمتين .. و أخذت تتوالى الأفكار و تتلاطم في رأسي .. فتذكرت موقف أبو عمار .. و إصراره على أن يحضر كلينتون ذاته إلى هذه البقعة الصغيرة من الأرض – غزة ، لينحني أمام علم فلسطين .. و أن يقف ثابتا واضعا كفه على قلبه وهو يستمع إلى نشيد فدائي ..
مشيت ببطء، في طابور من العرب، الشخصيات الهامة و حاشية الشخصيات الهامة و حراسات الشخصيات الهامة، لأسلم على السيد، بكل ما للكلمة من معاني .. السيد كلينتون، فقد سمح السيد كلينتون لوفود و شخصيات أن تنال شرف زيارته للسلام و أخذ الصور التذكارية في مكان إقامته ..
نظرت ورائي و أمامي بشغف لأعد الواقفين أمامي حتى أصل إلى سيد العالم.. و تساءلت بيني و بين نفسي ، لم أسلم عليه ، و لماذا أعتقد أن ضامني و محقق حلمي في الحرية و السلام ؟؟ أبو عمار لم ينحني له ، و لم يقل يوما أنه ضامن تحقيق حلمي ، درت برأسي، لتقع عيناي على وجوه أعرفها، يا ربي هذا أبو الثورة و ذاك أبو اعتراض، لقد كنت معهما بالأمس و كانا يلعنان كلينتون و أمريكا و الإمبرايالية وسياساتها، ما الذي جاء بهما إلى هنا ؟ أمعنت النظر في وجوه الواقفين في الطابور، عيون ملأى بالذل و الاستجداء، تحولت وجوه بعض الرجال إلى وجوه مليئة بالنفاق و التودد لتقبل و تؤخذ في طابور القطيع المحشور ، و رعاة البرتوكول من قدامى رعاة البقر يقفون ليضبطوا إيقاع تقدم الطابور ..
كان مسئول أمن وفدنا المرافق ليس بعيدا عني، نظر إلي وهز برأسه، في جزء من الثانية فهم جملتي المبثوثة دون كلام ، و في جزء من الثانية حسمت أمري و إتخذت قراري فتركت الطابور و إنسحبت، فسمعت خطوات قائد الأمن ورائي،
- " هل قرفت أنت الأخر ؟" سألته..
- يا أخي لقد أفقتني من حلم، سامحك الله، كنا قاب قوسين أو أدنى من مصافحة الرجل..
- أفقتك؟ وهل كنت غائبا عن الوعي؟
- أكيد ... إنها ضرورة ... السلام مع كلينتون، لا يمكن إلا إذا كنت “غائبا عن الوعي"!!