خبر : إيران إلى أين؟ ...بقلم: د. عبد المجيد سويلم

الخميس 03 أكتوبر 2013 11:08 ص / بتوقيت القدس +2GMT



الرئيس الإيراني روحاني ليس إصلاحياً خالصاً، كما هو معروف، لكن الرئيس الإيراني الجديد لقي ويلقى دعم الإصلاحيين في إيران كما أنه يلقى دعماً متزايداً من فئات شبابية ومنظمات أهلية محسوبة على الدولة المدنية.
منذ موافقة إيران بل وحماسها الخاص بالمبادرة الروسية بتدمير الأسلحة الكيماوية للنظام السوري بدت في الأفق الدولي مظاهر من الحلحلة في علاقات إيران الإقليمية والدولية ومقدمات يمكن أن تفضي إلى تقدم حقيقي في ملفها النووي. هنا لعب الرئيس الإيراني دوراً خاصاً في اختصار الدورة الزمنية المفترضة لهذا التقدم وبادر إلى التقدم بخطوات كبيرة نحو المجتمع الدولي وهو الأمر الذي أدى في نهاية المطاف الى تقدم الولايات المتحدة وبقية البلدان الغربية التي تتزعم المواجهة مع النظام الإيراني.
في الواقع "مبادرات" الرئيس الايراني حرقت التدابير الإسرائيلية التي عملت عليها وعلى تجهيزها على مدى السنوات الأخيرة، كما أن هذه المبادرات قد أدّت إلى "إحراج" الغرب ولو مؤقتاً إلى حين تمكن هذا الغرب من التحقق العملي المباشر من النوايا الإيرانية المعلنة على لسان روحاني.
إذن نجحت إيران في استثمار المبادرة الروسية ليس فقط على صعيد تجنب الضربة العسكرية لسورية، والتي كانت ستؤدي إلى إضعاف النظام السوري والإيراني على حد سواء وتجريد إيران من قاعدة ارتكاز رئيسية والتي تمثلها سورية وقاعدة ارتكازها الأخرى والتي يمثلها حزب الله في لبنان.. بل ونجحت ـ وهذا هو الأهم في إقحام الملف النووي الإيراني في صلب المسألة السورية أو عَبر البوابة السورية. أي بدلاً من أن تكون المسألة السورية عبئاً جديداً وخطيراً على الكاهل الإيراني تحولت هذه المسألة إلى فرصة جديدة قد تصل في غضون الأشهر القليلة القادمة إلى مقايضة حرية التفتيش برفع العقوبات وهو الأمر الذي سيضع حداً نهائياً للمواجهة العسكرية بين إيران والغرب وستصبح إسرائيل وسياستها تجاه الملف النووي خارج الشرعية الأميركية والغربية.
ما الذي جرى على الأرض لكي تبادر إيران إلى هذه المرونة ومغادرة ساحة التشدد التي تمسكت بها على مدار السنوات الأخيرة؟
وهل التراجع الإيراني السريع والمتسارع هو استدارة سياسية مؤقتة أم أن إيران باتت تعتبر هذا التراجع مسألة حيوية لإيران ووجودية لبقاء النظام الإيراني؟ للإجابة على هذين السؤالين علينا أن نراجع حقيقة الموقف الإيراني من الغرب وحقيقة الموقف الغربي من إيران من جهة، والملف "النووي" في لعبة الدور الإقليمي لإيران من جهة أخرى.
الحقيقة المؤكدة أن إيران كانت حليفاً للغرب في حروب الغرب في كل من العراق وأفغانستان والحقيقة الأخرى أن إيران بعد تدمير العراق واحتلاله من قبل القوات الأميركية قد تحالفت مع الولايات المتحدة حتى ان حكم العراق من قبل إيران قد تم بالفعل تحت الوصاية والرعاية الأميركية المباشرة.
الحقيقة المؤكدة الأخرى أن الغرب قد غذى إيران بالأسلحة عندما انقلبت الموازين العسكرية لصالح نظام صدام حسين إبان الحرب العراقية الإيرانية.
بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق وبعد أن تسلمت الأحزاب الموالية لإيران مقاليد الحكم في العراق تحولت الطموحات الإيرانية من دائرة (تصدير الثورة الإيرانية) إلى استثمار نتائج حرب الخليج وتكريس الاعتراف الغربي بالدور الإقليمي الجديد لإيران حتى ولو كان هذا الدور على حساب الدور الإسرائيلي في منطقة الإقليم.
لم يوافق الغرب على الدور الإقليمي الجديد لإيران في ظل العلاقة الاستراتيجية الخاصة التي تربط الغرب بإسرائيل، كما لم توافق البلدان العربية الخليجية على هذا الدور الجديد، وخصوصاً بعد تحكّم إيران بالعراق وامتداد نفوذها لسورية ولبنان والى حد ما العلاقات الخاصة التي بنتها إيران مع حركة حماس.
النشاطات الإيرانية على الصعيد النووي كانت قائمة وعلى قدم وساق منذ (ثورة الخميني) باستمرار للأنشطة النووية الإيرانية في عهد الشاه.
الغرب لم يثر مسألة الملف النووي إلاّ عندما دخلت العلاقات الروسية الإيرانية مرحلة متقدمة من التعاون العسكري بما في ذلك تطوير المفاعلات النووية الإيرانية.
لا يعقل أن تكون ايران عاجزة عن صنع القنبلة النووية وهي بلد غنيّ بالنفط ولديها الإمكانيات العلمية والفنية والمالية الكافية على مدى أكثر من ثلاثين عاماً من العمل في المجال النووي هذا إذا استثنينا الفترة التي سبقت النظام القائم.
لماذا لا يُعقل؟ الجواب بسيط ذلك أن باكستان بالمساعدة السعودية المباشرة استطاعت صناعة القنبلة النووية بإمكانيات مالية وفنية وعلمية أقل من الإمكانيات الباكستانية وبما لا يقاس.
إذن لو كانت إيران تنوي صناعة القنبلة النووية لفعلت ذلك قبل سنوات وسنوات، ولو أرادت إيران استثمار الإمكانيات العلمية والفنية التي كانت تتمتع بها جمهوريات آسيا الوسطى السابقة، والتي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي بعد سقوطه لأمكنها مراكمة ما يكفي ويزيد عن صناعة تلك القنبلة. إذن إيران بدورها تعمّدت الغموض لاستخدام الملف النووي لتكريس دورها الإقليمي الجديد إلى أن جاء وقت لم يعد بمقدورها التلاعب به واستثماره في هذا الاطار.
هنا وعندما أصبح النظام السوري أمام مصير محتوم جراء الضربة العسكرية التي كانت ستقوم بها الولايات المتحدة أدركت روسيا أن زمن المساومة قد حل في الواقع ولم يعد أمام سورية سوى استخدام السلاح الكيماوي للإبقاء المؤقت على النظام وللإبقاء على النظام الإيراني كلاعب في المنطقة وبدور يقبل به الغرب وليس بدور تفرضه إيران على الغرب.
إيران ذاهبة إلى مساومة تاريخية جديدة مع الغرب وهي ليست بصدد استدارة سياسية مؤقتة. إسرائيل خسرت معركة الحشد لضرب إيران ولكنها ستكسب الكثير مع دخول إيران إلى لعبة المساومات الجديدة.