خبر : كيف وقع الإخوان في الفخ! ...محمد ياغي

الجمعة 05 يوليو 2013 10:20 ص / بتوقيت القدس +2GMT
كيف وقع الإخوان في الفخ! ...محمد ياغي



خلال ثورة 25 يناير 2011 اجتمع الإخوان مع عمر سليمان، نائب الرئيس مبارك خلال الثورة ثلاث مرات. الاجتماعات استهدفت إيصال رسالة واحدة من خلال "سليمان" للأميركيين: وافقوا على رحيل مبارك ولن نسعى لأخذ السلطة. يوم 10 شباط 2011، اجتمع مكتب الإرشاد الساعة العاشرة صباحاً واتخذ قراراً بأن الإخوان لن ينافسوا على أكثر من ثلث مقاعد مجلس الشعب، وأنهم لن ينافسوا على منصب الرئيس. الساعة الواحدة ظهراً من نفس اليوم أصدر المجلس العسكري بيانه الأول الرسمي بأنه سيعمل على تنفيذ إرادة الشعب، وهو ما فُهِمَ منه تخليه عن نظام مبارك وعزله له.علاقة الإخوان مع المجلس العسكري ومع الأميركان بُنيتْ على هذه الأرضية التي وصفتها في الأسطر القليلة السابقة. هذه الأرضية مهدت لتحالف مؤقت بين "العسكري" والإخوان تم الاتفاق خلاله على لجنة للقيام بتعديلات دستورية برئاسة المستشار طارق البشري وهو وعدد من أعضائها يميلون فكريا للإخوان. مقابل ذلك، تخلى الإخوان عن حلفائهم في الثورة ودافعوا عن "العسكري" باستماتة حتى نيسان 2012. في أول التظاهرات ضد "العسكري" في نهاية شهر تموز 2011 رفض الإخوان المشاركة فيها وتظاهروا دعماً له (يا مشير يا مشير إنت الأمير).. وفي مظاهرات شارع محمد محمود في تشرين الثاني 2011 ضد "العسكري" قالوا إن الأولوية للانتخابات التشريعية ورفضوا المشاركة.. وفي مظاهرات مجلس الوزراء في كانون الاول 2011 ضد "العسكري"، لم يرفضوا فقط المشاركة، بل اتهموا الفتاة التي قامت الشرطة العسكرية بتعريتها أمام الكاميرات بأنها المسؤولة عن ذلك (هو إيه اللي وداها التحرير- قال أحد شيوخهم).. وفي 25 يناير 2012 أحضروا سماعات كبيرة لقراءة القرآن لحجب الأصوات التي كانت تهتف ضد "حكم العسكر" أثناء الاحتفالات بذكرى الثورة.. وعندما اقتحمت الشرطة العسكرية مقرات "للمجتمع المدني" وقالت بأن هنالك تمويلا أجنبيا للحركات الشبابية هدفه زعزعة استقرار البلد، واعتقلت عددا من الأميركيين، قام الإخوان بعملية التغطية الإعلامية لهم عبر اتهامهم للحركات الشبابية بالعمالة لقوى دولية، وعندما أفرج العسكري عن المعتقلين الأجانب قبل عرضهم على المحكمة، قام مجلس الشعب وغالبيته من الإخوان حينها بعملية التغطية القانونية لتجاوز "العسكري" لمؤسسة القضاء. ما الذي حدث إذاً وجعل الإخوان يدخلون في حالة صراع مع "العسكري"؟ عندما تم فتح باب التنافس للانتخابات الرئاسية في نيسان 2012، حضر السيناتور جون مكين للقاهرة واجتمع مع خيري الشاطر نائب رئيس مكتب الإرشاد. قيل له بصراحة، لا نرغب برؤية حمدين صباحي رئيساً، ولا نرغب برؤية عبد المنعم أبو الفتوح رئيساً أيضاً، ولا نمانع في أن يكون الرئيس من الإخوان المسلمين. الشاطر اعتبر ذلك بمثابة "ضوء أخضر أميركي" وكان أن رشح نفسه ودفع بالدكتور مرسي كمرشح احتياطي. جون مكين خلق بدايات الصدام بين "العسكري" والإخوان، فالاتفاق بين الطرفين كان يتضمن امتناع الإخوان عن الدفع بمرشح للرئاسة. الإخوان من جانبهم يبررون ذلك بأن المحكمة الدستورية كانت في طريقها لحل مجلس الشعب، وبالتالي كان من الضروري تعويض الخسارة بالدفع بمرشح للرئاسة.. لكن الحقيقة أن موقف "العسكري" ضدهم بني على خلفية أن الإخوان قد أبرموا اتفاقاً مع الأميركيين مغاير للاتفاق الذي تم عقده معهم خلال الثورة. قد يقول البعض الآن بأن "العسكري" أقرب للأميركيين من الإخوان.. وأنا لن أتوقف عند ذلك للنفي أو للتأكيد، لكني أقول في الحالتين تشجيع الأميركيين للإخوان بالتنافس على موقع الرئاسة أسس للخلاف بين الطرفين، وأعطى الإخوان انطباعا بأنهم أقرب لأميركا من "المجلس العسكري" نفسه، وهو فعلياً ما شاهدناه في آب 2012 عندما قبل المجلس العسكري بالتخلي عن المشير طنطاوي والفريق عنان وإعادة الصلاحيات كاملة للرئيس مرسي. وهذا ما كان له أن يتم بدون الاتفاق مع السيسي وجزء من قيادة المجلس العسكري، وبدون علم مسبق، إن لم نقل مباركة أميركية. الثمن لم يكن فقط دسترة مصالح المؤسسة العسكرية الاقتصادية والسياسية في الدستور (المواد 193-198) ولكن أيضاً الموافقة على احترام اتفاقيات كامب ديفيد، والإبقاء على معبر رفح مغلقاً، وإبقاء العلاقة مع إيران مقطوعة. ما تقدم هي حقائق وليست تحليلا. اعتقدت قيادات الإخوان أنها وبتحييدها لأكبر خصمين محتملين لمشروعهم (الأميركيون والجيش) فإن فرصتها بالهيمنة على مفاصل الدولة المصرية أصبحت ممكنة، لهذا أداروا ظهورهم للقوى الوطنية التي أوصلتهم للرئاسة (عاصروا الليمون الذين قرروا انتخاب مرسي حتى لا يعود النظام القديم من بوابة الانتخابات عبر شفيق)، ولم يروا منافساً لهم غير الجماعات السلفية التي حاولوا إرضاءها بكل الطرق الممكنة بما في ذلك الانفراد معهم بكتابة دستور لا يحظى بالحد الأدنى من التوافق. وأغفل الإخوان خلال محاولاتهم السيطرة على ماكينة الدولة العوامل البنيوية التي حركت الشارع يوم 25 يناير 2011 ضد مبارك، فهذه العوامل لم يطرأ عليها تغير بفوز الإخوان بالسلطة: الوضع الاقتصادي بقي كما هو إن لم يصبح أكثر سوءاً، والمجموعات الشبابية العديدة التي حركت جماهير 25 يناير أُبقيتْ بعيداً عن صناعة القرار السياسي، وتم التعامل مع النظام القديم بانتقائية ( من يقف منهم مع الإخوان اعتبر تائبا ومن وقف ضدهم أنعم عليه بلقب فلول) ومن أمثلة ذلك تعيين ثلاثة من قيادات الحزب الوطني في مجلس الشورى واصطحاب حسن مالك، أحد قياديي الإخوان، للعديد من أصحاب رؤوس الأموال من مؤيدي مبارك الى الصين أثناء زيارة الرئيس مرسي لها. بالمحصلة خلق الإخوان بسياساتهم الإقصائية وبعدم إعطائهم أولوية للاستجابة لمطالب الثورة حالة استقطاب حاد في المجتمع المصري. وكلما كانت المعارضة لهم تزيد كانت أعينهم تتوجه للولايات المتحدة وليس الى شعبهم، وكأن تقديم المزيد من علامات الوفاء للغرب سيحميهم من شعبهم، وكان تصعيد الخطاب الطائفي وطرد السفير السوري من القاهرة ضمن هذه المقاربات. بشكل مختصر قدم الإخوان كل التنازلات للمعسكر الأميركي لكنهم لم يتقدموا بأية تنازلات لمعارضيهم السياسيين.تناسى الإخوان القدرة الفائقة للحركات الشبابية على التحريض والحشد خصوصا عندما تكون الازمة الاقتصادية خانقة.. وهو ما كان يوم 30 حزيران عندما نزلت الملايين للمطالبة برحيل مرسي. ليس دفاعاً عن المجلس العسكري، لكن كانت رغبة الجيش ومصلحته أن يتفق الإخوان ومعارضوهم على آليات لحل الأزمة، لكن الإخوان راهنوا على أن الولايات المتحدة ستطلب من الجيش عدم التدخل، وأن قوى المعارضة ستبقى في الشارع بضعة أيام ثم تعود الى بيوتها وهو ما يمكن فهمه من تصريحات الدكتور عصام العريان التي قال فيها بأن "قوى المعارضة غير قادرة على الحفاظ على حشودها لأنها لا تمتلك التنظيم". وبدلاً من فهم الرسالة التي أوصلتها الحشود يوم 30 حزيران، قام الإخوان بعملية حشد مضاد. حشود مقابل حشود.. جماهير في مواجهة بعضها.. ماذا كان بإمكان الجيش أن يفعل.. أن ينتظر المذبحة وانهيار الدولة!في المحصلة تدخل الجيش، ربما بعلم أميركي لكن بالتأكيد ضد رغبة واشنطن (وهذا ما يمكن استنتاجه من بيان الرئيس أوباما)، وكان ما شاهده العالم أجمع من انقلاب مدعوم بتظاهرات شعبية عارمة، ولكنه انقلاب في آخر المطاف.لم يظلمهم أحد، ولكنهم ظلموا أنفسهم. الإخوان أوهموا أنفسهم أن رضى "السيد الأبيض" هو طريقهم للتمكين.. لكنه كان الطريق الأسرع لمغادرتهم قصر الاتحادية ولخسارتهم لقسم كبير من المتعاطفين معهم.