خبر : المعركة على الصنبور \ بقلم: عاموس هرئيل \ هآرتس

السبت 28 سبتمبر 2013 02:36 م / بتوقيت القدس +2GMT



وصول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الى الولايات المتحدة وخطابه المخطط له في الجمعية العمومية للامم المتحدة لن يوقفا على ما يبدو الانجراف في الاسرة الدولية نحو ايران. فخطاب حسن روحاني الرئيس الايراني الجديد في الجمعية العمومية حقق هدفه – تسويق صورة أكثر اعتدالا لطهران واستئناف المفاوضات على لجم البرنامج النووي في اجواء أفضل مما كان سائدا في عهد سلفه، محمود احمدي نجاد. وحتى لو كان أعد هذه المرة خطابا لامعا، يعرف نتنياهو بانه يمكنه في أقصى الاحوال أن يكشف عن شقوق في الصورة الجديدة التي تعرضها ايران على العالم، وليس تغيير الميل رأسا على عقب.

 

          في لقاءاته في واشنطن وفي نيويورك لن يقنع نتنياهو ادارة اوباما في أن تقود هجوما امريكيا على مواقع النووي أو ان تسمح ضمنيا بهجوم اسرائيلي. فمعالجة مسألة النووي دخلت الان مسارا معظمه معروف مسبقا: عدة جولات من المباحثات بين اسرائيل والقوى العظمى الستة التي في نهايتها يحتمل أن يتحقق حل وسط مقبول على الطرفين (ولكن ليس بالضرورة على اسرائيل). اما امكانية الهجوم العسكري فلن تبحث مجددا الا في حالة ان تبوء الاتصالات الدبلوماسية بالفشل وفي كل الاحوال لن تكون على جدول الاعمال الا ابتداء من ربيع 2014 فصاعدا. ما يسعى نتنياهو الى تحقيقه الان هو هدف آخر: منع انزلاق امريكي سريع في ما يراه كمنحدر سلس. فرئيس الوزراء يسعى الى صد تآكل في المطالب التي طرحتها القوى العظمى على ايران – والتي كانت اسرائيل تفضل منذ البداية أن تكون أكثر تشددا – وليس أقل من ذلك لاحباط التسهيل من عبء العقوبات على طهران قبل أن تتبلور صفقة نهائية.

 

          لقد أدت العقوبات منذ الان الى انخفاض قيمة العملة الايرانية، الريال، بمعدل 75 في المائة بالنسبة للدولار وألحقت ضررا هائلا بالاقتصاد هناك. روحاني معني بان يحقق تسهيلات منذ بداية المحادثات، كخطوة لبناء الثقة. فقد فرضت على ايران جملة من العقوبات في السنوات الاخيرة – من الرئيس الامريكي، من جانب الكونغرس الامريكي، مجلس الامن في الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي. واوباما مخول بان يخفف فقط من العقوبات التي قادها هو نفسه. اما العقوبات التي أحدثت التغيير في موقف ايران فهي تلك التي فرضها الكونغرس أولا وقبل كل شيء، بتشريع اقترحه السناتور الجمهوري مارك كيرك وزميله الديمقراطي روبرت مننداز في 2011. القانون، الذي عارضته في البداية ادارة اوباما، فرض على ايران قطيعة شبه كاملة عن منظومة البنوك العالمية والزمها بالاعتماد على صفقات نفط في تجارة تبادل بدلا من الدفع النقدي.

 

          وكان لهذا النشاط الهام شريكا هو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب. كبار رجالات اللجنة إد رويس وايليوت انجل، يتحدثان الان بالذات عن الحاجة الى تشديد العقوبات، لغرض تشديد الضغط على ايران. وباختصار هذه هي المعركة الجارية الان: اذا كان روحاني جاء الى نيويورك كي يفتح الصنبور، فان نتنياهو يسعى الى تحقيق نتيجة معاكسة – شده لدورة واحدة اخرى، الى أن تكسر ايران بالفعل تحت الضغط وتوافق على صفقة تكون مقبولة على اسرائيل أيضا. في اوساط الجمهور التقليدي لمؤيدي اسرائيل من الحزبين في تلة الكابيتول، يوجد لنتنياهو تأييد كبير. والسؤال هو اذا كان سيكون هذا كافيا هذه المرة.

 

          في هذه الاثناء، يبدو روحاني كمن يده هي العليا في الساحة الدولية. فالخط الذي عرضه هذا الاسبوع في الجمعية العمومية للامم المتحدة انتزع تنفسا للصعداء شبه جماعي في واشنطن، من مؤيدي الانعزالية في اليمين المتطرف وحتى الليبراليين الذين شبعوا حروبا من جناح اوباما. فلعله، كما يأملون، نهض أخيرا في ايران رئيس سوي العقل يتمكن في ظل غض النظر من جانب الزعيم الاعلى المتصلب علي خمينئي، من اعفاء امريكا من حرب ثالثة في الشرق الاوسط.

 

          ولكن روحاني، الذي حذر من "الخوف من ايران" في الغرب، لا يسير حتى النهاية: فهو ليس فقط امتنع عن مصالحة اوباما أو اللقاء به، بل حتى لم يكن حاضرا في القاعة عند القاء الرئيس الامريكي لخطابه.

 

المركز المقدسي للشؤون العامة والسياسية، برئاسة دوري غولد، كشف النقاب قبل بضعة ايام عن اعلانات رُفعت في المسيرة العسكرية الكبرى في طهران وشارك فيها روحاني في بداية الاسبوع. فالى جانب الشاحنات التي حملت صواريخ شهاب 3 وعليها شعارات لابادة اسرائيل ظهرت هناك أيضا الاعلانات التقليدية التي كتب فيها "الموت لامريكا".

 

وحتى الخطوات التي اتخذها روحاني لا تمر له بسهولة في الداخل. ففي منتصف الشهر  خطب خمينئي وروحاني في مؤتمر قادة الحرس الثوري والزعيم الاعلى تحدث حتى عن الحاجة الى اظهار "المرونة البطولية" من أجل المصالح الايرانية. ولم يستطب قادة الحرس الخطابات وبالاساس الادعاء بان على الحرس الثوري ان يركز على دوره في قيادة الدولة بدلا من الانشغال في تحديد السياسة الاستراتيجية.

 

وحسب بعض وسائل الاعلام الايرانية، يجري في طهران جدال عاصف حول مدى قدرة المساومة مع الغرب. ونقل في مقابلة مع شبكة "سي.ان.ان" مع الرئيس روحاني كمن يندد بجرائم النازيين ضد اليهود ويعترف بوجود الكارثة، خلافا للنهج الهاذي لسلفه. وسارعت وكالة "فارس للانباء" الايرانية المقربة من الحرس الى اصدار نفي والادعاء بان الشبكة الامريكية زيفت الترجمة.

 

في اثناء زيارته الى نيويورك التقى روحاني في وجبة فطور مع بعض كُتّاب الرأي الامريكيين، العادة التي بدأها احمدي نجاد في زياراته السنوية الى الجمعية العمومية. ويدعي فريد زكريا من "واشنطن بوست" بان أجواء اللقاء تحسنت جدا مقارنة بالمحادثات الشوهاء مع احمدي نجاد. وقد أخذ الانطباع بان روحاني برغماتي ومعني بحل أزمة النووي بسرعة. ولكن زكريا يعتقد ايضا بان اوباما وروحاني من حقهما أن يسألا نفسيهما ذات السؤال الواحد تجاه الاخر: هل هو قادر على توفير البضاعة؟

 

في القدس سينتظرون بصبر

 

ان احباط المشروع النووي الايراني يبق الموضوع رقم 1 على جدول أعمال رئيس الوزراء، في نيويورك مثلما في القدس. وفي هذا السياق، شبه نتنياهو نفسه غير مرة بونستون تشرتشل، الذي شخص شدة خطر النازية  في الوقت الذي ساد فيه في لندن، وفي الاسرة الدولة باسرها جو متصالح تجاه المانيا. فهل يرى نتنياهو اوباما كنويل تشمبرلين جديد؟ قراءة في أعداد "اسرائيل اليوم" في الشهر الاخير، على خلفية ترددات اوباما في قضية السلاح الكيميائي في سوريا أظهرت غير مرة تلميحات بالتشبيه التاريخي.

 

ولكن خطاب الرئيس اوباما في الامم المتحدة هذا الاسبوع بعيد عن أن يكون متصالحا. بل العكس، مثلما كتب حيمي  شليف، فان الرئيس عرض لاول مرة منذ سنين عقيدة امريكية متبلورة بالنسبة للشرق الاوسط، تتضمن ايضا استعدادا لاستخدام القوة العسكرية من أجل منع تسلح الدول بسلاح نووي (الجانب الاقل تحببا، من ناحية نتنياهو، يكمن في أن اوباما خلق رابطا معينا بين معالجة التهديد الايراني والتوقع الصريح بالتقدم في القناة السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين).

 

ستكون ادارة اوباما مطالبة في الاشهر القادمة ليس فقط لان تدير على نار هادئة، بل ان تحاول الحل المتوازي لازمتين مستمرتين: السلاح الكيميائي في سوريا والنووي في ايران. وسلوكها سيفحص في هاتين الجبهتين وسيكون منوطا بقدر كبير بمدى التنسيق الذي يتوصل اليه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.

 

حاليا، وان كان لدي اسرائيل انتقاد شديد على التذبذب الرئاسي حول سوريا والخوف الشديد من سياسة اوباما في ايران، فانها ستكون مطالبة بان تنتظر النتائج بصبر – وهذه ستحسم اساسا في واشنطن وفي موسكو وبقدر اقل في القدس.