خبر : "فتوى لاهاي".. وفتوى تأجيل الانضمام لـ"الجنائية الدولية" !! .. هاني حبيب

الأحد 14 يوليو 2013 11:37 ص / بتوقيت القدس +2GMT



عندما أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي قرارها التاريخي بوقف بناء إسرائيل للجدار الحدودي العنصري وتفكيكه وتعويض المواطنين الفلسطينيين المتضررين من بناء هذا الجدار، في ذلك الوقت، لم تكن فلسطين دولة، وبالتالي فإن هذا القرار ظل "قراراً استشارياً" غير ملزم، مجرد فتوى قضائية، لكنه كان كافياً لتسليط الضوء على جملة الممارسات الاحتلالية الاستيطانية والتهويدية، استثمر في تلك الفترة لفضح السياسة الإسرائيلية على الصعيد الدولي، إلاّ أنه لم يستثمر بما فيها الكفاية لتعزيز موقف الرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية، إذ لم يستمر الاهتمام بهذه "الفتوى" بعد مضي عدة أشهر على اتخاذه.
اليوم، وبعد تسع سنوات من هذه الفتوى، جرت في النهر مياه كثيرة وغزيرة، أهمها، أن فلسطين باتت دولة، ما يجعلها مؤهلة للانضمام إلى سائر المنظمات الدولية وعلى الأخص "الجنائية الدولية" وميثاق روما، وتفعيل "فتوى لاهاي" من جديد، خاصة وأن جرائم الاحتلال الاستيطانية والتهويدية تواصلت وتعززت بشكل هائل، خاصة بعد "فتوى لاهاي"، الأمر الذي يعزز الدعوات إلى ضرورة الاستفادة من الوضع القانوني الدولي الجديد لدولة فلسطين والتوجه إلى كافة المنظمات والمحافل الدولية لإرغام إسرائيل على وقف وإزالة الجدار الحدودي العنصري وإجراءات التهويد المستمرة في العاصمة الفلسطينية في القدس الشرقية على وجه الخصوص.
من الدول العربية المحيطة بإسرائيل، ليس هناك سوى الأردن، عضو في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وهناك أكثر من سبب لعدم انضمام العديد من الدول إلى هذه المحكمة، وأشهر دولة لم توقع عليها هي الولايات المتحدة الأميركية بهدف عدم تقديم جنودها إلى هذه المحكمة لدى ارتكابهم جرائم حرب كما جرى في العراق وأفغانستان وفي كل منطقة غزاها الجيش الأميركي المنتشر حول العالم، كما أن الولايات المتحدة لا تريد أن تخضع للتحقيقات من قبل قضاة المحكمة لدى خرق القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان، خاصة في معتقل "غوانتانامو"، كما أن الولايات المتحدة تدعي بأنها الدولة الأكثر انسجاماً مع حقوق الإنسان، وهي التي تحاكِم ولا تحاكَم باعتبارها الدولة الأكثر ديمقراطية في العالم(!)
أما بالنسبة للدول العربية، فمعظم هذه الدول، معتادة على خرق كافة القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان، وبالتالي فإنها تخشى لدى انضمامها إلى محكمة لاهاي الجنائية، من أن تضطر إلى خضوعها للتحقيقات والعقوبات، فسورية مثلاً، كان بإمكانها الانضمام إلى الجنائية الدولية للحصول على قرار ـ وليس فتوى ـ بإدانة إسرائيل على احتلالها للجولان وإجراءاتها ضد مواطني الهضبة المحتلة، غير أن دمشق تعلم، أن الانضمام إلى هذه المنظمة الدولية سلاح ذو حدين، إذ انها تقوم وبشكل دائم، بخرق حقوق الإنسان السوري الأمر الذي يعرضها للمساءلة والتحقيق من قبل جنائية لاهاي، ولهذا تجاهلت سورية الانضمام إلى الجنائية الدولية.
لكن هناك استثناء بهذا الصدد، ذلك أن الدولة غير المنضوية تحت عضوية الجنائية الدولية بمنأى عن المحاسبة، لكن ذلك يقضي بأن تحال القضايا الخاصة بهذه الدولة من قبل مجلس الأمن إلى المحكمة للنظر فيها، وكما هو معروف، فإن التناقضات المتعلقة بالمصالح والمواقف بين أعضاء مجلس الأمن الدائمين، تجعل من قضية الإحالة هذه بالغة الصعوبة.
لم يعد مصطلح "الأراضي الفلسطينية المحتلة" هو المصطلح القانوني الدقيق، ذلك أن حصول فلسطين على مكانة دولة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، رغم أن هذه العضوية ليست كاملة، إلاّ أنه بات الآن المصطلح القانوني أن "دولة فلسطين المحتلة" دولة عضو في الأمم المتحدة تقع بكاملها تحت الاحتلال، إلاّ أن هذا ليس بالأمر الوحيد الذي جعل إسرائيل وبدعم من الولايات المتحدة عرقلة اتخاذ هذا القرار من الجمعية العامة، إذ إن إسرائيل كانت تخشى من توجه دولة فلسطين إلى الجنائية الدولية من جديد، لبحث مسألة الاستيطان والتهويد والجدار الحدودي العنصري.
دولة فلسطين لم تتوجه حتى الآن للانضمام إلى الجنائية الدولية، البعض يرى في ذلك ورقة يستخدمها المفاوض الفلسطيني في مواجهة إسرائيل أثناء عملية التفاوض التي ترعاها الولايات المتحدة، التهديد بورقة الانضمام إلى الجنائية الدولية ـ كما يعتقد المفاوض الفلسطيني ـ سيعزز الموقف الفلسطيني للضغط على إسرائيل للحد من خطواتها الاستيطانية وإزالة العوائق التي تضعها حكومة نتنياهو أمام استئناف العملية التفاوضية.. ,من الواضح أن هذه الورقة، لم تفعل ذلك حتى الآن.
غير أن بعض القانونيين، لا يعيد عدم تقدم دولة فلسطين لعضوية الجنائية الدولية، فقط للسبب المذكور آنفاً، بل يرى أن الأمر يعود إلى انتهاكات لحقوق الإنسان الفلسطيني، ووسائل التعذيب المستخدمة في التحقيقات والاعتقال بخلاف القانون، هو ما تخشاه دولة فلسطين عند عضويتها للجنائية الدولية، والأمر يتعلق من الناحية القانونية بكل أراضي دولة فلسطين، الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة. إلاّ أن ما يهم الجانب الإسرائيلي في هذا السياق، أن انضمام دولة فلسطين إلى الجنائية الدولية، سيضعها تحت طائلة الشكاوى الإسرائيلية المتكررة، خاصة، عندما تقع ضحايا من المدنيين الإسرائيليين جراء الضربات الصاروخية أو التفجيرات على اختلاف أشكالها، فإسرائيل بإمكانها استثمار هذه العضوية للتخفيف من إلقاء المسؤولية العدائية عليها، وإظهار الجانب الفلسطيني كمعتد، وربما هذا الأمر، ما يجعل البعض يتردد في الدعوة إلى ضرورة انضمام دولة فلسطين إلى الجنائية الدولية، وهي خطوة نرى أنه لا بد منها مهما اختلفت المبررات والأعذار!
Hanihabib272@hotmail.com
www.hanihabib.net