خبر : «عرقنة» مصر! ...د. بهجت قرني

الأربعاء 06 مارس 2013 09:22 ص / بتوقيت القدس +2GMT
«عرقنة» مصر! ...د. بهجت قرني



هل تجعل زيارة كيري الأخيرة للقاهرة من مصر «عراق الأميركان الجديد»؟ بالرغم من الكتابات الكثيرة عن الإسلاميين بعد «الربيع العربي» ووصولهم للحكم، إلا أن علاقاتهم الدولية لم تحظ بالاهتمام المماثل، مع أن الدور الخارجي قد يكون الدور الحاسم، ليس فقط في بلد مثل سوريا أو اليمن، كما كان الحال في ليبيا قبل ذلك، ولكن أيضاً في تونس ومصر، وبعد أن أصبح الإسلاميون الحكام الجدد لهذين البلدين. زيارة جون كيري الحالية لمصر، تعطينا مؤشراً عن هذه العلاقات الخارجية وتوجهاتها الحالية والمستقبلية، والمعروف أن هذه الزيارة ليست هي الأولى لكيري إلى مصر، فكما يقول هو، وصلها لأول مرة منذ 29 عاماً، ثم جاء إليها بعد «الربيع العربي» مباشرة بصحبة جون ماكين، المرشح الرئاسي السابق عن الحزب «الجمهوري»، وكان هدف الزيارة نوعاً من تقصي الحقائق ومساعدة واشنطن على تخطيط سياسة خارجية ملائمة بعد أن فوجئت الولايات المتحدة بأحداث «الربيع العربي».  ولكن يأتي «كيري» الآن بمفرده كوزير للخارجية، أي المسؤول الأول عن السياسة الخارجية الأميركية، ولذلك استمعت إلى أحاديثه وتصريحاته باهتمام. وبالرغم من الكلام الدبلوماسي المعهود عن أن المصريين هم من يخططون سياساتهم ومستقبلهم، إلا أن تصريحاته تعكس أولويات السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة. وأركز على ثلاث منها:  1- لا تزال واشنطن تنظر إلى المنطقة من خلال اهتمامها الأول والأخير بما تعتقده أنه أمن إسرائيل. وكان هذا هو الشرط الأساسي الذي أصر عليه الأميركان في محادثاتهم مع «الإخوان» حتى قبل وصول مرسي إلى رئاسة الجمهورية: عدم المساس مطلقاً باستمرارية المعاهدة المصرية - الإسرائيلية وإطار «كامب ديفيد». قد تكون هناك مواءمات تكتيكية، مثل زيادة تحرك القوات المصرية في سيناء من أجل مطاردة «الإرهابيين»، ولكن تخضع هذه للموافقة الإسرائيلية. ومن هنا نرى أن العلاقات المصرية - الأميركية، ليست ثنائية ولكن ثلاثية وبالبنط العريض. وقد قبلت الحكومة الحالية بالقاهرة بهذا التصور، وليس لديها خيار. 2- أن القاهرة وواشنطن تتفقان على أهمية المساعدة الاقتصادية وبأسرع وقت، ليس فقط من واشنطن ولكن من حلفائها في أوروبا مثلاً وكذلك من المنظمات الدولية، حيث النفوذ الأميركي وقوة واشنطن التصويتية هي الحاسمة، كما هو الحال في صندوق النقد الدولي (أو النكد الدولي كما يقال)، أو البنك الدولي. وفي هذه الناحية، فإن القاهرة في موقف ضعيف، فالمؤشرات الاقتصادية الرئيسية تؤكد الأزمة: عجز الموازنة العامة، مستوى الاحتياطي الأجنبي، مستوى البطالة والإيرادات من استثمار أو سياحة، قوة العملة المحلية، مصداقية التنافسية المصرية. كل هذه المؤشرات تبين أن مصر مثل مريض في العناية المركزة، في أشد الحاجة إلى العلاج السريع، وقد تكون فرص الصندوق هي الحلقة الأولى التي تسمح للآخرين بتقديم «الفيتامينات» المطلوبة: قرض هذا الصندوق -رغم صغر حجمه النسبي- هو مثل شهادة حسن سير وسلوك، تأثيره دخول للقروض الأخرى. 2- ولكن زيارة كيري هذه المرة تميزت بشيء جديد، إصراره على إعطاء تصورات واضحة لما سيكون عليه الوضع الداخلي في مصر، وحتى بطريقة علنية، بل تعدى في هذه الحالة التلميح إلى التصريح ثم السلوك. فقد أصر على أن يقول إن اتصالاته -وهو الممثل الحكومي- لا تقتصر على الاجتماع بوزير الخارجية أو حتى رئيس الجمهورية، بل يجتمع بكل من يعتقد أنهم يمثلون الشعب المصري، من أحزاب سياسية معارضة للحكم في مصر، وكذلك منظمات غير حكومية تعلن بكل صراحة أنها لا تقبل رئاسة مرسي. بل تقول الأنباء إن «كيري» حاول التوسط بين أطياف المعارضة المختلفة وأجهزة السلطة، وخاصة الرئاسة. ما دلالة هذه الاجتماعات من جانب وزير الخارجية الأميركي؟ الإجابة المختصرة أن واشنطن أصبحت جزءاً من العملية السياسية المصرية وبكل علانية وفي تفاصيلها المحلية. وفي البداية كانت هذه العلاقة ترتبط بالعسكريين وتدريبهم فقط. أما الآن، فالأطراف السياسية تقبل المشاركة الأميركية، بل إن السلطات الحكومية لا تستطيع وقف هذا التطور. هل تصبح السفارة الأميركية إذن مثل المندوب السامي البريطاني أيام احتلال بريطانيا لمصر؟ هل تصبح مصر العراق الجديد بالنسبة للولايات المتحدة؟ أين خطاب المقاومة الذي تشدق به حاكمو مصر الجدد عندما كانوا في صفوف المعارضة؟ هل يكون هذا المقصود بوصول «الثورة» إلى السياسة الخارجية؟