خبر : القانون الضائع ...د.أحمد يوسف أحمد

الثلاثاء 30 أبريل 2013 10:28 م / بتوقيت القدس +2GMT
القانون الضائع ...د.أحمد يوسف أحمد



تصور بعض قيادات الثورة والمعارضة إزاء تهافت البدائل في الانتخابات الرئاسية أن بمقدوره أن يلجأ إلى تأييد مرشح "الإخوان المسلمين" طالما أنه يعطيهم وعوداً محددة، ويستجيب لطلباتهم. نسي هؤلاء خبراتهم الأليمة مع "الإخوان المسلمين" في تاريخ مصر الحديث والمعاصر، واعتقدوا أن دور "الإخوان" في الثورة يجُب هذه الخبرات، خاصة أن المشهد السياسي المصري كان يعاني محدودية البدائل بين مرشح ينتمي إلى جماعة "الإخوان المسلمين"، وآخر محسوب على النظام السابق تماماً مع اعتراف بقدرته على الإنجاز، وكان ثمة فريقان في هذا الخصوص: أولهما يرى أن خطر "الإخوان المسلمين" أشد، لأن خلفهم تنظيماً ذا ميول تكشف في النهاية عن اتجاهات فاشية، وسوف يكون إخراجهم من السلطة من رابع المستحيلات، خاصة أنهم أكثر التنظيمات العاملة في الساحة السياسية المصرية قدرة على حشد الشباب، كما أنهم يملكون نخبة تستطيع أن تقوم بمهمة حكم مصر، ناهيك عن مشاركة الفصائل السياسية الأخرى في الاضطلاع بمسؤولية الحكم (وهو ما ثبت خطؤه لاحقاً). أما بخصوص الرأي الثاني فقد ذهب إلى ضرورة انتخاب مرشح "الفلول" لأنه يبقى في النهاية فرداً لا قاعدة جماهيرية منظمة له، ومن ثم فسوف يكون الأكثر تأثراً بالضغوط الديمقراطية لقوى المعارضة، وهذه سمة من سمات النظم الديمقراطية، وحتى لو استند إلى المؤسسة العسكرية فهي أقل خطراً على مصر من "الإخوان المسلمين". وفي النهاية فاز مرشح "الإخوان" على منافسه بفارق ضئيل للغاية، وأُسدل الستار رسمياً على المرحلة الانتقالية، أو هكذا تصورت الغالبية، ومن المهم في هذا السياق أن نذكر أن هذه المرحلة كانت على عكس المتوقع أقرب بقيمها وممارساتها إلى روح القانون والديمقراطية، ففي ظلها سادت النظرة إلى ضرورة أن تتم الآليات الثورية المتبعة وفقاً للقانون بما في ذلك محاكمة رأس النظام السابق وولديه وكبار معاونيه، إذ لم يكن يليق بثورة شعبية سلمية نجحت بوسائل نضال سياسية أن تُراق فيها الدماء أو يؤاخذ البعض بجريرة لم يرتكبها، أو تُقام محاكم ثورية خاصة تعمل "بروح الانتقام" وليس لتحقيق "جوهر العدالة". ومع ذلك فقد كانت ثمة مؤشرات مقلقة أبطالها من شباب "الإخوان" الذين استُخدموا غير مرة في مناسبات سياسية لتعويض غياب الإنجاز المطلوب من قبلهم من جهاز الشرطة والمؤسسة العسكرية، وكان أخطر هذه الاستخدامات بسبب قرار المحكمة الدستورية العليا النظر في بعض القضايا ذات الأهمية الفائقة بالنسبة لـ"الإخوان" مثل النظر في مدى دستورية تشكيل مجلس الشورى الذي كان واضحاً أن ثمة دوراً مهماً يُعد له، وهو ما ظهر لاحقاً في الدستور الجديد الذي أناط به مهمة التشريع إلى حين إجراء الانتخابات التشريعية القادمة، وكذلك النظر في مدى دستورية تشكيل "الجمعية التأسيسية" التي وضعت اللمسات الأخيرة للدستور في عشية وضحاها. وفي ظل مناخ كشف عن جهل فاضح بالقانون عامة والنظام القضائي المصري خاصة تمت محاصرة مبنى المحكمة الدستورية أياماً ومنعها من القيام بعملها في واقعة هي الأولى من نوعها في مصر والوطن العربي وربما العالم أجمع.وعندما تولى رئيس الجمهورية الحالي منصبه حاول الالتفاف على قرار المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب بدعوته المجلس للانعقاد "للنظر في قرار حله"، وهو تغوُل لا يليق من السلطة التنفيذية على سلطة القضاء، والمضحك أن يُطرح قرار الحل على جهة قضائية تعلم تمام العلم فساد القرار الذي اتخذه رئيس الجمهورية، وهكذا سلم الأخير بخطئه بشأن قرار حل المحكمة الدستورية مجلس الشعب مرتين. وفي واقعة أخرى حاول الرئيس عزل النائب العام السابق غير المنتمي لـ"الإخوان المسلمين" بحجة أنه "من الفلول"، وإن كانت الأمانة تقتضي الاعتراف بأن عزل النائب العام السابق كان مطلباً لعدد من القوى الثورية، ولأن عزل النائب العام لم يكن ضمن سلطات رئيس الجمهورية فقد عينه سفيراً لمصر لدى الفاتيكان للتغلب على فكرة العزل، غير أن النائب العام السابق أعلن رفضه المنصب، وأُحبطت المحاولة، وهنا لم يجد رئيس الجمهورية بداً من إصدار إعلان دستوري جديد في 21/11/2012 أطلق سلطاته باعتبار أن قراراته أصبحت محصنة ضد سلطة القضاء، فالمحكمة الدستورية العليا أصبح يُحدد لها ما تنظر فيه، وهكذا أصبحت قرارات رئيس الجمهورية محصنة ضد رقابة أعلى جهة في النظام القضائي المصري، وهي المحكمة الدستورية العليا، إذ أقر الإعلان أنه ليس ضمن نطاق اختصاصاتها أن تنظر في الدعاوى المرفوعة أمامها حول مدى دستورية "تشكيل مجلس الشورى"، وكذلك حول بطلان تشكيل "الجمعية التأسيسية للدستور"، وتضمن الإعلان نصاً يحدد مدة البقاء في منصب النائب العام بحد أقصى كان النائب العام السابق قد تجاوزه، مع النص في الإعلان أيضاً على أن يقوم رئيس الجمهورية بتعيين النائب العام الجديد، وسارع الرئيس بالفعل بتعيين نائب عام جديد محسوب على "الإخوان". لكن الإبل لا تُورد هكذا، فقد أثار الإعلان حفيظة القوى السياسية الديمقراطية، وكذلك رجال القضاء الذين رفضوا بما يشبه الإجماع التداعيات "القضائية" المترتبة على الإعلان الدستوري، وطالبوا بعودة النائب العام السابق باعتباره نائباً عاماً شرعياً، وباستقالة النائب العام الجديد أو إقالته، وفيما بعد حصل النائب العام السابق على حكم واجب النفاذ بإعادته لمنصبه ما زالت الجهات الإدارية تمتنع عن تسليمه صورة منه، ولم تقتصر التداعيات عند حد القضاء، وإنما تم تكوين جبهة سُميت "جبهة الإنقاذ الوطني" للتصدي لتغول السلطة التنفيذية، وقد ضمت الجبهة كافة عناصر القوى المدنية، ولولا عدم إحكام تنظيمها للعبت دوراً أساساً في التصدي للحكم الحالي، وهو ما يؤرق "الإخوان المسلمين" بالفعل، ناهيك عن التحركات في الشارع السياسي المصري، ولعل هذه التداعيات هي التي أسرعت بإجراءات اعتماد الدستور الجديد بعد أن قام رئيس الجمهورية بتعديلات متعمدة في تشكيل "مجلس الشورى" الذي لم يشارك في انتخابه سوى 7٪ من الناخبين، وأدخل رئيس الجمهورية على تكوينه ما يجعله أكثر انحيازاً لجماعته، وقد استخدم سلطاته قبل العمل بالدستور الجديد بمدة وجيزة بتعيين تسعين عضواً جديداً بالمجلس معظمهم من "الإخوان المسلمين"، فهل هذا مجلس تُناط به سلطة تشريع حقيقية إلى حين إجراء الانتخابات التشريعية القادمة التي لا يعلم إلا الله وحده متى تتم، بينما يتولى "مجلس الشورى" عجيب التشكيل سلطة التشريع لثورة يناير المصرية؟ تمثل الأزمة الراهنة امتداداً لكل ما سبق من محاولات لتركيع السلطة القضائية، فقد تقدم "حزب الوسط" الإسلامي بمقترح لقانون جديد للسلطة القضائية أخطر ما فيه أنه يخفض سن الإحالة إلى المعاش للقضاة، ما سيجعله سيفاً بتاراً بمجرد إقراره تتم بواسطته التضحية بآلاف القضاة دفعة واحدة، وقد استشعر رئيس الجمهورية ردود أفعال القضاة والقوى السياسية لذلك أعلن موافقته على مطالب القضاة دون أن يكون هناك موقف مماثل من حزبه (الحرية والعدالة)، ولذلك لا يعرف المرء إن كان هذا موقفاً سيصر رئيس الجمهورية عليه، أم أنها "لعبة توزيع أدوار"، وسيظهر هذا لاحقاً في "مؤتمر العدالة" الذي طالب به رئيس المجلس الأعلى للقضاء، ويفترض أن يكون الإعداد له قد بدأ بالفعل. لكن هذا كله لا يغني عن ضرورة المواجهة السياسية للحكم الحالي، وهذه قضية أخرى.