خبر : زيارة الرئيس اوباما: الصحوة الامريكية الاليمة / بقلم: البروفيسور عوزي رابي

الخميس 21 مارس 2013 03:48 م / بتوقيت القدس +2GMT
زيارة الرئيس اوباما: الصحوة الامريكية الاليمة / بقلم: البروفيسور عوزي رابي



فان لادارة اوباما النية والقدرة للتصدي لمشاكل المنطقة بل والعمل بكل النشاط لحلها - المصدر).             زيارة الرئيس براك اوباما الى اسرائيل والى المنطقة في بداية ولايته الثانية توفر سببا وجيها لاجمال أولي للسياسة الخارجية الامريكية في الشرق الاوسط. وتتميز الزيارة في هذا الوقت بأهمية خاصة كبيرة في ضوء علامات الاستفهام المتزايدة في أوساط شركاء الولايات المتحدة الاقليميين حول مدى استعداد  الادارة للعمل بجد لمواجهة تحديات الساعة التي يفرضها المحيط الجغرافي السياسي المتغير في الشرق الاوسط.             وتدل الزيارة أغلب الظن على النية لتطبيق بعض من الدروس التي استخلصت في فترة ولاية اوباما الاولى، وترمي الى عرض صيغة أكثر واقعية ووعيا لمعالجة المسائل التي تشغل بال حلفاء الادارة في المنطقة وتمس بمكانة واعتبار الولايات المتحدة.             وبلا ريب فان استئناف المفاوضات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية هو أحد المواضيع التي من أجلها يأتي اوباما الى الشرق الاوسط. وخلافا للزيارة التي اجراها في بداية ولايته الاولى الى الشرق الاوسط يخيل أن هذه المرة يحرص رجال الادارة على تخفيض مستوى التوقعات والايضاح بان ليس في جعبتهم حل سحري او خطة سلام جديدة. فقد استثمرت الادارة الكثير – ماديا ومعنويا – في السلطة الفلسطينية بقيادة عرفات وابو مازن. وفي ضوء التطورات الاخيرة في السلطة يبدو أنه بدون مسيرة سياسية من شأن هذا الاستثمار ان يضيع هباء. وترمي الزيارة، ضمن امور اخرى، الى الاشارة الى ابو مازن بان الولايات المتحدة تواصل النظر اليه وليس الى حماس بصفته الجهة المركزية فتضمن بذلك بان لا يفقد صلته في صالح حماس. وعليه ففي جدول أعمال زيارة اوباما تكتيك من مرحلتين، اساسه اعادة الصلة لابو مازن وتحريك المسيرة السياسية في المنطقة. في هذه المسألة سيركز اوباما على تحقيق تفاهمات غايتها كبح جماح خطط البناء في المستوطنات مقابل استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. من هذه الناحية يمكن أن نرى في زيارة اوباما جهدا اضافيا لانقاذ واحد من إرث السياسة الامريكية في الشرق الاوسط، تعود بدايته الى اتفاق اوسلو ونهايته المرجوة الى اقامة دولتين للشعبين بالطرق السلمية.             ولكن استئناف المفاوضات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية ليس السبب الوحيد لوصول اوباما الى الشرق الاوسط. مسألة اخرى ستبحث في اثناء الزيارة ستكون النووي الايراني. في بداية ولايته الثانية ينطبق على براك اوباما واجب البرهان في كل ما يتعلق بصد ايران في السباق نحو النووي. ففشل المحادثات في كازخستان في الشهر الماضي والتجارب النووية والتهديدات التي تطلق من بيونغ يانغ تضيق بالفعل نافذة الفرص الدبلوماسية وتجعل احتواء النووي الايراني خيارا معقولا أقل. فايران نووية هي كابوس بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة بمن فيهم السعودية، دول الخليج، تركيا وبالطبع اسرائيل. الانتقاد الفظ الذي وجهه وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، الى طريقة تصرف الامريكيين في مسألة النووي الايراني وتصريحه الذي قال فيه: "اننا نرغب في وضع حد للمشكلة وليس في احتوائها" كفيل بان يدل على أن مستوى القلق المتعاظم لدى شركاء الولايات المتحدة الاقليميين وعلى علامات الاستفهام المتزايدة بالنسبة لرغبة وقدرة الولايات المتحدة على أن تتصدى بجدية لهذه المسألة.             لا تزال إدارة اوباما متمسكة بموقفها بان مسألة النووي يمكن أن تحل بوسائل دبلوماسية، ولكنها توصل التشديد على أن "كل الخيارات لا تزال على الطاولة". مؤشر هام على مجرد فهم الادارة بانه يجب تشديد الموقف في المسألة الايرانية يجد تعبيره في موقف اوباما الاخير بان "ايران ستحتاج نحو سنة كي تطور سلاحا نوويا، ولكن الولايات المتحدة لا تريد أن تصل الى هذا القدر من القرب من هذه النقطة  وستعمل بكل الوسائل لمنعها من ذلك". استخدام التعابير الزمنية في المسألة الايرانية ليس أمرا يتميز به الرئيس (الذي قبل عدة اشهر فقط رفض الاستجابة لطلب نتنياهو في تحديد جدول زمني في المسألة) ويرمي الى الايضاح لعموم اللاعبين، ولا سيما لاسرائيل، بانه توجد صيغة عمل وانها تستوجب التنسيق والتعاون بين الحلفاء.             رغم أهمية مسألتي المسيرة السلمية والنووي الايراني، تنشأ ظروف وصول اوباما الى المنطقة أساسا من النتائج المتدحرجة لـ "الربيع العربي". ففي تاريخ الشرق الاوسط الحديث فشل الغرب غير مرة في المفترق الاشكالي الذي ألزمه في أن يقرر بين مصالح جغرافية سياسية وبين التزامه بالقيم الغربية الاساس. وبهذا المفهوم، فقد أكد "الربيع العربي" بقوة اكبر التوتر البنيوي بين المصالح القومية والامنية الامريكية في المنطقة وبين الرغبة في الدفع الى الامام بقيم مثالية كالتحول الديمقراطي وحقوق الانسان. وكانت النتيجة سياسة امريكية تعاني من تشويشات في الوتيرة وانعدام الانسجام. فمنذ اندلاع الربيع العربي لا توجد استراتيجية امريكية متماسكة في الشرق الاوسط. ومع ان الامريكيين كانوا أول من ايد الثورتين في مصر وفي تونس، على أمل معلن في اقامة مجتمعات أكثر تعددية وديمقراطية. غير أن صعود احزاب الاسلام السياسي في هاتين الدولتين، وصراع الجبابرة الجاري فيهما بين سيادة الشعب وسيادة الرب كشفت عن سياسة امريكية عدمية تجاههما. ففي محاولة لمواجهة التطورات في تونس وفي مصر أوضحت ادارة اوباما بان شكل سلوك الاحزاب السياسية المختلفة سيكون اهم من ناحيتها من مذاهبها الايديولوجية، وبتعبير وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون فان "الشكل الذي تعرف به الاحزاب نفسها يهمنا أقل مما تفعله بالفعل".             غير أنها اكثر حدة من مسألة الانظمة ما بعد الثورة التي صعدت في أعقاب الربيع العربي هي المسألة النازفة في المنطقة، والتي عرفت منذ وقت قصير مضى كدولة سوريا، والتي وضعت أمام الامريكيين سلسلة من التحديات. احد مبادىء السياسة لادارة اوباما هو تخفيف حجم القوات المسلحة الامريكية في المنطقة (العراق وافغانستان) او القيام بعمل مثل التدخل الثاني في الازمة الليبية ("leading from behind"). وبموجب ذات المبدأ تبنى الامريكيون سياسة "الجلوس على الجدار" في الحالة السورية ايضا. غير أنه في بداية العام 2013 يبدو أن الامريكيين توصلوا الى الاعتراف بان مستوى الدم المرتفع في سوريا يسحق بشكل متراكم مكانتهم ومصالحهم في المنطقة. فالازمة السورية خلقت واقعا وقف في تعارض مطلق مع القيم التي حاولت الولايات المتحدة تثبيتها والمصالح التي سعت الى حمايتها في المنطقة في العقود الاخيرة، اي "تحقيق استقرار في المنطقة، مكافحة الدول المؤيدة للارهاب، منع انتشار اسلحة الدمار الشامل ودعم منظمات حقوق الانسان.             في بداية العام 2013 يبدو انه واضح للامريكيين بان عليهم ان يحركوا سياقات تحقق الاستقرار، حتى وان كان جزئيا في المجال السوري الذي تفكك الى مناطق تسيطر عليها مراكز قوى مختلفة. في سوريا وفي محيطها نشأت صورة جغرافية سياسية سائلة وخطيرة من ناحية حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة – انضمام قوات راديكالية اسلامية الى معسكر الثوار؛ رقصة السيوف بين السنة والشيعة في أقاليم الهلال الخصيب؛ والمملكة الاردنية التي تجثم تحت عبء اللاجئين السوريين.             هذه الدول (السعودية اساسا، ولكن ايضا دول الخليج، تركيا والاردن) لم تتردد في توجيه انتقادها للامريكيين بدعوى أن الواقع الناشيء هو بقدر لا بأس به نتيجة سياسة الانغلاق والانسحاب من المنطقة التي اتخذتها ادارة اوباما. فالتردد في اعطاء سلاح ثقيل للثوار هو فقط احدى المسائل التي تدل على تعقيد وتفجر المسألة السورية من ناحية ادارة اوباما. فالادارة تفهم بان اجتياحا واسعا للاراضي السورية ليس واردا، وهي مطالبة بسياسة مركبة تستند الى جهد جماعي، لوجستي، استخباري وعسكري – ثمرة تعاون كامل مع الحلفاء في المنطقة.             تأتي زيارة الرئيس الى اسرائيل والمنطقة بالتالي لتهدئة روع شركاء الولايات المتحدة الاقليميين. وهي ترمي  الى الايضاح بانه خلافا للانطباع الناشيء بشأن انطواء الولايات المتحدة في شؤونها الداخلية، فان لادارة اوباما النية والقدرة للتصدي لمشاكل المنطقة بل والعمل بكل النشاط لحلها.             الموقف الاسرائيلي العالم بجدول الاعمال الامريكي الحالي كفيل بان يستخلص من زيارة الرئيس مرابح جغرافية سياسية. فقرار اوباما أن يدخل هذه المرة اسرائيل ايضا في جولته الشرق اوسطية يدل، على نحو شبه مؤكد، على الدور الخاص المعد لاسرائيل في الصيغة المتبلورة. فالشرق الاوسط يعيش ذروة سياقات مركبة تضع تحديات جديدة امام اسرائيل، وفي هذه اللحظة تزداد الحيوية لتوثيق العلاقات الاستراتيجية بينها وبين الولايات المتحدة، بل ان الزيارة كفيلة بان تعمق منظومة التعاون في مسائل مثل تعزز قوة الاسلام المتطرف، مسألة النووي الايراني والصراع من أجل منع انتشار السلاح غير التقليدي. نشاط اسرائيلي في اطار شبة التعاون الاقليمي كفيل بان يساهم في التحسين المنشود للعلاقات بين اسرائيل وتركيا، وكذا يحافظ على التفاهمات الاساسية في اتفاقات السلام مع مصر والاردن. * نشرة الكترونية تصدر عن مركز ديان لبحوث الشرق الاوسط وافريقيا – جامعة تل أبيب .