خبر : مصر: البحث عن الاستقرار والبحث عن الديمقراطية ...بقلم: د. عاطف أبو سيف

الإثنين 08 يوليو 2013 10:53 م / بتوقيت القدس +2GMT
مصر: البحث عن الاستقرار والبحث عن الديمقراطية ...بقلم: د. عاطف أبو سيف





أثار ما حدث في مصر في الأسبوع الماضي نقاشاً كبيراً حول مستقبل الربيع العربي وكنه التغيرات الديمقراطية التي جلبها في المنطقة، خاصة مع بروز الكثير من العثرات في طريق إنجاز هذا الربيع لوعوده. ولم يكن من البداية، ممكناً توقع ان تسير قاطرة التغير بسلاسة ودون عثرات. إن مراجعة الخبرات السابقة للشعوب التي شهدت تحولاً من انظمة قمعية شمولية إلى أنظمة ديمقراطية يكشف لنا كيف أن استقرار النظم السياسية الناجمة عن ما بعد انهيار النظم السابقة لا يقل أهمية عن تحقيق الديمقراطية ذاتها. وربما وبكثير من الفجاجة فإن عملية الاستقرار تلك ليست بأقل صعوبة من عملية تحقيق الديمقراطية، حيث إن استقرار النظام السياسي في نهاية الامر ليس إلا تجسيدا لحقيقة أن الديمقراطية أنجزت.
يشير هذا إلى أن التلازم بين استقرار النظام السياسي وبين إنجاز "الحلم الديمقراطي" هما غاية عملية التحول وسر نجاحه في آن، لأن انهيار النظم السابقة ليس مجرد عملية استبدال في المؤسسات وفي الشخوص وفي القيم التي تقف وراء السياسات، بل هو إلى جانب هذا صراع على هوية الدولة ووجهها وجوهرها. وبالتالي فإن عملية الاحلال والاستبدال بعد الهدم والتفكيك لا تشمل فقط تغير الأشخاص ورموز المؤسسة، بقدر ارتكازها على ضرورة تطوير هويات جديدة مستمدة من روح المواطنين المكتسبة بعد التحول كي يستطيع النظام السياسي ان يكون معبراً حقيقاً عن آمال وتطلعات مواطنيه.
من هنا، فإن عمليات التحول لا تنجح في العادة في تحقيق تطلعاتها دفعة واحدة ومن خلال عملية انتقال متماسكة. وباستثناءات قليلة فإن الدول التي شهدت تحولاً في موجات الدمقرطة في العقود الأربعة الماضية في اميركا اللاتينية ووسط وشرق أوروبا مرت بانتكاسات، ولم تتخلص بسهولة من بقايا القيم والثقافة السياسية التي كانت سائدة خلال عقود من حكم الطغاة. وبعضها ارتد إلى الديكتاتورية ثم الديمقراطية مرة أخرى. إن معجزة الضربة الواحدة ليست إلا معجزة لا تتحقق، وإن التحول الديمقراطي الحقيقي لابد أن يمر بعثرات وانتكاسات لأن سنوات من القمع والاضطهاد ليس من شأنها ان تنتج اجهزة دولة قمعية فحسب، بل أيضاً وتؤثر سلباً على النخب السياسية بمجملها بما فيها النخب المعارضة. وعليه فإن الطبيعة التناحرية للصراع الحزبي بعد انهيار قوى القمع، سيتردد صداها في الممارسة السياسية ما بعد سقوط النظام.
يبدو هذا الكلام ملائماً في الإشارة للأحداث التي جرت في مصر بعد خروج الملايين ضد الرئيس مرسي وقيام الجيش والقوى السياسية بعزله، وما انتجه هذا من نقاش وخلاف واشتباك ميداني. سيكون متأخراً الآن الحديث عن دستورية ما حدث من عدمه، وربما عن من يقف وراء الخطأ، لأن الاجابة على هذه الأسئلة صارت جزءاً من تعميق الخلاف وليس التعلم منه. المؤكد وفق التحليل السابق أن ما حدث كان يمكن ان يحدث لو جاء أي رئيس آخر في انتخابات حزيران 2012 وليس مرسي. كما أن المؤكد أن الدور الذي قام به الجيش المصري ليس مستغرباً في ظل علاقة الجيش بالدولة في مصر. فالجيش في مصر منذ ثورة عرابي ينظر لنفسه على أنه حامي الدولة وليس حامياً للنظام. فالجيش لم يتردد بالخروج ضد أحد قادته الرئيس مبارك لحماية الدولة من الإنهيار. بالطبع يمكن للبعض المحاججة بأن مرسي منتخب أما مبارك فلا. لكن في نهاية الأمر فإن ما قام به الجيش في الحالتين نبع من نفس الدافع – حماية الدولة.
ثمة جملة من الملاحظات الواجبة سريعاً في هذا السياق:
إن القول البلاغي المفرط بانتهاء زمن الاخوان وتراجعهم ليس إلا تقريضا في غير محله. فسقوط حكم مرسي لا يعني بالضرورة أن الاخوان انتهوا إلى غير جعة. إن الممارسة السياسية وحدها التي تحكم على مستقبل التنظيمات والأفكار السياسية. صحيح أن المواطن العربي سرعان من اكتشف زيف الشعارات الكبيرة التي يرفعها الإخوان سواء في فلسطين أو تونس أو مصر او غيرها، لكن هذا لا يعني أن الإخوان حزب صغير سيتراجع في الخلف بمجرد نزوله عن الحكم.
لصيق بهذا، فإن العمل على قمع واضطهاد الإسلام السياسي لن يكون حلاً لأزمة الدولة العربية الراهنة لسببين من ضمن أسباب أخرى. الاول أنه لا يجوز في زمن البحث عن الديمقراطية ان يتم اللجوء لوسائل غير ديمقراطية مهما كان المبرر. والثاني أن اضطهاد الإسلام السياسي يعني تقويضا لشرعية الدولة وبالتالي مساسا بوحدتها. وتأسيساً يجب الحذر في صوغ ردود الفعل وفي تطوير الخطاب والمواقف. إن تراجع الإسلام السياسي وخيبة امل المواطن العربي من سرعة ظهور مساوئه لا يجب أن يدفع القوى المنافسة لقمعه بل للبحث عن سبل تعزيز العمل المشترك ضمن رؤية مدنية للدولة العربية قادرة على استيعاب الجميع على قاعدة الخير العام.
في الحالة المصرية على الجيش أن لا ينزلق إلى اتون الخلاف الدائرة حول الحكم دون ان يتنازل عن حقه في حماية هوية الدولة واستقلالها. لأن من النتائج الجانبية التي قد يرغبها البعض إفراغ الجيش من مهمته الوطنية وخسارته للإجماع الوطني الذي يحظى به، والزج به في قلب الخلافات كي يصبح طرفاً مقابل أطراف أخرى.
إن ما حدث في مصر ليس إلا جزءاً من تحولات كبرى ستعصف بالمنتطقة، او لعلها بدأت تعصف بها منذ التظاهرات في ميدان تقسيم في اسطنبول والتغير الاميري في قطر والحسم في القصير وانتخاب روحاني في طهران. المؤكد أن الإقليم في مرحلة تكوين جديدة بحثاً عن استقرار مفقود منذ سنوات، وثمة تبدلات في محاوره ومرتكزاته كما في تعبيراته الهوياتية عن نفسه. كما أن المؤكد الآخر أن هناك استعادة للدور السعودي مقابل تراجع الدور القطري. سيرتكز الدور السعودي الجديد بإسناد إماراتي بدأت اول ثماره بالتبرع السخي للدولة المصرية لانقاذها من كبواتها الاقتصادية. ثمة قلق عربي عام من الدور القطري الذي حقق المزيد من "الفوضى الخلاقة" بكلمات رايس، كما أن ثمة قلق أوسع في الخليج من هيمنة الدوحة على الصوت الخليجي في السياسة الإقليمية والدولية. هكذا فإن ثمة حواضن أوسع لعمليات التحول والبحث عن الاستقرار في مصر يجب أن تكون جزءاً من فهم ما يجري.