خبر : حكومة حرب ...طلال عوكل

الإثنين 18 مارس 2013 12:46 م / بتوقيت القدس +2GMT
حكومة حرب ...طلال عوكل



من يعرف بنيامين نتنياهو لا يمكنه ان يخطئ في المدى الذي يمكن ان يذهب اليه، ذلك ان لديه قدره كبيرة على المناورة، والكذب، والذاتية المفرطة والاستعداد للتضحية بأعز واقرب حلفائه، اذا كان التمسك بهم سيؤدي الى خسارته، وان ذلك سيكون على حسابه. في ضوء ذلك ما كان ممكنا في كل الاحوال ان يتجاوز نتنياهو المدة القانونية المتاحة له لتشكيل حكومته دون ان ينجح في ذلك، بغض النظر عن الثمن الذي يدفعه حزبه او حلفاؤه، نتنياهو كان يقرأ مدى صعوبة المشهد السياسي الذي افرزته الانتخابات الاخيرة، وكان يعرف انه لا يستطيع تشكيل حكومة بالاعتماد على حلفائه التقليديين من اليمين الديني، والاحزاب اليمينية المتطرفة التقليدية، فهؤلاء جميعا لا يحوزون على اكثر من ثمانية وخمسين مقعداً، هي غير كافية لتمرير حكومته في الكنيست. بعد استنفاد الفرصة المتاحة الاولى وهي اربعة اسابيع، اعتمد خلالها نتنياهو المناورة وهو يعرف انه لن ينجح، عاد ليستنزف الاسبوعين الاخيرين، ولكنه قرر اتخاذ الخيار الاخير، ودفع الثمن، قبل يومين من انقضاء المهلة القانونية الثانية. تسفي ليفني، التي تحوز على كتلة من ستة مقاعد في الكنيست، لا يمكن ان تكون الطرف الاول الذي يتفق معه نتنياهو فأولويات البحث والاتصال تذهب الى كتل اخرى، لكنه آثر ان يبدأ بها، من قبيل الحاجة لدورها في تسويق سياسة اسرائيلية كاذبة تقوم على المناورة والعلاقات العامة. ليفني دورها مطلوب، وهي المرشحة المناسبة اكثر من غيرها، لكي يسوق من خلالها حملة يضطر اليها، لايهام الادارة الاميركية والمجتمع الدولي، والفلسطينيين بأنه جاد في الالتزام بنهج السلام وانه مستعد لترطيب الاجواء من اجل استئناف المفاوضات. وليفني لها تجربة طويلة في التفاوض مع الفلسطينيين حين كانت وزيرة خارجية في حكومة ايهود اولمرت، لكن المفاوضات معها افضت الى لا شيء، رغم ان الرئيس محمود عباس صرح في وقت سابق ان المفاوضات مع حكومة اولمرت احتاجت الى شهرين اضافيين قبل استقالته حتى تصل الى اتفاق. من المؤكد ان ليفني في احسن الاحوال، لن تبدأ من حيث انتهت المفاوضات السابقة، فحكومة جديدة برئاسة نتنياهو، وبعد كل ما فعلته ستعود المفاوضات الى المربع الاول اذا قيض للمفاوضات ان تستأنف من جديد. ليفني باختصار مطلوب منها ان تدرس متاهة بافلوف جيدا وان تقوم بتدويخ الفلسطينيين وغير الفلسطينيين من المراهنين على امكانية نجاح نهج التفاوض في احراز اتفاق سلام يعيد للفلسطينيين حقوقهم التي قطعت السياسات الاسرائيلية اشواطا بعيدة في نهشها وفي استنزافها. نتنياهو حتى يشكل الحكومة، ويجنب تحالف ليكود بيتنا المزيد من الخسائر في صناديق الاقتراع، وبعد الخسائر التي تكبدها في الانتخابات الاخيرة، اضطر لتقديم تنازلات لصالح البيت اليهودي وهناك مستقبل على حساب الكتل الدينية والمتطرفة، التي ناصبتها الكتلتان السابقتان العداء، لم يعد وفق التشكيلة الجديدة ممكنا ان تحصل المدارس الدينية والاحزاب الدينية على الامتيازات والمخصصات الاستثنائية التي كانت تحصل عليها، ولم يعد بامكانها ان تتابع سياساتها عبر وزارتي التربية والتعليم والداخلية. وعلى كل حال لم يذهب نتنياهو بعيدا عن المناخات السياسية التي يعتمدها ويتبناها تحالف ليكود بيتنا، فالتنافس بين هذه الكتلة وكتلتي هناك مستقبل، والبيت اليهودي كان في داخل مربع اليمين وعلى ذات السياسات التي درج عليها تحالف ليكود بيتنا. التشكيلة الحكومية الجديدة، يمكن ان تتمتع باستقرار، ولكن بشراكة صعبة فهي تحظى بموافقة ثمانية وستين عضوا في الكنيست، فضلا عن ان التماثل السياسي يمكن ان يحقق لها قدرا من الاستقرار. من الواضح ان نفتالي بينيت، ويائير لابيد ليسا من المتحمسين لعملية السلام، وانهما يلتزمان سياسة الاستيطان والاحتفاظ بالمستوطنات ضمن اي بحث ومفاوضات مع الفلسطينيين. وبالاضافة الى ذلك فقد صدر عن نفتالي بينيت، ونتنياهو ما يفيد باتفاقهما على العمل بكل قوة من اجل تحقيق الطابع اليهودي للدولة، الامر الذي يعرف كلاهما ان الفلسطينيين لا يمكنهم الموافقة عليه بأي حال من الاحوال نظرا لما يؤدي اليه ذلك من كارثة ونكبة جديدة تحضر لها السياسة الاسرائيلية بحق اكثر من مليون فلسطيني ما زالوا يتمسكون بأرضهم وحقوقهم داخل الاراضي المحتلة العام ١٩٤٨. وفي الواقع وبقراءة سريعة، يمكن القول ان هذه الحكومة هي حكومة استيطان ومستوطنين، الامر الذي يشكل انعكاسا لتركيبة الكنيست التي يحظى فيها ممثلو المستوطنين والداعمون لهم بقوة كبيرة. هكذا تستقبل اسرائيل الرئيس الاميركي باراك اوباما، وعلى ضوء ذلك يمكن ان نقف على نتائج الزيارة التي سيقوم بها للمنطقة نهاية الاسبوع الحالي، وربما لذلك اطلق عضو الكنيست بنيامين بن اليعيزر تحذيره الشديد من ان الاوضاع في الضفة الغربية مهيأة لاندلاع انتفاضة ثالثة، يرى ان الرئيس محمود عباس لن يكون قادرا على منع اندلاعها، او السيطرة عليها، الفصائل الفلسطينية كلها عبرت عن مواقف وتقييمات واضحة لهذه الحكومة، واكثرها مصداقية من قال انها حكومة حرب.