خبر : الحكمة في استيعاب حكم التاريخ ...بقلم: طلال عوكل

الخميس 25 يوليو 2013 11:39 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الحكمة في استيعاب حكم التاريخ ...بقلم: طلال عوكل



يعجبني وأتبنى ما تضمنه مقال للدكتور أحمد يوسف، الحمساوي أصلاً وفرعاً، نشره مؤخراً يستعرض فيه بعجالة بعض تداعيات الحدث المصري الضخم، ويتمنى على إخوانه في الحركة أن يقرؤوا التجربة جيداً، وأن يتوجهوا نحو إنجاز المصالحة حتى لو اقتضى الأمر تقديم بعض التنازلات.

كما في مرات كثيرة، يدرك الدكتور أحمد، ارتدادات الزلزال المصري على حركة حماس وبالتالي على الوضع الفلسطيني، وهو من موقعه لا يملك سوى إبداء الرأي وإسداء النصح، كما نفعل حين نتعرض للحالة الفلسطينية بكل تعبيراتها.
المشكلة عند بعض القراء من الإخوة المناصرين أو المنضوين في إطار تيارات الإسلام السياسي، أنهم لا يقبلون النقد أو النصيحة، فلو كنت أنا من كتب مقال الدكتور أحمد يوسف، لجاءتني انتقادات كثيرة، وأغلبها سيتهمني بالانحياز واللاموضوعية، وربما الحقد والكراهية، وهذا ما حصل فعلاً بعد أن نشرت في "الأيام" مقالتين حول أوضاع مصر.
من حيث المبدأ فأنا لا أخفي انحيازي وانتمائي للتيار الوطني الديمقراطي التقدمي، لكني حين أكتب للرأي العام، لا أتعمد إقصاء أحد، ولا أبادر لاتهام أي طرف فلسطيني، وأتوخى دائماً أن أقدم فكرة أو اقتراحاً أو نصيحة، لكن كما جرت العادة، فإن القيادات السياسية لا تستمع إلا لصدى صوتها الداخلي.
ما جرى في مصر، حدث تاريخي عظيم بكل ما للكلمة من معنى، وأنصح الغيورين على الوطنية الفلسطينية مهما كانت انتماءاتهم الفكرية أو السياسية أو التنظيمية، أن لا يصرفوا الكثير من الوقت والنقاش في وصف ما جرى، إن كان ثورة شعبية أم انقلاباً، أم مؤامرة أو تطاولاً على الشرعية والدستور، فلقد فعلنا ذلك قبل أكثر من ست سنوات حين وقع الانقسام، لكن الحقيقة الراسخة التي تنبني عليها السياسة، هي أن الانقسام واقع قائم، وليس من السهل تجاوزه، أو إنكار فاعلية أطرافه، أو تجاهل أنها جزء أصيل من مكونات الوضع الفلسطيني.
إن الأهم من كل ذلك هو دراسة التجربة بعمق وبموضوعية، واستخراج الدروس التي يترتب الاستفادة منها حتى لا نقدم المزيد من الأثمان والخسائر التي يمكن تجنب تقديمها. يستدعي مثل هذا العمل الإنصات إلى ما يقوله الآخرون بما في ذلك المعارضون، مهما بلغت درجات الخلاف معهم تماماً، كما يقول الدكتور أحمد يوسف.
لقد فات وقت الندم على ما فات، لكن أبواب التاريخ لا تزال مفتوحة على مصراعيها، لمن يمتلك الحكمة واتخاذ الموقف السليم في الوقت المناسب، وأوافق على ما قاله الشيخ الدكتور راشد الغنوشي، حين وصف ما جرى في مصر على أنه خسارة معركة بالنسبة للإسلام السياسي.
المهم في هذا الإطار الوقوف على التقييم الموضوعي السليم لطبيعة هذه المعركة، وحجمها وآثارها القريبة والبعيدة، بما أنها ليست معركة هامشية أو محدودة التأثير والأبعاد. الحديث يدور عن مصر الكبيرة، قائدة الأمة العربية، ومنشأ حركة الإخوان المسلمين تاريخياً، مصر التي يتمتع فيها الإخوان المسلمون بالحجم والدور الأساسي والأكبر بالنسبة للتنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين، مصر التي ما إن اندلعت فيها ثورة الثلاثين من حزيران الماضي، حتى انتقلت تفاعلاتها وشرارتها وتداعياتها إلى كل البلدان العربية التي أحرزت فيها جماعة الإخوان فوزاً بالحكم، بما في ذلك فلسطين، وبما في ذلك تونس التي أقام فيها حزب النهضة تحالفاً ثلاثياً في خطوة بدت وكأنها استدراك مسبق للخطأ الذي وقعت فيه الجماعة في مصر.
هي مصر التي أرغمت الولايات المتحدة الأميركية، وأوروبا الغربية، على تغيير استراتيجيتيها وسياساتها ومواقفها التي اعتمدت على دعم وجود الإسلام السياسي في السلطة. هي مصر التي تقتحم بقوة السياسات الإسرائيلية وتوقع فيها الكثير من الارتباك، وقد تجبرها على تعديل مواقفها إزاء الفلسطينيين، وإزاء متطلبات عملية السلام. مثل هذه المعركة التي يتحدث عنها الغنوشي، قد تشكل محطة فاصلة في التاريخ السياسي لحركة الإخوان المسلمين في المنطقة برمتها، فهم إما أن يتخذوا منهجاً تكيفياً ويعودوا بقوة إلى المشهد السياسي العربي، وإما أن ينكفئوا ويعودوا إلى العمل السري.
هي معركة قد تفتح المجال أمام مرحلة تاريخية تؤدي إلى فصل الدين عن السياسة، وإما إلى مرحلة انتقالية يتعايش فيها الدين مع السياسة. قبل الانتقال إلى مرحلة إما هذا أو ذاك، وبصراحة فإن الأمر يعود في الأساس إلى القرار والوجهة التي ستتخذها جماعة الإخوان المسلمين، فما حصل ويحصل في مصر، لا راد له، لا بالعنف، ولا بالتظاهر كل الوقت في الشوارع.
الخشية في حال استمرت الجماعة في التصعيد، وتهديد الأمن والاستقرار الداخلي، أن تخسر المزيد من مؤيديها خاصة في ضوء قصر الزمن المتاح لإنجاز خارطة الطريق، وفي ضوء خطاب التسامح والشراكة، والاحتكام للشعب الذي تتبناه قوى الثورة التي تتسيد المشهد السياسي المصري.
المواطن المصري لم يعد يحتمل المزيد من الإرهاق والقلق، والفوضى والفلتان الأمني، فإذا ما استمرت جماعة الإخوان تقديم نفسها للشارع المصري على أنها المسؤولة عن إطالة أمد معاناة هذا المواطن، فإنه سيعاقبها أيما عقاب حين تصل الأوضاع إلى صناديق الاقتراع. لست بصدد الخوض في السيناريوهات المتوقعة لانعكاسات الحدث المصري على الوضع الفلسطيني، وقد أشار الدكتور أحمد يوسف إلى بعض هذه السيناريوهات، لكنني أكتفي بالإشارة إلى أن إسرائيل لم تعد المتحكمة في أوضاع الفلسطينيين وفي صياغة سياساتهم وخياراتهم وردود أفعالهم. وأضيف إلى ذلك أن الشارع الفلسطيني محتقن وهو قابل للانفجار على نحو لا نتمنى أن يقع، لأن الثمن سيكون باهظاً جداً ومن اللحم الحي للشعب الفلسطيني.
لذلك فإن القوى الفلسطينية مدعوة إلى المبادرة وبسرعة لإجراء حوارات معمقة وجدية لتجاوز حالة الانقسام، التي لا يمر عليها يوم إلا ويؤكد لكل فلسطيني، أنه يقدم خدمات جليلة ومجانية لإسرائيل، وأنه حتى لم يعد يقدم خدمة لجماعات المصالح التي تكرشت خلال مرحلة الانقسام، وقاومت بطرق شتى محاولات إنجاز المصالحة.
لقد أعلن الرئيس محمود عباس أن الرابع عشر من آب المقبل، هو نهاية المهلة، وأنه بصدد إصدار مرسومين بشأن تشكيل حكومة الوفاق، وتحديد موعد الانتخابات، فليكن ذلك اختباراً حقيقياً مع علمنا بأن المصالحة أشمل من ذلك، وأن تحقيقها على النحو الذي نتمناه يتطلب حوارات أوسع وأعمق من تلك التي جرت خلال السنوات التي مضت.
إن العناد في هذه الحالة ينطوي على مغامرة ومقامرة، سيخسر فيها من يعاند حركة التاريخ، ومن يقف ضد رغبة الجماهير العارمة في إنجاز الوحدة، وأقولها بالفم الملآن، إن القوة واستخدام العنف لا يمكنهما أن يجلبا لصاحبهما سوى الدمار، وسوء العواقب. إن عصرنا العربي هو عصر الجماهير، والحكمة تقتضي أن تظل العيون والآذان مفتوحة على همسات الناس.