يقال إن ثقافة الأرشفة وتوثيق الحوادث ضعيفة لدى الإنسان العربي قياساً بالإنسان الغربي، والأرشفة والتوثيق لدى عموم العراقيين هما الذاكرة والمرويات الشفاهية، وخوفاً من ضياعهما سعت مجموعة من الفنانين الفوتوغرافيين بمبادرة شخصية لتوثيق الأماكن التي تستحق والتي يزحف عليها الزمن رويداً رويداً ليسلمها إلى النسيان.

قصور تراثية وبيوت شخصيات من العهد الملكي، هي مشاهد لمكونات تعايشت سلمياً في عاصمة الرشيد (معابد يهودية، مزارات صابئة، كنائس، مقابر أتراك وانجليز) وحرف شعبية آيلة للانقراض.

وعلى الرغم من المخاطر التي تحيط بكل من يحمل كاميرا فإنهم يغافلون المفخخات والأحزمة الناسفة ويؤرشفون "يوميات بغداد" المعلن منها والمخفي.

يقول الفنان والباحث كفاح الأمين: "ابتدأت فكرة المشروع بعد عودتي من الخارج في2004 حيث وجدت أن أغلب الأماكن التي أعرفها قد دمرت، ومن هنا بدأت فكرة البحث عن ذاكرتي واستعادة بغداد أيضاً باعتبارها حكاية الكون على المستوى الرمزي، لأنها وبتاريخها الممتد لما يقرب من 1300 عام لم تعد عاصمة بقدر ما ارتبطت لدى العالم بحكايات ألف ليلة وليلة والسندباد البحري ومصباح علاء الدين".

ويضيف الأمين الذي يشرف على المشروع لـ"العربية.نت": "لم نكتف بالأرشفة الفوتوغرافية وإنما أرفقناها باستمارة استبيان يجيب عنها الشيوخ ممن تجاوزت أعمارهم الـ70عاماً، عن حياة البغداديين وعاداتهم وحرفهم القديمة لتحويل الشفاهي إلى تاريخ مكتوب".

الصورة بوصفها وثيقة

الباحث والمصور الفوتوغرافي فؤاد شاكر، وهو أحد فرسان المشروع، قال لـ"العربية.نت": "مع تراكم ما صورناه تحوّل المسعى من أرشفة إلى وثيقة حياتية ستكون دليلاً منظوراً للباحثين وللمراكز الوطنية والمؤسسات الحكومية، لعله يحرّك الجهات المسؤولة للإسراع بالحفاظ على إرث بغداد وتراثها الثري".

من جهته، بين هادي النجار، رئيس الجمعية العراقية للتصوير وعضو الفريق: "أجرينا مسحاً ميدانياً لمناطق الكرخ والرصافة، ورصدنا انعكاس الحصار والحروب على روح بغداد، ومن المعروف أن الناس وبعد حوادث الإرهاب تفشى فيهم هاجس الخوف من أي غريب، لكنهم فتحوا لنا بيوتهم وألبومات صورهم ومستمسكاتهم القديمة ووثائقهم الشخصية فصوّرناها باعتبارها وثائق اجتماعية".

وأضاف لـ"العربية.نت": "وصلنا إلى كل زاوية وزقاق، وكانت لنا اكتشافات مبهرة عسى أن تهتم بها وبمشروعنا المؤسسات الرسمية، فالأرشيف سيساعد الأجيال القادمة على تعلّم دروس الماضي، وعلى عدم تكرار الأخطاء التي تسبب الدمار والحروب".