خبر : حماية الشعب السوري أولاً ...مهند عبد الحميد

الثلاثاء 27 أغسطس 2013 09:36 ص / بتوقيت القدس +2GMT



جريمة موت مئات السوريين بالسلاح الكيماوي في الغوطتين ـ 67% من الضحايا أطفال ونساء ـ أعاد طرح محنة الشعب السوري على الاجندة الدولية، أعاد طرح موت 115 الفا بالاسلحة التقليدية بما في ذلك اسلحة الدمار الشامل. موت الاطفال والنساء والمدنيين الابرياء بالغاز السام، تسبب في اعتراض "العالم الحر" على هذا النوع من الموت فقط. والاعتراض هنا جاء الموقف ملتبسا ومتفاوتا بين رفع عتب وتردد وبين دعوات العقاب التي ستخضع بدورها لمساومات ومقايضة لا ترقى الى تأمين حماية المدنيين. الاعتراض أوضح وبما لا يدع مجالا للشك، إجازة الدول الكبرى لاستخدام كل انواع الاسلحة الاخرى ضد المدنيين السوريين، وإجازة ارتكاب النظام وفروع تنظيم القاعدة "النصرة" وتنظيم "دولة العراق والشام" كل انواع المجازر والدمار والموت بحق الابرياء لطالما التزموا بالخط الاحمر وهو عدم استخدام السلاح الكيماوي. خط أحمر وحيد وضعه الرئيس اوباما "والتزم" به الحلفاء هو حظر استخدام السلاح الكيماوي. هذا يفسر الصمت المريب الذي ساد طوال عامين ونصف العام من الحرب التي حولت حياة الشعب السوري الى جحيم لا يطاق. الخط الاحمر وفقا للقانون الدولي هو عدم المس بالمدنيين والابرياء اثناء الحروب باحترام حقهم بالحياة، وعدم استهدافهم بالاسلحة التدميرية وعدم ممارسة العقوبات الجماعية بحقهم كالتجويع والتشريد وتدمير المنازل والمدارس والمستشفيات واماكن العبادة وعدم قصف أفران الخبز الكتظة بالمواطنين.

الخط الاحمر "الاميركي - المدعوم من العالم الحر " أغفل كل المحظورات المنصوص عليها في الاتفاقات والمواثيق الدولية والقانون الدولي. فحظر سلاحا واحداً لا غير هو السلاح الكيماوي، وكان يمكن غض النظر عن هذا الحظر أيضا لولا مشاهد الاطفال الضحايا التي هزت وصدمت كل الذين يحترمون حقوق الانسان على وجه الارض، وكانت بمثابة فضيحة وإدانة لأصحاب الخطوط الحمر . بل لقد غضت دول "العالم الحر " النظر عن استخدام الغاز المميت بمستوى محدود وضد اهداف مختارة 13 مرة بحسب صحيفة "الفيغارو " الفرنسية. وقد تكون نوعية الضحايا وعددهم هو الذي يَسَّرَ عملية غض النظر. كما أن خشية الادارة الاميركية من استخدام هذا السلاح ضد حليفتها فوق العادة "اسرائيل" هي الدافع الكامن وراء إثارة السلاح الكيماوي، ومحاولة السيطرة عليه وضبطه من جديد. لقد عودنا القابضون على القرار الدولي على سياسة ربط الرد على تجاوزات وانتهاكات الانظمة المعارضة بالمصالح الحيوية لهؤلاء. مثلا، تغاضى الغرب عن مجزرة حلبجة الكيماوية التي نفذها صدام حسين ضد الاكراد عام 88 رغم وجود دلائل قاطعة، التغاضي جاء لان النظام العراقي كان حليفا للغرب في ذلك الوقت. والغرب نفسه افتعل امتلاك العراق اسلحة دمار شامل بعد ان قامت لجان التفتيش بتدمير كل السلاح العراقي الاستراتيجي ولم يجد فريق التفتيش اي اثر لتلك الاسلحة ورغم ذلك قامت الولايات المتحدة باحتلال العراق وكان الهدف غير المعلن السيطرة على النفط ونهب العراق.
في سورية لا توجد مصالح للغرب تقتضي التدخل، وبفعل ذلك فإن انتهاكات النظام لكل القوانين وذهابه في تدمير وقتل شعبه الى ابعد مدى لا تعني شيء. فقد تعايش الغرب مع موت اكثر من 100 الف سوري وجرح اضعاف هذا العدد، وتشريد اكثر من 5 ملايين سوري وتدمير اكثر من 80% من المدن والبلدات واعتقال حوالي ربع مليون، واغتصاب آلاف النساء. تعايش الغرب مع وجود تنظيم القاعدة وفروعه المختلفة الذي عاث قتلا وإجراما بالسوريين، محاولا فرض سلطة تكفيرية ظلامية على مناطق سيطرته. ودعم الغرب صعود الاسلام السياسي بوجهه الطائفي القبيح باعتباره الوريث المفضل للنظام بعد سقوطه. وهذا يعني دعم الثورة المضادة بإغداق البترو دولار والغاز دولار ، ودعم كل ما من شأنه إضعاف الثورة الوطنية الديمقراطية السلمية ودفعها الى هامش التغيير في سورية.
منذ اندلاع الثورة السورية وحتى اليوم كان المطلوب إلزام النظام بعدم استخدام ترسانة النظام العسكرية ضد المدنيين وتأمين الحماية لهم وعدم تعرضهم للمجازر والقتل والتدمير. ومنع تدفق القوى الظلامية الدموية التكفيرية الى الاراضي السورية. وسحب قوات حزب الله والحرس الثوري الايراني والفيلق العراقي الطائفي وتمكين الشعب من تقرير مستقبله ونظام حكمه بحرية ومن غير تدخل هذا المطلب حق طبيعي لأي شعب يتعرض للموت والتشريد، حق طبيعي للشعب السوري الذي ذاق الأمرين وتعرض لاستباحة شاملة من النظام ولاشكال بشعة من التدخل الخارجي. إن تأمين الحماية للشعب السوري لا يعني فرض وصاية عليه منهذه الدولة او تلك ولا يعني إخضاعه لهيمنة الناتو النيو كولونيالية . الحماية المطلوبة هي عبر الامم المتحدة وقوات محايدة يثق بها الشعب السوري كالقوات الموجودة في جنوب لبنان حاليا والموجودة ضمن قوات الفصل على جبهة الجولان. ما ينشده الشعب السوري هو وقف حرب النظام الدموية ووقف التدخلات الخارجية.
غير ان الامور لا تسير في هذا الاتجاه، فثمة نوايا لتوجيه ضربات عسكرية للنظام هدفها إعادة الهيبة لقوة الردع الامريكية ومعها الناتو. وضمان انضباط النظام لارادة الغرب وبخاصة في ما يتعلق بالسلاح الكيماوي ومنع استخدامه او تسريبه لقوى قد تستخدمه ضد اسرائيل، وضبط التحولات الرجعية داخل سورية بما لا يتناقض مع مصالحه. لا يوجد على اجندة الناتو بند اسمه تأمين الحماية والامن للشعب الذي انهكته الحرب، ولا يوجد هدف محدد بوقف الحرب والمجازر والتشريد والتدمير ومنع القتلة (النظام والقاعدة) من مواصلة جرائمهم.
لقد ترك الشعب السوري يواجه مصيره وحيدا، تحت رحمة النظام الدموي، وعصابات القتلة القروسطية، وتحت رحمة التدخلات الخارجية بمختلف أشكالها. ان التدخل الوحيد المطلوب هو تدخل الشعوب وقوى الثورة الحقيقية (وليس الثورات المضادة التي يتزعمها الاسلام السياسي ). وبالقدر الذي يتعاظم فيه دعم الشعب السوري والدفاع عن ثورته ومطالبه المشروعة، بالقدر الذي يمكن معه الدفع نحو التدخل السلمي الفاعل للامم المتحدة لتأمين الحماية له وتمكينه من تقرير مصيره بحرية.

Mohanned_t@yahoo.com