خبر : أميركا.. والدور الاستخدامي لـ "الجماعة" !...بقلم: هاني حبيب

الأربعاء 10 يوليو 2013 11:49 ص / بتوقيت القدس +2GMT



كمعظم المواطنين العرب، خاصة هؤلاء الذين اعتادوا متابعة الأحداث، كنت أتنقّل بين مختلف الفضائيات المصرية المستقلة خاصة، لأتعرف على ما يجري في الشقيقة مصر من أحداث عاصفة، وقد لفت انتباهي أحد المحلّلين السياسيين، في إحدى القنوات المصرية، عندما أراد أن يؤكد، وفقاً لنظرية المؤامرة، أن ما يجري في المنطقة ومن "ربيع عربي" على وجه الخصوص هو مجرد مخطّط أميركي يهدف إلى ترجمة نظرية "الفوضى الخلاّقة" في التطبيق العملي، وما يجري في مصر الآن، هو أهم حلقة من حلقات هذا المخطط. مشيراً ـ المحلّل السياسي ـ إلى أن الولايات المتحدة تواجه هذه الأيام، أكثر من أي وقت مضى، فشلاً ذريعاً في الحفاظ على قواتها في أفغانستان في مواجهة مع الإرهاب "القاعدي" و"الطالباني"، بينما هي تستعد لإخلاء قواتها من هناك العام القادم، لكن في كل يوم تقريباً، تشن القوى الإرهابية هجمات متصاعدة على قوات التحالف الغربي، الأميركية منها على وجه الخصوص، لكن ـ وما زال الحديث له ـ تردد الولايات المتحدة بعدم التدخل الواضح في الشأن السوري، من شأنه إطالة زمن التقاتل الداخلي، وفي ذلك تدمير للجيش السوري، لكن وفي السياق ذاته، فإن قوى الإرهاب، أخذت تهاجر من أفغانستان والعراق، إلى سورية، الأمر الذي يخفف على القوات الأميركية من عبء القتال في أفغانستان، كما يخفف عبء مواجهة الحليف "المالكي" في العراق من عبء مواجهة الموجات الإرهابية السنّيّة ـ حسب وصفه.
ما أدهشني في هذا التحليل، أنه اعتبر الموقف الأميركي المتردد إزاء ما يجري في جمهورية مصر العربية يعود إلى إرادة أميركية، لخدمة مصالح الولايات المتحدة في إضعاف الجيش الأهم والأكثر تنظيماً وقوة، والذي لم يتورط في الإشكاليات والأزمات الداخلية، من خلال طمأنة "جماعة الإخوان" إلى إسناد واشنطن لمواقفها، ما يشجعها إلى جرّ الجيش المصري للدخول في أتون الاحتراب الداخلي، والأهم من ذلك، كما يقول، توفير أرضية صالحة لجذب قوى الإرهاب من أفغانستان والعراق إلى شبه جزيرة سيناء على وجه الخصوص، لمواجهة الجيش المصري، وأن واشنطن التي تسيطر على الوضع بإمكانها أن تضمن أن قوى الإرهاب لن توجه سلاحها إلى إسرائيل، كما يحدث الآن بالضبط.
عودة إلى الوراء، سنوات قليلة، تحيل هذا التحليل من الافتراض إلى الواقع، وبعيداً عن نظرية المؤامرة، من خلال تأكيد الطبيعة الاستخدامية لجماعة "الإخوان المسلمين" من قبل "جهات أخرى"، ويقال على هذا الصعيد: إن السادات استخدم "الجماعة" في مواجهته مع القوى القومية والناصرية.. ثمّ قتل على يد "الجهاديين"، الذين أفرج عنهم مبارك بعد إلقاء القبض عليهم، بضغط أميركي، كي يتحول هؤلاء الجهاديون إلى أفغانستان لمواجهة ومقاتلة النظام الشيوعي في أفغانستان، بعد أحداث سبتمبر في أميركا، اقتنعت واشنطن أن الإسلام الوسطي بقيادة "الإخوان المسلمين، هو الذي بإمكانه مواجهة الإسلام المتطرف الذي تقوده "القاعدة"، وربما هذا ما يفسر ترحيب واشنطن بوصول "الجماعة" إلى الحكم في جمهورية مصر العربية اعتقاداً منها، أن "الجماعة" هي الأقدر على مقارعة "التطرف الإسلامي" بقيادة "القاعدة" ومشتقاتها، واستثمرت واشنطن ذاك الشره والعطش للسلطة من قبل "الجماعة" لمساعدتها في السطو على ثورة 25 يناير، ممهدة السبيل لها، للوصول إلى السلطة تحت يافطة ديمقراطية عبر صناديق الاقتراع (!).
وقد رأينا، في الشهور الماضية كيف باتت شبه جزيرة سيناء، دولة "شبه مستقلة" تحكمها عصابات الإرهاب، من دون أن تقوى القوات المسلحة المصرية، بدون أن يتوفر غطاء سياسي، لمواجهتها، ما زاد في قوتها وشكيمتها، باعتبارها القوة الاحتياطية الهائلة لـ "الجماعة"، وها نحن نعايش كيف بات الوضع في تلك المنطقة الحسّاسة والهشّة، شبه جزيرة سيناء، بعد الثورة التصحيحية في 30 يونيو، وإزاحة مرسي و"الجماعة" من سدّة الحكم، ما يفسر اليوم أحد أهم أسرار الأمس، وإجابة واضحة على السؤال المتكرّر: لماذا لم تتم إزاحة الأسرار عن النشاط الإرهابي في شبه جزيرة سيناء، ولماذا لم تقم القوات المسلحة المصرية بدورها في هذه المواجهة، وقد تبين من خلال وثائق نشرت مؤخراً، أن الجيش المصري ظل بدون أوامر وتعليمات لمثل هذه المواجهة، وبينما ظلت إسرائيل "صامتة" على ما يحدث على مقربة من حدودها، فإنها كانت تعلم تماماً أن هذه العصابات لن تهدد أمنها، وأن مهمتها الأساسية هي إضعاف الجيش المصري، إلى درجة أن لا تعود هناك ثقة من قبل الشعب المصري بجيشه الذي يعتبر مقصّراً وضعيفاً ولا يقوى على حفظ أمن وحدود البلاد.
قد يكون الربط بين هذه المقارنات، مجرد ضعف في التحليل، والاستنجاد بنظرية المؤامرة للتحايل على التحليل المنطقي، وقد يشكل هذا الربط مجرد تعبير عن مستوى من مستويات الخيال، إلاّ أن العديد من المسائل التي تم اعتبارها في الماضي مجرد مؤامرة مصطنعة، تبين أنها حقيقية إلى درجة أن لا أحد قد صدقها في حينه، واليوم نرى أنفسنا ونحن نشاهد ونتابع ما يجري أن ليس في الأمر إلاّ الربط بين أحداث نجدها منطقية تماماً في أجواء ليس فيها من المنطق شيء!
Hanihabib272@hotmail.com – www.hanihabib.net