خبر : حكومة الحمد الله الثانية ...بقلم: هاني المصري

الثلاثاء 24 سبتمبر 2013 09:02 ص / بتوقيت القدس +2GMT
حكومة الحمد الله الثانية ...بقلم: هاني المصري



بعد استنزاف المدّة الكاملة التي يحددها القانون لرئيس الحكومة المكلّف، وهي خمسة أسابيع، وبعد الترويج بأن الحكومة الجديدة لن تضم وزراء جدداً كثيرين، وأن الوزراء القدامى في معظمهم سيحتفظون بحقائبهم الوزاريّة، وبعد لقاء جمع الرئيس ورئيس حكومته المكلف لم يتوصلا فيه إلى اتفاق حول التعديلات المطروحة التي كانت حيويّة لقيام الحكومة ببرنامجها وتتناسب مع رئيسها الذي فُرضت عليه الحكومة الأولى، فوجئ الجميع بأن الوزارة استمرت كما هي من دون أي تغيير.
لم يكلف رئيس الحكومة نفسه تقديم أي تفسير بالرغم من أنه استقال بعد أسبوعين من تشكيل الحكومة، لأسباب تتعلق بترؤسه حكومة لم يشكلها، واصطدم بنائبين له لم يخترهما، وهما معروفان بأنهما مقرّبان جدًا من الرئيس، بل ومن أقرب رجاله، هذا مع أن تعيين نائبين لرئيس الحكومة من دون حقائب وزاريّة مخالف للقانون الذي ينص على أن «من حق رئيس الحكومة وليس الرئيس أن يختار نائبًا له شرط أن تكون له حقيبة وزاريّة».
هناك ثلاثة احتمالات لتفسير ما حدث باستمرار الحكومة الجديدة بتشكيلتها القديمة:
إما أنّ الحمد الله كان مخطئاً باستقالته الأولى، واعترف بخطئه واعتذر عنه كما نشر منذ أسابيع عدة بعض وسائل الإعلام، ونفاه في حينه رئيس الحكومة.
أو أن الرئيس - كما صرح الناطق باسم الحكومة - منح رئيس حكومته صلاحيات كاملة، وهذا غير محتمل، لأن الحكومة استمرت على حالها وبقي النائبان من دون حقائب، ولأن من المفترض أن الرئيس لا يمنح رئيس حكومته صلاحياته، لأن هذه الصلاحيات منصوص عليها في القانون الأساسي وعلى الجميع الالتزام بها.
أو أن رئيس الحكومة أدرك أن النظام السياسي عاد إلى سيرته الأولى ليكون «نظامًا رئاسيًّا»، مثلما كان قبل استحداث منصب رئيس الحكومة لسحب الصلاحيات من يدي الرئيس الراحل ياسر عرفات، بعد أن أصبح بقدرة قادر من «صانع السلام» والحاصل على جائزة «نوبل» للسلام إلى «عقبة» يجب تجاوزها، وإذا لم يكن هذا ممكناً، فتجب إزالتها كما حصل فعلًا باغتياله بالسم من قبل إسرائيل، التي قررت حكومتها بقرار معلن - مثل قصة «موت معلن» لماركيز - إزالة عرفات.
وبما أن الحاجة إلى تغيير النظام السياسي بنظام مختلط (رئاسي برلماني) قد انتفت، وانتفت معها الحاجة إلى رئيس حكومة بصلاحيات بعد اغتيال عرفات، وبما أن المجلس الرئاسي قد تعطل جراء الانقسام وأن كل السلطات باتت بيد الرئيس، فلا داعي لرئيس حكومة لديه صلاحيات حقيقيّة ينازع الرئيس المنتخب، ولو أن فترة رئاستة قد انتهت منذ أكثر من أربع سنوات.
إن الاحتمال الثالث هو المرجح لتفسير ما حدث، فما حصل طبيعي جدًا في هذا الوضع الذي لا يوجد فيه أي شيء طبيعي ولا قانوني، فرئيس الحكومة مكلف من الرئيس وليس لديه ما يخشاه أو من يسائله أو يحاسبه سوى الرئيس الذي وحده يعينه، ويستطيع أن يقيله متى شاء. وبذلك، أصبح رئيس الحكومة موظفًا بدرجة «رئيس وزراء».
إذا كان ما حصل بمثابة انعكاس لهذا الأمر الواقع، فيلزم أن يصار إلى تعديل القانون الأساسي لا تجاوزه من دون حتى مجرد تنويه، فالمجلس التشريعي معطل والكتل البرلمانيّة في الضفة يجري تجاوزها، ولا تلعب حتى دورًا استشاريًّا. أمّا اللجنة المركزيّة لـ«فتح»، فليس من صلاحياتها تشكيل حكومات أو محاسبتها، فلديها ما يشغلها وأهم من الحكومة بكثير، فهي منذ زمن بعيد كفت عن التدخل بمثل هذه القضايا «الصغيرة»، وركّزت اهتمامها على القضايا «الكبرى»، مثل الرد على اتهامات إبراهيم حمامي للرئيس الراحل بالخيانة، وكأن حمامي هذا هو الذي يوزع «صكوك الوطنيّة والخيانة»!
وأما اللجنة التنفيذيّة «لمنظمة التحرير»، فلم تنشغل بتشكيل الحكومات منذ البداية، بالرغم من أن السلطة أداة من أدوات المنظمة، التي رضيت بنصيبها بعد أن أصبحت ميزانيتها بندًا صغيرًا ضمن موازنة السلطة، وإذا تصرفت كمرجعيّة عليا تحرم من الموازنة. كما أن اللجنة التنفيذيّة مشغولة منذ حوالي شهرين بمعالجة مسألة استئناف المفاوضات من دون قرار منها بوصفها المؤسسة صاحبة الصلاحيات.
ليس مهمًا كل ما سبق، لأن حكومة الحمد الله الثانية مُنِحت فرصة حتى نهاية هذا العام، وإذا احتاجت مثل سابقاتها إلى فترة إضافيّة يمكن أن تأخذ ما تحتاجه.
لا أعرف إذا كان في مصلحة حكومة الحمد الله أم ضدها أن لا أحد اكترث لها، لدرجة أن فترة التكليف التي من المفترض أن يتم فيها التشاور مع الكتل النيابيّة والفصائل والأحزاب والشخصيات والعائلات والعشائر لم تشهد أي تشاور، إلا إذا كان التشاور سريًّا خلافًا لما يجري في كل العالم، وخلافًا لما كان يجري عندنا أسوة على ما يبدو بالمفاوضات، فإذا كانت المفاوضات التي تمس حاضر ومستقبل كل فلسطيني سريّة، فلماذا لا تكون المشاورات لتشكيل الحكومة سريّة أيضًا؟
الغريب أنّ المستوزرين ومن يقف وراءهم لم يتحركوا ويضغطوا ويحركوا جماعاتهم. فعلى ما يبدو أن ما يجري في مصر وسوريا والمنطقة، وما يمكن أن تشهده من تطورات مستقبلية، وما تتعرض له القدس والأقصى تمهيدًا لتقسيمه، ومن ثم هدمه وبناء الهيكل المزعوم بدلاً منه، وكذلك ما يجري في عموم الأراضي المحتلة من عدوان وتهويد وتمييز عنصري؛ جعل الحكومة تأخذ حجمها الحقيقي الصغير، خصوصًا بعد أن صغّرت دورها وفصّلته على مقاس المسارات الثلاثة: السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة، التي فصّلها كيري بمساعدة توني بلير ونتنياهو.
يدرك الجميع أن هذه المسارات، في الحقيقة، لن تكون سوى مسار أمني مقابل رشوة اقتصاديّة ومن دون مسار سياسي سوى المسار الذي يتناسب مع القبول باستئناف المفاوضات من دون أسس ولا مرجعيّة ولا ضمانات وبلا أوراق قوة، وفي ظل استمرار القناعة بأن 99 في المئة من أوراق الحل بأيدي الولايات المتحدة الأميركيّة رغم أن هذه «الإمبراطوريّة» بدأت بالانحسار. وقبل ذلك، عندما كانت في ذروة قوتها، كانت تؤيد إسرائيل تأييدًا أعمى، فكيف ستكون الآن بعد أن زادت قيمة إسرائيل للولايات المتحدة الأميركيّة عقب عواصف التغيير في المنطقة، التي أثبتت أن إسرائيل هي الحليف الدائم والمستقر والمضمون، أما الحلفاء الآخرون فكلهم على «كف عفريت».
بعد عشرين عامًا على «أوسلو» الذي أوصلنا إلى كارثة، وليس إلى إنهاء الاحتلال وإقامة دولة عاصمتها القدس على حدود 1967، ولا إلى حل عادل لقضيّة اللاجئين، وإثر حصولنا على الدولة «المراقبة»، وفي ظل تجاوز إسرائيل للالتزامات المترتبة عليها بموجب اتفاق أوسلو مقابل إبقائها على الالتزامات الفلسطينيّة، لا مناص من بلورة مسار جديد بعيدًا عن المفاوضات الثنائيّة برعاية أميركيّة انفراديّة، وعن التزامات أوسلو، وعن دوامة تشكيل الحكومات والتنافس عليها، وهي لا تملك من أمرها شيئًا سوى إدارة شؤون حياة جزء من الفلسطينيين تحت الاحتلال.