خبر : بركاتك... يا انقسام ...صادق الشافعي

السبت 25 مايو 2013 11:54 ص / بتوقيت القدس +2GMT
بركاتك... يا انقسام ...صادق الشافعي



بركات الانقسام كثيرة ويصعب حصرها، منذ ذلك اليوم المشؤوم الذي تم فيه اللجوء الى السلاح لحسم الخلاف السياسي والذي صدر فيه تشريع بفتوى يحلل استباحة الدم الفلسطيني ويسمح لقابيل إقامة صلاة شكر على ذبح أخيه.وكرت مسبحة بركات الانقسام لتدخل إلى حياة الناس وعاداتهم وعباداتهم تضييقاً وعسفاً وقهراً إن في ملبسهم أو في اختلاطهم، وإن في مدارسهم وجامعاتهم، وإن في ممارسة حقوقهم الديمقراطية والنقابية.وأوصلتنا بركات الانقسام لأن يصبح لنا، ونحن لم ننجز بعد مرحلة تحررنا الوطني، كيانان سياسيان وحكومتان، ووزيران ووزارتان لكل مجال، ومنظومتان من أجهزة الأمن، وتشريعان في اكثر من مجال في حياة الناس.وتتمدد بركات الانقسام لتطارد وحدة شرعية التمثيل السياسي مهددة بقسمتها، منسجمة مع ارتباطات معينة ومن تطلعات وأهداف ضيقة وحسابات ذاتية وأنانية.كل هذه البركات، وغيرها، تفيض علينا ويتواصل تزايدها وتتكرس كحقائق أمر واقع ونحن نتلهى ونلهي ناسنا بتفاهمات واتفاقات مصالحة، ثم اتفاقات مصالحة جديدة، ثم اتفاقات لتطبيق الاتفاقات ثم...لا شيء : لا انقسام يزول ولا مصالحة تتحقق ولا وحدة وطنية تستعاد.وكأن هذه البركات لا تكفي.الآن يفيض علينا الانقسام ببركة جديدة من بركاته المرة.انه ينقل الموقف من فلسطين والفلسطينيين من دائرة الإجماع الشعبي العربي، التي ظل مستقراً فيها، تأييداً ودعماً ومساهمة وانخراطاً، إلى دائرة الجدل الخلافي وربما القسمة.بدأ الجدل الخلافي مع بداية الانقسام الفلسطيني نفسه ولكنه ظل محصوراً في شكل انحيازات الى تنظيمات وسياسات ومواقف، وبقي في إطار الالتزام بالقضية الوطنية الفلسطينية والنضال الوطني والإجماع حولهما ودعمهما.لكن مع الحدث السوري تطورت الأمور بشكل يلحق الضرر بالناس والقضيبة وينذر بضرر اكبر. فقد انحازت "حماس" الى جانب قوى المعارضة السورية، وضد النظام الذي شكل حاضنتها وداعمها الأساسي لسنوات طويلة. ولم يكن لهذا الموقف من ضرورة وطنية الا ضرورة انحياز "حماس" لصالح نظرائها في العقيدة الفكرية /السياسية.وأهلنا في مخيمات سورية وخارجها هم من يدفعون ثمن هذا الانحياز.الأمر يتكرر الآن مع مصر، على نفس قاعدة انحياز "حماس" الى نظراء العقيدة الفكرية / السياسية.لقد تماهت "حماس" مع النظام الإخواني الجديد في مصر، بل واستقوت به، ووضعت نفسها في تصرفه، ومحت كل حدود وفواصل تفرضها طبيعة القضية الفلسطينية وضروراتها فدخلت بذلك، من موقع الانحياز للنظام وخدمته، طرفا في ما يدور في مصر من نضالات تخوضها المعارضة الشعبية الواسعة لمقاومة أهل النظام في سعيهم للاستحواذ على كل مقدرات البلد ومقوماتها ومفاصلها. وهذا ما أدى الى اتهام "حماس" من قبل قطاعات واسعة من الناس ومن أغلبية الإعلام المستقل بالضلوع العملي في العديد من القضايا الحساسة، او التي تمس الأمن الوطني المصري. بالذات تلك القضايا التي تتعلق بشبه جزيرة سيناء وحدودها مع الكيان الصهيوني ومع قطاع غزة، وما يدور فيها من اضطرابات وقلاقل خطرة، وأيضا في ما يدور حولها من لغط حول مشاريع مستقبلية تمس وحدة الوطن المصري، وسيادته وامنه الوطنيين.النتيجة أن أهلنا في قطاع غزة يدفعون الثمن المباشر لهذا الانحياز لنظراء العقيدة الفكرية/ السياسية والتبعية لهم وخدمتهم، وذلك على شكل تضييقات على معيشتهم وحرية تنقلهم، خصوصا وان مصر هي الحبل السري الوحيد الذي يربط القطاع بالعالم والرئة التي لا يكون تنفسه الا بها.وما شهده معبر رفح من إغلاق ومن تكدس أهل القطاع العائدين الى بيوتهم لعدة أيام في الأسبوع الماضي، سوى المثل الأحدث على ما نقول.لا احد يطلب من "حماس" فك عرى علاقتها بحركة الإخوان المسلمين وحزبها الحاكم في مصر لكن يطلب منها المبادرة الى وضع الحدود والفواصل الضرورية بين الالتقاء الفكري/ السياسي والتنظيمي مع الجماعة الحاكمة وأهدافها وطرائق حكمها، لصالح الإبقاء على بوصلة العلاقة مع مصر متجهة بثبات، وكما ظلت دائماً، باتجاه أهل مصر وكافة قواها السياسية.مطلوب من حركة حماس ان تبادر هي الى إزالة كل لبس ودفع كل اتهام بالدرجة القصوى من الإيجابية ومن الوضوح والشفافية وحتى لو تطلب ذلك إجراءات عملية بعينها.هناك حديث كثير وعلى درجة عالية من الجدية ان حل مشكلة معبر رفح، (وبالارتباط معها قضية الإنفاق والمطالبة الملحة بإغلاقها)، وهو ما يخفف على الناس الكثير من الأعباء، لا يمكن ان يتم الا بتحقق المصالحة الفلسطينية. ذلك ان الطرف الفلسطيني الموقع على الاتفاق الدولي الذي ينظّم الحركة في المعبر هو السلطة الوطنية، وان أجهزتها هي التي يجب ان تشرف على المعبر والحركة فيه، كما يفرض ذلك الاتفاق.اذا كان الأمر كذلك والحديث صحيحا، لماذا لا يتم الاتفاق على ترتيب يحل هذه المشكلة بين السلطة الوطنية و"حماس" وبحيث تكون السلطة هي فعلا المشرف رسميا على المعبر، ونريح بذلك ناسنا؟ لا يبدو الأمر على هذه الدرجة من التعقيد؟ ولماذا لا يكون مثل هذا الترتيب أول الثمار العملية لكل الخطابات الحماسية عن الإيمان بتجاوز الانقسام واستعادة الوحدة، بعد ان ظلت حتى الآن لا تطرح اي ثمر؟