خبر : المنظمات الأهلية وتحديات التمويل ...محسن ابو رمضان

الخميس 07 مارس 2013 06:44 م / بتوقيت القدس +2GMT
المنظمات الأهلية وتحديات التمويل ...محسن ابو رمضان



تواجه منظمات العمل الأهلي العديد من التحديات التمويلية التي ربما ستؤثر على أدائها  ومستقبلها علماً بأن تلك المنظمات كان لها تاريخاً طويلاً في تحقيق منهجية التنمية من اجل الصمود والمقاومة وعبر التأثير بالسياسات والقوانين على طريق ضمان مصالح الفقراء والمهمشين ومن أجل توسيع المجال الديمقراطي وضمان الحريات العامة واحترام حقوق الانسان ، كما أنها مستمرة في تقديم الخدمات والمشاريع التنموية والحقوقية لآلاف العائلات ، الأمر الذي اصبح من الصعب الاستغناء عنها في سياق ضرورة تكامل الجهد مع الوزارات من أجل الوصول إلى الأماكن النائية والفئات الاجتماعية الضعيفة.انتشرت في قطاع غزة عشرات المنظمات الدولية غير الحكومية خاصة بعد عدوان 2008 وحاولت تنفيذ برامج اغاثية دون التنسيق والمشاركة مع المنظمات المحلية ، وقد وصلت تلك المنظمات الدولية إلى مصادر التمويل التي هي من حق المنظمات الاهلية الأمر الذي أضعف الأخيرة وساهم في تجفيف مواردها ، كما تم استقطاب العديد من الكوادر المهنية والمدربة وصاحبة الخبرة للعمل في تلك المنظمات الدولية على حساب المنظمات الاهلية ، وزادت المسألة تعقيداً عندما أصبحت تشترط العديد من وكالات التمويل الدولية رئاسة احدى المنظمات سواءً الدولية أو تلك التابعة للأمم المتحدة تجمع لمنظمات ترغب بتقديم طلبات التمويل ، الامر الذي ساهم في تعزيز هيمنة المنظمات الدولية ، وتهميش الاهلية التي أصبحت عبارة عن وكيل من الباطن للمنظمات الدولية القائدة للتجمع ، لقد حدث هذه الشرط مؤخراً من خلال وكالة التنمية الهولندية وكذلك وكالة التنمية السويسرية ، وذلك فيما يتعلق بعروض لطلبات تمويل ، الخاصة بتنفيذ مشاريع زراعية في قطاع غزة ، حيث رسى العطاء على منظمة الأغذية والزراعة العالمية "FAO  " بالمرة الأولى ، كما رسى العطاء على اوكسفام إيطاليا بالمرة الثانية .وتجدر الإشارة أن العديد من المنظمات الدولية اصبحت تنفذ مشاريع بصورة مباشرة منها الصليب الأحمر ، ومنظمة الإغذية والزراعية العالمية، بما يتجاوز الوظيفة والمهمات الرئيسية الموكلة لها ،وكما يحولها إلى مؤسسات تنفيذ مشاريع ليست من اختصاصها بل من اختصاص ومهمات منظمات العمل الأهلي بما يعنى تجاوزاً لدورها التمويلي أو الذي من الممكن ان يساهم في بناء القدرات الفنية بما يؤكد مصادرة الدور الرئيسي للمنظمات الاهلية التي هي من وظيفتها المجسدة بتنفيذ تلك المشاريع خاصة إذا أدركنا أنها اقرب إلى الارض وعلى علاقة مباشرة مع الفئات الاجتماعية المستهدفة.وبالوقت الذي تعاني به المنظمات الأهلية من انتشار عشرات المنظمات الدولية التي بعضها يعمل بعقلية الربح فإنها ما زالت تعاني من التمويل المسيس ، الذي يبرز جلياً في حالة وكالة التنمية الأمريكية USAID والتي تشترط في تمويلها قيام المنظمة المتلقية التوقيع على وثيقة إدانة " الإرهاب " والتي تدرج حسب التصنيف الأمريكي عشرات المنظمات والشخصيات في قائمتها، بمعنى أن هذه الوثيقة تلزم المنظمة المحلية المتلقية على إدانة كفاح شعبنا العادل في مواجهة الاحتلال ، وكما برز مؤخراً التمويل الإقليمي والعربي الذي أصبح جزء منه يهدف إلى تمويل منظمات ذات صبغة سياسية وأيديولوجية محددة دون الاستناد إلى معايير مهنية عادلة ،وفي تجاوز للمنظمات الأهلية الأخرى ذات الرؤية الديمقراطية والحقوقية والتنموية وذات المصداقية والتاريخ ، الأمر الذي يضع جزء من هذا الدعم في دائرة التمويل المسيس ايضاً وليس المهني بالضرورة، مثل حالة التمويل القطري ، كما أن اشتراط التنفيذ عبر شركات القطاع الخاص يضعف من فلسفة العمل الأهلي القائم على الطوعية والعمل الاجتماعي، ويعزز من العقلية الريعية الربحية.إن أداء المنظمات الدولية غير الحكومية ووكالات التنمية وبعض البلدان العربية يساهم في فرض الوصاية على العملية التنموية بالمجتمع الفلسطيني، خاصة أن تلك المنظمات تحاول فرض أجندة ليست بالضرورة منسجمة مع الأجندة الوطنية ومع الاحتياجات والأولويات التي تدركها فقط المنظمات الأهلية التي تتمتع بعلاقات حيوية ووثيقة مع الفئات الاجتماعية المهمشة والضعيفة، الامر الذي يتطلب التنبيه إلى ذلك ومحاولات الضغط والتأثير على السياسة التمويلية لتصبح قائمة على تمكين وتقوية المنظمات الأهلية بدلاً من تهميشها واقصائها واضعافها وفرض الوصاية عليها ، كما يتطلب التكاتف بين المنظمات الأهلية ذاتها وتعزيز التشبيك والتنسيق والتكامل ، بما يعمل على زيادة قوة تلك المنظمات حتى تستطيع أن تتحدث بصوت واحد وتفكر في بدائل تنموية مجدية تعمل على تمكين الفقراء وضمان حقوقهم وذلك بالاستناد إلى القدرات والمهارات المحلية والفلسطينية وإلى منظمات التضامن الدولي التي تؤمن بدعم نضال شعبنا ولا تتعامل معه بوصفه سوقاً استهلاكياً لوكلاء التنمية ذو المنهجية الليبرالية الجديدة .