خبر : في سورية: حسم الصراع ممنوع على الطرفين ...محمد ياغي

الجمعة 21 يونيو 2013 10:03 ص / بتوقيت القدس +2GMT
في سورية: حسم الصراع ممنوع على الطرفين ...محمد ياغي



لقد أصبح من المؤكد أن العديد من القوى الدولية والإقليمية لا ترغب في نهاية للحرب الأهلية في سورية لأن المطلوب ليس إسقاط النظام السوري ولكن استنزاف موارد الدولة وإضعاف جيشها وخلق صراع طائفي بها حتى يتم تحييدها ومنعها من التأثير في محيطها. ليس هذا فحسب، ولكن مطلوب من الحرب الأهلية في سورية أن تنتقل أيضاً إلى لبنان ليتم التخلص من حزب الله، قبل فتح جبهة الصراع العسكري مع إيران، وكل هذا دون أن تخسر إسرائيل طلقة واحدة. بلا حياء أو خجل وعلى رؤوس الأشهاد يجتمع علماء الفتنة والضلال في القاهرة ليعلنوا النفير والجهاد على جزء من شعبهم العربي المسلم في سورية وعلى حزب الله. وهم الذين لم يجتمعوا مرة واحدة من أجل إعلان الجهاد والتعبئة من أجل فلسطين بعد أكثر من ستة عقود على احتلالها. هؤلاء هم من أنتجوا "القاعدة" وإخوتها عندما استنفروا الشباب العربي-المسلم ووجهوهم باتجاه أفغانستان في بدايات ثمانينيات القرن الماضي لمحاربة ما سموه المد الشيوعي. لم تعد العلاقة بين هؤلاء "العلماء" وأصحاب النفوذ المالي في العربية السعودية والمخابرات المركزية الأميركية أمراً سرياً، فقبل عشر سنوات كتب زبغيو بريجينسكي، مستشار الرئيس كارتر للأمن القومي ذكرياته عن تلك الفترة عندما قررت أميركا، وليس "العلماء"، فتح باب الجهاد في أفغانستان. "العلماء" كانت وظيفتهم الحشد والتعبئة، والعربية السعودية كانت الممول، والمخابرات المركزية كانت المسلح والمدرب. خلال عشر سنوات صرفت السعودية على تلك الحرب خمسة مليارات دولار وماثلتها الولايات المتحدة بنفس المبلغ. هؤلاء الذين تم تمويلهم وتسليحهم هم من قاموا بهجمات 11 سبتمبر 2011، ومدريد 2004 ولندن 2005، وهم من حولوا النضال الوطني ضد الاحتلال الأميركي للعراق إلى حرب طائفية بغيضة. هؤلاء هم من يعاني العرب والعالم أجمع منهم إلى يومنا هذا.. لكن ذلك لا يثير قلق "العلماء" ولا الجهات التي تقف خلفهم. الغريب في الأمر أن بريجينسكي لم يشعر بالحاجة للاعتذار عندما تم سؤاله إن كان يشعر بالندم على "إعلانه فتح باب الجهاد في أفغانستان" لأنه يعتقد بأن هزيمة الاتحاد السوفييتي لا تعلو فوقها أية نتائج جانبية حتى لو كانت هجمات 11 سبتمبر.بالمثل، لم يشعر رئيس أكبر دولة عربية بالخجل من نفسه وهو يعلن عن قطع العلاقات مع سورية وطرد سفيرها وسحب سفيره في الوقت الذي لا يزال علم إسرائيل يرفف في سماء القاهرة، وسفيرها يمارس مهامه بكل راحة في القاهرة، بينما حكومته تمارس الحصار على غزة وتنهب أراضي الفلسطينيين في الضفة وتهود القدس. وهو موقف شبيه بموقف مبارك في بداية التدخل الجهادي في أفغانستان عندما غض الطرف عن تجميع الآلاف من المصرين في حافلات لإرسالهم للحرب في أفغانستان.ولم يشعر مرسي بالخجل وهو يعلن عن قراراته في اجتماع طائفي هدفه تعزيز الفرقة والانقسام في العالم العربي، بينما هو رئيس دولة كانت في يوم من الأيام القلب النابض والموحد للأمة العربية. يهرب الرئيس من مشاكلة الداخلية إلى الخارج.. إلى حيث يمكنه الحصول على القليل من الرضا الأميركي والسعودي، لعل ذلك يساهم في جلب بضعة دولارات لمصر ويبعد عن "جماعته" بعضاً من الضغوط التي تمارس عليها بسبب استئثارها بالسلطة وإدارة ظهرها لكل ما هو مختلف معها. بلا خجل أو حياء يتم استثمار الدين الإسلامي لا لتهدئة الخواطر وجمع الفرقاء وتأليف القلوب، ولكن لإعمال القتل في شعوبهم وتدمير آخر مواقع القوة التي لديهم. القوى الدولية وحلفاؤها الإقليمين دولاً و"مشايخ" يريدون لهذه الحرب أن تستمر حتى لو قتل فيها مليون سوري.. هذا الدم هو آخر ما يشغل فكرهم. بدأت الحرب بتسليح المعارضة وحشد عشرات الآلاف من "الجهاديين" (من اكثر من 35 دولة عربية وغربية) لإسقاط النظام السوري، لكن هذه الدول لم تقدم لـ"مجاهديها" الأسلحة النوعية القادرة على حسم المعركة لأنها لا تريد حسماً سريعاً للصراع. وبعد أن تمكن النظام وحلفاؤه من هزيمة "المجاهدين" في القصير ومن أخذ زمام المبادرة في المعركة، بدأت عملية تسليح جديدة للمجاهدين بنوعية أفضل من الأسلحة.. وعندما يقترب "المجاهدون" من الحسم، سيتم منع السلاح عنهم ليتمكن النظام من التقاط أنفاسه وإعادة التوازن العسكري لطبيعته. هذه الحرب غايتها الوحيدة استمرار المذبحة، لأن استمرارها يوفر الأمن والتفوق لإسرائيل على المدى البعيد.. والعيون ليست على سورية وشعبها وإنما على إيران وحلفائها.علماء الفتنة يدركون ذلك جيداً.. لكن هؤلاء مجرد مجموعة من الموظفين، يتقاضون رواتبهم في نهاية الشهر مقابل تحليل المحرم خدمة لمن يقدم لهم الأموال.. وقد كان الدكتور الزهار صادقاً عندما قال إن هؤلاء يتحملون مسؤولية ما أفتوا فيه، رافضاً في الوقت نفسه التعقيب على فتواهم لأن من بينهم علماء يفتون لـ"حماس." المشكلة هي في أن الرئيس مرسي وجماعته يدركون ذلك جيداً، لكنهم بالتأكيد لا يكترثون لأن ما يشغل بالهم ليس سورية وأهلها.. ولكن كيف يمكن استغلال الحرب في سورية لتعزيز وجودهم في مصر وتثبيت أقدامهم.. وعلينا أن لا نستغرب ذلك منهم، لأنهم كانوا أول من أدار ظهره لفلسطين بعد الربيع العربي.. فهم من أبقى الحصار على غزة، وهم من يحاولون نسيان وجود قضية اسمها فلسطين، بعد أن أشبعوا العالم مسيرات تضامن معها في ظل نظام مبارك. سورية إذاً أمام وضع شائك.. لقد وقعت في المصيدة.. ولن تنتهي الحرب فيها قبل استكمال أهدافها، والفضل في ذلك يعود إلى جماعات الإسلام السياسي التي لا هم لها إلا الوصول إلى السلطة ولو على حساب ملايين الضحايا.