خبر : بين تفاوض وافراج عن القتلة/ بقلم: شلومو تسيزنا/ اسرائيل اليوم 26/7/2013

الأحد 28 يوليو 2013 07:07 م / بتوقيت القدس +2GMT



ذات مرة حينما كان الوزير عمير بيرتس ولدا صغيرا كانت أمه روحمه معتادة ان تشتري من سوق مدينة غزة. وفي أحد ايام الصيف، بدل ان تعود مع السلال يتذكر أنها عادت الى سدروت في شاحنة محملة بصفائح حجرية مصورة. وفي اسبوع واحد تم تصفيح البيت كله من جديد. وبعد عدة سنوات توفيت أمه وسافر لزيارة المدينة التي ولد فيها في المغرب والتي هاجر منها في عمر الخامسة. ووصل الى بيت والديه وقرع الجرس وحينما فُتح الباب أدهشه ان تبين له ان ارضية البيت مغطاة بصفائح حجرية مصورة كتلك التي جاءت بها أمه من غزة.

هل نعود لنشتري من أسواق غزة أم تظل بمنزلة ذكرى طفولة لأبناء الجيل القديم؟ يسأل هذا الاسبوع مبتسما لكن عينيه تُظهران انه حتى هو الظهير الأيسر في حكومة اسرائيل، يعلم أنه لن يكون هنا سلام. سيكون في الحد الاقصى "اتفاق طلاق محترم"، كما يطلب الوزير يئير لبيد.

ويسأل بيرتس هل تكون الدولة الفلسطينية التي ستنشأ في نهاية المسيرة في يهودا والسامرة فقط أم تشمل دولة حماس في قطاع غزة ايضا؟ وهل لحكومة اسرائيل موقف من هذا الشأن؟ إن هذا السؤال الصعب هو واحد من طائفة من الاسئلة الجوهرية التي سيتم التباحث فيها في خلال التفاوض في واشنطن بين اسرائيل والفلسطينيين، ويجب ان يحصل قبل كل شيء على حسم القادة وعلى حسم الشعب بعد ذلك باستفتاء الشعب الذي سيتم في نهاية المسيرة التي ستقودها رئيسة حزبه، الوزيرة تسيبي لفني.

يؤمن بيرتس بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "انتقل من مرحلة كان فيها معنيا بادارة الصراع الى وضع أصبح معنيا فيه بحله". ويشارك في هذا الاستنتاج عدد آخر من الوزراء الكبار وفي مقدمتهم الوزير يعقوب بيري من حزب "يوجد مستقبل".

وحاول نتنياهو من جهته في هذا الاسبوع في مركز تراث بيغن في القدس احتفاءً بمرور 100 سنة على ولادة زعيم الليكود ورئيس الوزراء الاسطوري مناحيم بيغن، أن يقنع بصدق نيته. وبيّن نتنياهو قائلا: التحدي الذي يحثني مزدوج وهو ان أمنع نشوء دولة ثنائية القومية بين الاردن والبحر، وان أمنع نشوء دولة ارهاب ايرانية بين الاردن والبحر. وتحدث عن التنازلات التي سيضطر الفلسطينيون الى القيام بها وذلك بعد ذلك ان الطرف الرافض على الدوام هو الطرف الفلسطيني، الى اليوم.

تسوية دائمة لا مرحلية

إن الموضوع المركزي في التفاوض هو موضوع الحدود وهنا سيتحدد عمق تنازل أبو مازن، وموقف اسرائيل واضح وهو أنه لا عودة الى خطوط 1967، وينبغي الحفاظ على الكتل الاستيطانية وعلى القدس وعلى مناطق منزوعة السلاح للحفاظ على الأمن. وقد حصل أبو مازن في واقع الامر قبل ذلك باتصالات سابقة مع اولمرت وباراك على كل الاراضي بحسب خطوط 1967 مع تبادل اراض بنسبة 2 في المائة تقريبا. لكن نقطة بدء نتنياهو مختلفة تماما ولهذا فان التوقع هو ان يتنازل أبو مازن.

من الواضح للجميع انه سيكون في كل تسوية اخلاء لمستوطنات؛ وهاتان هما كلمتا "قرارات مؤلمة" اللتان استعملها هذا الاسبوع جون كيري ورئيس الوزراء وعدد من وزرائه ايضا. والاسئلة الرئيسة هي كم ألفا من السكان سيضطرون الى الجلاء ومتى سيتم الاخلاء".

يتوقع ان يبدأ التفاوض هذا الاسبوع في واشنطن. وسيجلس الفريقان – الوزيرة لفني ومبعوث رئيس الوزراء المحامي اسحق مولخو مع رئيس الفريق الفلسطيني صائب عريقات، ويُبين كل طرف مطالبه. وسيضطر الطرف الامريكي بعد ذلك الى رؤية كيف يضعون الاقتراحات بعضها على بعض بحيث تترتب. وفي النهاية حينما تبقى الفروق ستأتي اقتراحات تنازلات متبادلة. إن القضية الجوهرية التي يتوقع عدم الاتفاق عليها ولا يوجد كما يبدو اليوم طرف مستعد للتنازل فيها هي مسألة القدس.

التقى أبو مازن كيري وبينهما صورة المسجد الاقصى في جبل الهيكل. إن نتنياهو هو الذي سك عبارة "صخرة وجودنا" بشأن ذلك المكان. فماذا سيحدث حينما لا يُحرز اتفاق بشأن القدس؟ إن أحد التقديرات هو ان يتم احراز تسوية مرحلية.

اذا حدث اتفاق على الحدود وعلى الترتيبات الامنية وعلى الموضوعات الاقتصادية والحركة. وغير ذلك، لكن لم يُحرز اتفاق بشأن القدس واللاجئين، فسيكون من الممكن إتمام اتفاق جزئي. "لكن لا"، كما يُبينون حول نتنياهو. فقد كرر رئيس الوزراء قوله في احاديث مغلقة إن هدف التفاوض هو اتفاق دائم. وهذا ثابت ايضا في اعلان كيري. ويعلم نتنياهو انه يوجد ثمن باهظ للاتفاق، لكن لن يكون ثمنا عادلا اذا لم تكن تسوية نهائية يمكن ان يُقال بعدها "نهاية الصراع وإنهاء المطالب". حينما لا تُحصر العناية فقط في الطرف الاسرائيلي. فسيكون الكثير معلقا بقدرة الوسيط الامريكي، فاذا استطاع ان يمنح الجميع الشعور بأنهم حصلوا على أكثر مما حصلوا عليه وبأنهم الرابحون.

"أريد قرارا تاريخيا"

"من الواضح ان نتنياهو يريد انهاء الصراع الاسرائيلي الفلسطيني"، قال هذا الاسبوع أحد وزراء الليكود فضل ألا يُذكر اسمه، "خلص نتنياهو الى استنتاج انه يريد ان يترك وراءه قرارا تاريخيا يفضي الى تغيير الواضع لا الى تحسين الواقع كما فعل مثلا بانشاء الجدار على الحدود المصرية. ولن يُرفض أي اتفاق منطقي يأتي به نتنياهو من الحكومة والكنيست والشعب. والسؤال الوحيد هو ما هو الثمن المستعد نتنياهو لدفعه عن الاتفاق. يريد الفلسطينيون 100 في المائة، ونتنياهو مستعد ليدفع 60 في المائة من الثمن فقط".

ويوافق يوسي بيلين ايضا وهو من مهندسي اتفاق اوسلو على هذا التوجه. في حفل التوقيع على كتاب رون بونداك "قناة سرية" اجتمعت قيادة اليسار في اسرائيل في قاعة واحدة، في قاعة متحف تل ابيب. وقال بيلين انه يرى ان "نتنياهو يريد سلاما حقا، لكنه غير مستعد لدفع ثمن السلام".

وفي مقابل ذلك، والآن خاصة، في وقت تزيد فيه ايران تدخلها في سوريا ولبنان، هناك من يقولون ان هذا ليس وقت إدخال دولة اخرى غير مستقرة الى المنطقة. فالوزير عوزي لنداو مثلا من اسرائيل بيتنا على يقين من انه يجب الانتظار بضع سنين. ورب عمل لنداو، افيغدور ليبرمان، محرر من قيود الحكومة لأنه ليس وزيرا الى أن تتضح أموره. وقد التقى باعتباره رئيس لجنة الخارجية والامن في هذا الاسبوع رئيس لجنة الخارجية في البرلمان الاوروبي، إلمار بروك. وبعد ان بين ليبرمان ان بروك هو "من الأخيار"، وصديق لاسرائيل أطلق سهام نظريته. "إن سلوككم أيها الاوروبيون ينبع من عدم فهم أساسي، بل ربما ينبع من نوع من الوسواس المعادي لاسرائيل.

"يستعمل الاتحاد ضغطا على اسرائيل فقط ويتجاهل حقيقة انه في الوقت الذي كانت تتولى مقاليد الحكم فيه في اسرائيل الحكومات الأكثر "حمائمية" والتي كانت مستعدة لخطوات بعيدة المدى للتوصل الى السلام، رفض الفلسطينيون ذلك. لو أنني اليوم وزير الخارجية لأمرت فورا بوقف كل تباحث مع الاتحاد الاوروبي يتعلق بالتفاوض. إن اعتقاد انه يمكن اليوم احراز اتفاق شامل بازاء ما يحدث في المنطقة يشبه اعتقاد انه يمكن وضع أسس وبناء مبنى جديد زمن زلزال"، قال ليبرمان، ومن المهم ان نسمع هذا الكلام لأن لليبرمان سيطرة على اصابع وزرائه.

مسألة السجناء

يتوقع ان تُجيز الحكومة يوم الاحد بدء التفاوض، وان تقرر ان يؤتى بكل اتفاق سياسي ليتم استفتاء الشعب فيه وان يفوض فريق وزراء خاص يوافق على الافراج عن الـ 85 مخربا من القتلة السجناء في اسرائيل من الفترة التي سبقت اوسلو. وسيتم الافراج عنهم فقط بعد اجتماع الجمعية العمومية للامم المتحدة وبعد ان يتبين ان أبو مازن لن يطلب هناك اعترافا لانشاء دولة فلسطينية.

يستطيع نتنياهو ان يعد أمام الوزراء في رضى الانجازات التي في العودة الى التفاوض والحديث هنا عن انجازاته الشخصية مع الامريكيين والاوروبيين واللجنة الرباعية. ويملك نتنياهو مستندات تُبين أنه أوفى بأهداف وقف الطوفان الذي كان بعد التفاوض الذي أجراه اولمرت.

تم الاتفاق على ان تجري المحادثات فترة طويلة. ولذلك أُفشل أبو مازن عن امكانية "الهرب" في المنتصف وان يجر اسرائيل الى لعبة اتهامات. لن يتجه الفلسطينيون الى الامم المتحدة ولن يقوموا باجراءات من طرف واحد. وتقرر الى ذلك انه لا يوجد تجميد للبناء. وهناك انجاز مهم آخر هو تأييد الجامعة العربية للاجراء، والدفع عن كل ذلك هو الافراج عن مخربين قتلة.

يزعم وزراء الحكومة ان الافراج لا يؤثر من جهة استراتيجية أو أمنية. فالمخربون الذين سيُفرج عنهم حُكم عليهم بعقوبات تزيد على سجن مؤبد واحد بسبب قتل. وعدد السجناء المرشحين للافراج عنهم 85. وهذا موضوع مؤلم لكنهم يأملون في ديوان رئيس الوزراء ان يمكن بواسطة علم الاحصاء تليين الرأي العام، فعلى حسب معطياتهم أفرجت اسرائيل في السنوات 1993 – 1999 عن 6912 مخربا؛ وأُفرج في السنوات 2003 – 2008 عن بضعة آلاف في عشر جولات في اطار "تفضلات".

اتصل بالوزراء هذا الاسبوع ممثلو عائلات ثكلى بمبادرة من منظمة "ألمغور". وطلبوا الى الوزراء ان يستقبلوهم للقاء يحاولون اقناعهم فيه بالقصص الشخصية بعدم تنفيذ الاجراء وعدم الافراج عن السجناء. وكان النموذج الذي كان أمام نواظرهم ذاك الذي استعمله والدا جلعاد شليط.

ولم يستصوب أحد من الوزراء الموافقة على لقائهم سوى وزيرين هما مئير كوهين وعوزي لنداو اللذان شجعاهم بذلك على ان "يصوتوا اعتراضا". وقال سائر الوزراء إنهم "يعرفون الموضوع". في أحاديث مع وزراء يؤكد الجميع انه لا توجد مشكلة استراتيجية في الافراج عن مخربين، لكنهم يفضلون تجاهل مسألة الافراج عنهم الاخلاقية والقيمية.

وهناك سؤال آخر يضايق الوزراء وهو هل يُطرد المخربون الذين سيفرج عنهم الى القطاع أم يُسرحون الى بيوتهم في يهودا والسامرة؟ أوتُسهم صور مخربين قتلة تم الافراج عنهم يحتفلون في ميدان في رام الله بمشاركة أبو مازن، في المفاوضات أم تضر بها؟ في الماضي حينما كان أبو مازن يشارك في احتفالات الافراج عن مخربين قتلة ويمدحهم باعتبارهم محاربي حرية، كان نتنياهو يرى خطر ذلك باعتباره خطوات تضر بالتفاوض. فهل يمكن ان تكون هذه المرة ضربة طفيفة فقط في جناح الطائرة.