خبر : الجيش المصري: ومحاذير الغرق في رمال سيناستان:مركز أطلس للدراسات الإسرائيلي

الإثنين 22 يوليو 2013 12:57 م / بتوقيت القدس +2GMT



يبدو أن النبوءة التي روجت لها أجهزة أمن اسرائيل واعلامها قبل سنوات من تحول شبه جزيرة سيناء المصرية الى سيناستان نسبة الى الاقليم الحدودي الأفغاني الباكستاني الذي تنتشر فيه فوضى الارهاب والفلتان المسلح، قد بدأت فعلاً بالتحقق عبر ما تسجله أحداث العنف والارهاب خلال السنتين السابقتين، علاوة على انتشار الفوضى وكل أشكال التهريب سواء على خلفيات اجرامية جنائية او ارهابية او على خلفية التماس الجغرافي بقطاع غزه المحاصر الذي يبتدع سبل استثنائية لاختراق الحصار وتأمين شرايين امداده بسبل الحياة الرئيسية، علاوة على حالة الصراع الدموي التي يعيشها القطاع مع دولة الاحتلال، وهو ما يعود لأسباب ترتبط جوهرياً بظروف موضوعية كلية (اقتصادية واجتماعية وسياسية وسيادية أمنية وجغرافية وسكانية)، فضلاً عن المصالح الأمنية الإسرائيلية وتدخلاتها الأمنية.

ان ما يسمى اليوم بمعضلة سيناء الأمنية ليست وليدة السنوات الأخيرة، وكل محاولات الادعاء بأنها ولدت بعد عام 2007 هي محاولات مغرضة هدفها حصر المشكلة بتداعيات الانقسام وحصار قطاع غزة، وما ترتب على ذلك عملياً من أنفاق وتهريب تغذيها إسرائيل وغيرها من الأطراف التي لها مصلحة في ربط القطاع بحالة الفوضى السيناوية، كما ان النظر الى المعضلة على أنها معضلة أمنية صرفة، وبالتالي قصر العلاج على المواجهة الامنية هي نظرة قاصرة ومغرضة.

أعمال التهريب وانتشار العصابات الاجرامية المسلحة معروفة في سيناء منذ أكثر من ثلاثة عقود، وقد كانت تحدث تحت سمع وبصر السلطات الأمنية المصرية والإسرائيلية، لا سيما خطى تهريب المخدرات والمهاجرات من أوكرانيا لصالح عصابات الرقيق الابيض الاسرائيلية قبل ان تدشن عصابات التهريب السيناوية خطوط تهريب طوفان المهاجرين الأفارقة الى إسرائيل، وتعود جذور المشكلة الرئيسية الى غياب دور الدولة المصرية عن رعاية واحتضان سكان سيناء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والخدماتي  والسياسي، سواء بفعل فساد نظام مبارك السابق أو بفعل نقصان السيادة.

بيد ان دائرة العنف وحالة الفلتان الأمني ونشاط المجموعات المسلحة التي تنتمى فكراً لتنظيمات اسلامية متطرفة كالقاعدة، وتنشط تحت مسميات كثيره أبرزها مجلس شورى المجاهدين، قد ازدادت في السنوات الأخيرة وتعاظمت من حيث الافراد والتسليح واكتسبت نفوذاً ومهارات قتالية كبيرة الى درجة انها باتت تتقاسم السيطرة على مناطق واسعة من سيناء مع قوات الأمن الرسمية، ويقال ان تعدادها يجاوز الآلاف، وهى باتت تشكل تحدياً أمنياً كبيراً جداً للدولة المصرية ومؤسساتها المدنية والأمنية، ومن نافل القول انها جلبت الويل والخراب لمحافظات سيناء الجنوبية والشمالية، فهي باتت قادرة على تهديد الأمن والاستقرار والنسيج الاجتماعي وقضت على السياحة، وبات خطرها يهدد مرافق حيوية مصرية أبرزها أمن الملاحة في قناة السويس وقد ينتشر خطرها الى مدن السويس المحاذية لسيناء.

ان شبه جزيرة سيناء أصبحت قبلة المسلحين الاسلاميين من كل البلاد العربية بعد سوريا والعراق نظراً لطبيعتها الجغرافية، مساحة كبيره جداً 60 ألف كيلو متر مربع ذات التضاريس الصعبة التي تشكل حماية لها وعائقاً طبيعياً امام الجيش الرسمي، بالإضافة الى الحاضنة السكانية، حيث يبلغ سكان محافظتي الشمال والجنوب خمسمائة وخمسون ألف نسمة غالبيتهم الساحقة من القبائل البدوية التي تعتاش تاريخياً على التهريب ويسود التوتر علاقتها مع الدولة، بالإضافة لما توفره لها محدودية السيادة الأمنية المصرية على سيناء من هامش كبير للحركة والأمن، كما أن تماس حدود سيناء مع إسرائيل يشكل أيضاً عنصر جذب آخر للقاعديين الذين يعلنون رغبتهم في قتال إسرائيل.

ان تحول سيناء الى ما تحولت اليه اليوم لا يستبعد معه أن يكون مرتبط أصلاً بتوجهات ومخطط اسرائيلي بعيد المدى، تسعى إسرائيل من خلاله الى تحقيق مجموعه من الأهداف، على الرغم من انه يبدو في ظاهر الأمر ان إسرائيل هي أول من قد يعانى من الفلتان الأمني على حدودها مع سيناء، وتدلل على ذلك إسرائيل بالاستشهاد بعدد من الهجمات الارهابية على حدودها من سيناء، واضطرارها الى استقدام تعزيزات كبيره للواء الجنوبي، والى إنفاق مئات ملايين الدولارات على تحصين حدودها البرية والمائية، لكن هذه المخاطر تعتبر من وجهة نظر بعض الباحثين على انها مخاطر تكتيكية محتملة الكلفة بالنسبة لإسرائيل، كما انها تستطيع وقادرة على معالجتها عبر ما تمتلكه من منظومات تسليحية وتكنولوجية واستخباراتية.

ان أهم الاهداف التي قد تسعى إسرائيل لتحقيقها عبر نشر الفوضى في سيناء تكمن في:

- استنزاف الجيش المصري في سيناء وزجه في حرب طاحنة، وبالتالي استنزاف الدولة المصرية ومواردها المحدودة أصلاً.

- تهديد المجرى الملاحي لقناة السويس، ويبدو ان اسرائيل قبل سنوات استعدت لهذا الأمر عبر تنفيذ مشروع استراتيجي كبير بإنشاء سكة حديد يربط بين ميناء ايلات وميناء اسدود ليشكل في المستقبل منافساً تجارياً امام خطوط مواصلات نقل البضائع من البحر الاحمر الى الأبيض وبالعكس.

- اسرائيل تعتقد ان خروج الفوضى الأمنية في سيناء عن سيطرة الجيش المصري، وما قد تشكله من ازدياد في تهديد الأمن الاسرائيلي عبر رشقات الصواريخ وبعض العمليات سيضطر الدولة المصرية الى القبول بإدخال اسرائيل وأمريكا ضمن منظومة أمنيه جديدة تعالج التهديد الأمني في سيناء تكون فيه اسرائيل طرف فاعل، بمعنى تحول سيناء الى شريط حدودي مفتوح للنشاط الأمني الاسرائيلي جواً وبراً.

- سلخ سيناء عزلاً أو فصلاً عن الدولة المصرية تمهيداً لانشاء كيان سيناوي منفصل يشكل حاجزاً بين مصر وإسرائيل، كيان ستكون له أفضلية التحالف والتعاون مع إسرائيل، كيان قد يقبل ان يمرر مخطط اسرائيلي بتوسيع حدود دولة غزة باتجاه سيناء لتستطيع استيعاب اللاجئين الفلسطينيين والفائض البشرى في القطاع.

 

حملة (فتح 2) ومحاذير الانزلاق الى الفخ الاسرائيلي

ان أعمال ارهاب واجرام العصابات الارهابية في سيناء من ترويع وخطف وقتل وقطع طرق واعتداء على مقرات الأمن الذي تشهده سيناء هذه الأيام في أعقاب عزل الرئيس السابق مرسي، بالإضافة لمسلسل الارهاب السابق ضد الجنود والشرطة المصرية قد سلط الضوء على المشكلة الأمنية السيناوية وجعلها في عين العاصفة، قد شكل تحدياً كبيراً للجيش والسيادة المصرية، تحدياً طالماً حاولت القيادة التهرب من معالجته، وترددت في حسم أمره كثيراً سواء لحكمة منها او لضعف وتراخي او لتواطؤ او لفساد البعض، لكنها تجد نفسها اليوم مضطرة لتطهير عش الدبابير، مأخوذة بالحماس الشعبي الثوري وبالرغبة في البرهنة على قدرة الجيش في أخذ زمام المبادرة وفرض السيادة والأمن على سيناء، وربما في استشعارها بجدية الخطر الإرهابي على الأمن القومي المصري.

وبات من الواضح أن الجيش يعد نفسه لعملية واسعة وعميقة وطويلة لتطهير سيناء من الإرهابيين، اعادة توفير الاستقرار والأمن لمواطنيها، حتى ان اسم العملية بات معروفاً (فتح2)، وبات معروفا معه حجم القوات المشاركة وتسليحها وأماكن انتشارها ومراحل العملية التي تنتظر ساعة الصفر.

ان انتشار الارهاب يعتبر من أخطر الآفات التي تهدد كينونة الدولة وتماسكها وتماسك نسيجها الاجتماعي، وتكون محاربته وعلاجه أولوية قوميه أولى، ومصر التي عانت في السابق ويلات الارهاب ولأنها ذات نسيج اجتماعي مميز، ولأن الاجتماعي والاقتصادي يتشابك مع القومي والأمني ومع الصراع الكلى مع كيان العدو الذي يدخل فصولاً جديدة، فإن مصر أكثر من غيرها تحتاج الى الانتصار على الارهاب بكل أشكاله ومسمياته وأماكنه.

لكن الخروج في حملة أمنية واسعة على الارهابيين ليس الشرط الوحيد للانتصار، فثمة ظروف وعوامل كثيره يجب أن تتوفر، وحتى في ظل توفر كل العوامل المطلوبة ليس بالضرورة ان يتحقق النصر على الإرهاب، فحرب الارهاب هي حرب قذرة مكلفة ومؤلمة، وأحياناً قد تؤدي الى نتائج عكسية، لا سيما إذا لم يحسن ادارة المعركة وإذا اقتصرت على قوات الأمن.

والمعركة على الارهاب في سيناء لها خصوصية خاصة، وهي تفرض على الدولة المصرية في ظروف استثنائية ليست الأمثل، تمر فيها الدولة بظرف مصيري خطير وحرج، وخطأ الحسابات في الظروف الحرجة نتائجه كارثية بعكس الظروف الطبيعية التي تمكن من احتواء تداعيات الأخطاء وحصر ضررها والسيطرة عليه، ولأن الأمر كذلك، ولأن سمعة وسلامة الجيش المصري تعنى لنا الكثير فإننا نود ان نؤكد على عدد من محاذير الحملة الأمنية التي على الجيش الانزلاق اليها بالحاحية الحالة:

- ان قتال أبناء الجلدة من الارهابيين لا يشبه أبداً قتال الأعداء من حيث تداعياته على الحالة المعنوية للجنود.

- ان الحرب ضد الارهابيين ومطاردتهم أشبه بمطاردة الاشباح، حيث يرونك ولا تراهم، ويتميزون عن الجيش بقدرتهم على المناورة والتكتيك والتمويه والتملص.

- كلما لحق الاذى بالمدنيين وسبل عيشهم جراء الحرب على الإرهاب؛ سيزداد غضب الأهالي على المؤسسة الرسمية.

- ان اقتصار الحملة على الجانب الأمني سيؤدي الى تمتين العلاقة بين الارهابيين والبيئة الحاضنة.

- ان الحرب على الارهاب في سيناء الواسعة صعبة التضاريس، وفى ظل القيود الإسرائيلية على حركة الجيش وتسليحه وحجم قواته ومناطق انتشاره والمؤقت بسقف زمني اسرائيلي حسبما تزعم إسرائيل، قد يحولها الى حرب استنزاف طويلة منهكة للجيش تستنزف قدراته المادية والتسليحية وتستنزف معنوياته وقد تفتح في جسده جرحاً دامياً، قد تكون حرب استنزاف بالوكالة عبر العصابات الإرهابية تستهدف استنزاف وتفكيك الدولة المصرية.

- ان الجيش المصري باني الدولة المصرية وحارسها وضامن استقرارها ووحدة وسلامة أرضها وشعبها قد يجد نفسه تائهاً في صحراء سيناء، يدفع به من حملة الى حملة بحثاً عن نصر قد لا يتمكن منه، ربما يفقده ما يتمتع به من احترام وثقة كبيرة من الشعب، الأمر الذي قد يفقده هيبته.

   

مؤشرات مقلقة

ومن متابعتنا لما يصدر من تصريحات وأقوال لقيادات أمنية مصرية، ولما يحدث على الأرض من اجراءات وتطورات ميدانية متلاحقة، فقد رصدنا عدد من المؤشرات المقلقة لنا كفلسطينيين، مؤشرات تثير تساؤلات حول احتمالات توظيف الحملة لخدمة أجندات محددة، أجندات لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بأمن مصر القومي، وتساؤلات حول عمق المعلومات التي تتعلق بالحملة وجديتها ومدى قربها او بعدها عن الأفكار النمطية التي روج لها سابقاً رجالات واعلام النظام الفاسد السابق، ومن بين هذه المؤشرات نذكر:

- تصريحات من بعض قادة الجيش وصدور بيانات، وأحياناً كثيرة نسب أقوال لمصادر عسكرية تؤكد بشكل او بآخر تورط عناصر فلسطينية في أعمال الارهاب في سيناء او تنسب لفلسطينيين تهريب أسلحه قتالية وصواريخ الى مصر، والمبالغة كثيراً في ذلك في محاولة للربط بين القطاع وبين ما يحدث في مصر عامة وسيناء خاصة.

- الحملة المحمومة والواسعة على الأنفاق بدون التمييز بين ما يشكل مصدراً للغذاء وبين ما قد يشكل تهديداً للأمن، رغم أن حكومة حماس تبدى دوماً استعدادها لتحمل مسؤولياتها في الضبط الأمني للحدود فوق الارض وتحتها.

- التسرع في اغلاق معبر رفح البري في اشارة لا توحى بالاطمئنان، رغم أن المعبر لا يمكن أن يتم استغلاله في غير مقاصده الرسمية.

- منع الصيد على شواطئ رفح المصرية والشيخ زويد والعريش بمبرر يعلن خشية تسلل الارهابيين من القطاع الى سيناء بحراً.

- تعزيز القوات المدرعة على حدود غزة استعداداً لدرء خطر أمني.

- تحليق الطيران الحربي المصري بشكل استعراضي فوق مدينتي رفح وخانيونس، بهدف تصوير مواقع لكتائب القسام كما صرح مصدر عسكري.

ان جميع هذه المؤشرات تؤشر على ان ثمة رغبة وتوجه لربط قطاع غزة بمشكلة الارهاب في سيناء، وفى هذا تجنٍ كبير على الحقيقة، تجنٍ مقصود مدفوع بدوافع غريبة لا نفهمها، وهي تنطوي على فهم سطحي ومحرف لما يجرى من نشاط إرهابي أجرامي في سيناء، انه فهم قاصر سيؤدى حتماً الى نتائج سلبية وخطيرة على الحملة الأمنية، فإن كانت هذه هي معلومات من يدير الحملة ويخطط لها فإن حملته التي تستند الى معلومات مضروبة ومغرضة وسطحية وهي في أحسن الأحوال معلومات صحافة مأجورة، سيكون مصيرها الفشل والانزلاق الى الفخ الاسرائيلي.