خبر : مآل «الربيع العربي» ...د. أحمد يوسف أحمد

الخميس 18 أبريل 2013 08:44 ص / بتوقيت القدس +2GMT
مآل «الربيع العربي» ...د. أحمد يوسف أحمد



لم أكن من المتحمسين عادةً لقراءة كل ما يكتبه الكاتب السياسي الأميركي الشهير توماس فريدمان. كنت أشعر في أفكاره وتحليلاته بشيء من الاستعلاء، وكأنه يعكس بشكل غير رسمي المكانة الأميركية في العلاقات الدولية. من ناحية ثانية كان واضحاً أنه متأثر حتى النخاع بالانحيازات الأميركية في العلاقات الدولية، وبصفة خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي- الإسرائيلي، وبالتالي لم يكن يوماً من المدافعين عن الحقوق الفلسطينية والعربية تجاه إسرائيل. وأخيراً كان من الواضح أحياناً أن مصادره من المثقفين والكتاب المنتمين للمنطقة منتقاة كي تتسق مع وجهة النظر التي يريد أن ينقلها في مقالاته، لكنه كتب في هذه المرة عن موضوع يهمنا جميعاً يتعلق بمستقبل "الربيع العربي" يستحق أن نقف أمامه ونناقشه. كتب فريدمان في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية يوم 9 أبريل الجاري مقالاً بعنوان "the Arab quarter century"، وفي هذا المقال أكد فريدمان أن مصطلح "الربيع العربي" لم يعد له أي مغزى في الوقت الحاضر، بل إن المصطلح الأوسع وهو "الصحوة العربية" لم يعد ينطبق على الأوضاع القائمة في المنطقة، وأكد أنه من الأفضل أن نطلق على ما تمر به المنطقة الآن "العقد العربي"، أو"ربع القرن العربي" الذي يعكس حالة من عدم الاستقرار نتيجة الصراع من أجل مستقبل الإسلام ومستقبل الدول العربية، باعتباره صراعاً داخل حضارة. وأشار فريدمان إلى أنه كان من السهولة بمكان في البداية أن نشبه "الربيع العربي" بسقوط حائط برلين، لكنه من الواضح الآن أن التشبيه الصحيح هو حروب أوروبا التي استمرت ثلاثين عاماً في القرن السابع عشر، وكانت خليطاً بشعاً من الصراع السياسي والديني نتج عنه في النهاية نظام جديد. وكما يُفهم من سياق المقال فإنه يربط هذا بالنظم السابقة التي أطلق عليها وصف "كوارث بطيئة الحركة"، وأن إطاحة قادتها تمت بسبب أنهم خذلوا شعوبهم كثيراً، واعترف -في إشارة للولايات المتحدة والقوى الغربية- بأنها لم تدفع "الربيع العربي" لكنها لم تستطع إيقافه، وأشار إلى أن ثورات "الربيع العربي" بدأت بمطالب حماسية وشجاعة لنيل الحرية من قبل الشباب، ولكن سرعان ما حدث التنافس داخلها بين الراغبين في "إسلام" أكثر أو "علمانية" أكثر، أو من يفضلون استعادة الوضع (الذي كان قائماً). وأضاف فريدمان أن شيئين أثارا دهشته أولهما عدم كفاءة "الإخوان المسلمين" ورغبتهم الدائمة في الاستزادة من السلطة، مع أن القاعدة الواسعة للسلطة ضرورية للقيام بالإصلاح الاقتصادي الضروري والمؤلم في آن واحد. وأما الشيء الثاني فهو مدى الضعف الذي اتسمت به المعارضة، وتحدث في هذا السياق عما أسماه بمأساة إفلاس يسار الوسط العربي، وقد استعان في هذا الصدد بملاحظات "مارك لينش" الخبير في شؤون الشرق الأوسط بجامعة واشنطن، الذي يرد هذا الضعف إلى التخريب الذي مارسته النظم السابقة تجاه أحزاب هذه النخبة المدنية التي تكونت من روافد كثيرة كان ما يجمع بينها هو التوحد ضد هذه النظم، وقد أفقد هذا التخريب تلك النخبة ثقة الرأي العام. وأضاف "لينش" أنه منذ تولى "الإخوان المسلمون" السلطة في مصر لم تعرف سوى الإخفاق الاقتصادي والانهيار السياسي، وبذلك تدهور وضع "الإخوان"، بحيث عادوا إلى القاعدة الأصلية لتأييدهم ونسبتها 25%، ولا مجال أمامهم للفوز في انتخابات نزيهة، وهذا هو السبب في أن المعارضة يجب أن تدخل الانتخابات البرلمانية القادمة لا أن تقاطعها على الأقل للتدريب على الممارسة السياسية من خلال الهزيمة والفوز. ولا توجد قوة خارجية قادرة الآن على إعادة الاستقرار للمنطقة بإعادة احتلال الدول الكبرى بلدان هذه المنطقة لأن كل ما ستكسبه هو "فاتورة"، كذلك لم يعد هناك ديكتاتور قادر على السيطرة على تلك البلدان لأن الشعوب تخلصت من خوفها، ومن ناحية ثالثة لا يكمن الحل في مزيد من "أسلمة" النظام السياسي، وإنما من خلال التنمية البشرية، وإن كان الشباب بحاجة إلى قادة قادرين على جمع شعوبهم حول هذه الرؤية. وأخيراً اعتبر فريدمان في ضوء هذا الظرف أن خيار الولايات المتحدة الأخير والسيئ هو استخدام مساعداتها الاقتصادية للإصرار على اتباع النهج الديمقراطي. ولاشك أن المقال يتضمن كثيراً من الأفكار الواقعية، غير أن بعضها يحتاج نقاشاً، ولنبدأ من حيث انتهى، إذ يبدو من نهاية المقال، وكأن المخرج الوحيد هو الضغوط الاقتصادية التي يجب أن تمارسها الولايات المتحدة من أجل دفع التطور الديمقراطي في بلدان "الربيع العربي"، ومع أننا لا نعطي العوامل الخارجية الدور الأساسي في التحليل إلا أن الولايات المتحدة جزء من المشكلة وليس الحل، فهي التي دعمت النظم السابقة لأنها كانت تحقق لها مصالح استراتيجية، وبالتالي تعتبر شريكاً في كل ما ارتكبته تلك النظم بحق شعوبها، وكذلك تكرر الخطـأ نفسه في علاقتها بالديكتاتوريات الجديدة الناشئة. ومن ناحية ثانية لا يُعتقد أن دول "الربيع العربي" ستدخل في الحروب التي شهدتها أوروبا في القرن السابع عشر، وإنما الخطر الحقيقي في أن تنتكس من جديد إلى نظم شديدة الديكتاتورية لأن مصدر شرعيتها الأساس سوف يكون "دينياً"، أو في أن تتفكك الدول العربية إلى دويلات مضطربة العلاقات فيما بينها، وإن لم تصل إلى درجة حروب الثلاثين عاماً في أوروبا القرن السابع عشر. ويتمثل هذان السيناريوهان على أرض الواقع بالفعل، فالنظم "الدينية" تمضي في طريقها -كما أشار المقال- نحو خلق ديكتاتوريات جديدة، كما أن سيناريو الانقسام ما زال يخيّم على اليمن، وقد سبق حدوثه في غير دول "الربيع العربي"، سواء كخطر أو كواقع كما في الحالات الصومالية والعراقية والفلسطينية والسودانية. ولا شك أن حديثه عن عدم كفاءة "الإخوان المسلمين" ورغبتهم في تركيز السلطة صحيح، وعندما يتعمق فريدمان أكثر في الكتابة عن الموضوع لابد وأن يشير إلى أن السبب الأساس في هذا كان هو انشغالهم بحماية تنظيمهم السري في مواجهة ضربات النظم الحاكمة أكثر بكثير من تدريب أنفسهم على إدارة دولة، وكذلك فإن وصولهم إلى السلطة أفقدهم توازنهم، وحماية هذه السلطة بكل السبل والوسائل الممكنة أصبحت أمراً يمثل أولوية مطلقة في جدول أعمالهم على حساب أولويات أخرى. أما ضعف المعارضة فلا يعود فحسب إلى دور النظم السابقة، وإنما يتعين الاعتراف بأن هذه سمة بنيوية في حركات المعارضة المصرية بصفة عامة. وبخصوص النقطة المحددة التي اتفق فيها فريدمان مع "لينش"، وهي ضرورة دخول المعارضة الانتخابات البرلمانية القادمة إن لم يكن للفوز، فمن أجل التعلم تجدر الإشارة إلى أن المشكلة أن هذه الانتخابات لن تكون في جوهرها نزيهة أبداً، فهي تتم في ظل قانون للانتخابات وتقسيم للدوائر وضعهما مجلس الشورى الذي تسيطر عليه أغلبية من "الإخوان المسلمين"، كما أن الجداول الانتخابية مشكوك في دقتها، بالإضافة إلى أن ثمة وسائل غير ديمقراطية لمحاربة المعارضة -كما حدث مؤخراً في انتخابات اتحاد الطلاب على مستوى الجمهورية التي لم يفز بها طلاب "الإخوان"، ولكن نفراً منهم كان قادراً على تعطيلها. وبصفة عامة يُحسب لفريدمان أنه أثار هذا الموضوع المهم، وأنه ربما يفتح الباب بهذا المقال لنقاش واسع حول هذا الموضوع شديد الصلة بحاضرنا ومستقبلنا.