خبر : الإسلاميون والعمل السياسي قراءة في التجربة المغربية وانعكاساتها فلسطينياً ..د. أحمد يوسف

الخميس 14 فبراير 2013 03:23 م / بتوقيت القدس +2GMT
الإسلاميون والعمل السياسي قراءة في التجربة المغربية وانعكاساتها فلسطينياً ..د. أحمد يوسف



خلال العقود الثلاثة الماضية أثيرت قضايا العمل السياسي، وانفتحت الأبواب للإسلاميين لولوج هذا المعترك الجديد. شاهدنا منذ أواخر السبعينيات التيارات الإسلامية في اليمن والسودان تخوض - بعناوينها الحزبية - غمار تجربة الحكم، ويصبح لها أدبيات ورؤية ومجالات عمل تزاوج بين السياسي والدعوي. لا شك أن التجربة في اليمن والسودان قد شجّعت الآخرين، وفتحت المجال للتيارات الإسلامية المعتدلة كحركة الإخوان المسلمين في الأردن والكويت والجزائر وتونس أن تؤسس لها واجهات وعناوين سياسية، وتبدأ رحلة العمل عبر هذه العناوين الحزبية  الجديدة من الحراك الإسلامي في إطار صياغات رسمية مشروعة، بأمل إحداث الإصلاح والتغيير المطلوب، وليشكل لها ذلك رافعة أخلاقية، ويمنحها ثقة أفضل داخل الشارع الذي تراهن علي كسبه لمشروعها الإسلامي، والذي قد يفضي إلى دولة تحكم بالإسلام وفق قواعده الشرعية، وفي سياق لا يبتعد كثيراً عن روح الدولة المدنية التي يسود أركانها العدل والشعور بحس المواطنة والانتماء، حيث لا فضل فيها لعربي عن أعجمي إلا بالتقوى، وباعتبار أنه "أينما وجدت المصلحة فثمَّ شرع الله". الحقيقة والواقع، أن النماذج الإسلامية التي طرحت نفسها تحت عباءة النظام العربي لم تؤتِ أُكلها بالشكل الذي يعزز من ثقة الشارع العام بها ويمنحه – بالتالي - تعلقاً قوياً بأصحاب المشروع الإسلامي، فالنماذج - للأسف - لم يصل سقف إنجازاتها بما يدفع الناس لمواصلة مسار اللحاق بها أو التوسع في الانتماء إليها، حيث إن هذه النماذج الإسلامية السياسية ظلت تراوح مكانها، ولم تسهم في زيادة غلّة المتعطشين للالتحاق بالتيار الإسلامي، حتى الثورة الإسلامية في إيران لم تجد لها موطئ قدم يعزز من حضورها في الساحة العربية، وتراجعت مع السنين تعلقات الإسلاميين بها كقاطرة للأمة الإسلامية.. لاشك أن إيران – الدولة الإسلامية – تعرضت لهجمة شرسة من قبل الغرب، وكذلك من بعض دول الخليج العربي لإجهاض نجاحاتها، وقطع الطريق أمام نموذجها من التمدد، حتى لا يتم "تصدير الثورة الإسلامية" في اتجاه جغرافيا الدول العربية؛ سواء أكانت جمهوريات أو ملكيّات. في عام 2001م، ظهر حزب العدالة والتنمية في تركيا، والذي أدت نجاحاته المتكررة في الانتخابات البرلمانية بعد ذلك إلى حدوث التفاتات في العالم العربي والإسلامي لدراسة التجربة، وللبحث عن سرَّ النجاح لآلية الحكم التي اعتمدها السيد رجب طيب أردوغان وحزبه السياسي، بطريقة سمحت له بهذا الكسب الواسع في دولة حكمتها العلمانية المتعجرفة لأكثر من سبعة عقود، أخلت فيها بتوازنات الدين والسياسة، حيث عمل فيها التيار العلماني المتعصب على تهميش الدين والقضاء على الكثير من رموزه دعاته، والدفع باتجاه إخراج تركيا من عباءتها العثمانية والباسها قبعة الغرب وتغريدات لسانه، بكل ما يعنيه ذلك من تجريد للشعب التركي من قيمه الدينية وأدبياته الإسلامية وروح التصوف التي صبغت حياة ومفاهيم الكثيرين من علمائه وأبنائه. اليوم، هناك الكثير من الدعاة والمفكرين وقادة الحركية الإسلامية في أمتنا يتطلعون لمثل هذا النموذج في الحكم، محاولين اقتفاء أثره ومحاكاته، وقد رأينا أن الإسلاميين في المغرب كانوا هم أول المبادرين في الأخذ بالتجربة التركية، والتعاطي مع مخرجاتها في إدارة شئون السياسة والحكم، والعمل على تحييد ملفات الصراع سواء مع الجيش أو القصر. إن تجربة الإسلاميين في المغرب تحتاج منا للنظر إليها بعين فاحصة، والسعي لتكييف حالتنا الفلسطينية السياسية على شيء من اتساقاتها ومفاهيمها في تطويق مساحات الخلاف ووأد تشعباتها، وتحقيق الانفراج في علاقة السلطة بالشعب، وخلق حالة من الانسجام والتناغم تُعين على إفساح الطريق أمام العمل الدعوي لتعزيز كسبه وتنمية إمكانياته، والوصول إلى حالة يكثر فيها الإقبال على منابر وميادين العمل الإسلامي والتعلق بهم كطوق نجاة وطريق للخلاص من مسغبة الفقر والجهل وسلوكيات الظلم والقهر والاستبداد. الحركة الإسلامية في المغرب: حزب العدالة والتنمية نموذجاً في الساحة المغربية هناك أكثر من تيار إسلامي، ولكنّ أصحاب الحضور الأوسع والشهود في المسرح السياسي والدعوي هما حركة التوحيد والإصلاح؛ التي تمثل تيار الاعتدال والوسيطة الإخوانية، إضافة لحركة العدل والإحسان؛ وهي حركة أقرب إلى تيار السلفية العلمية، وهي تعتمد - بالدرجة الأولى - على فكر وإصدارات مرشدها الروحي الشيخ عبد السلام ياسين – رحمه الله - والذي وافته المنيّة 13 ديسمبر 2012م، وقد كان لي فرصة المشاركة في زيارة بيته - مع وفد حركة حماس - لتقديم واجب العزاء، خلال وجودنا في المغرب الشهر الماضي. في الحقيقة، أنه وبالرغم من وجود اختلاف في الموقف تجاه القصر بين التيارين، إلا أن مجالات التوافق في العديد من الملفات موجود بينهما، وخاصة القضية الفلسطينية. لا شك أن لقاءنا بالأخ المهندس محمد الحمداوي؛ رئيس حركة التوحيد والإصلاح، في مكتبه بمقر الحركة قد أفادنا كثيراً في فهم تضاريس الخريطة الدينية والاطلاع على تجربة الإسلاميين في المغرب، وخاصة من حيث التقاسم الذي تمَّ داخل الحركة، ليخرج منها جناح سياسي باسم "حزب العدالة والتنمية"، والذي تمكن من الفوز في الانتخابات التشريعية وتشكيل حكومة برئاسة الأخ عبد الإله بن كيران، ضمن شراكة سياسية وائتلاف مع بعض الأحزاب الوطنية التي لا ترفع عناوين إسلامية، وليس لها مشكلة في العمل مع التيار الإسلامي.  وقد كان لنا كذلك – على هامش تلك الزيارة للمغرب - حديث مع د. سعد الدين العثماني؛ القيادي في حزب العدالة والتنمية والوزير الحالي للخارجية المغربية، حيث تبادلنا معه نقاش بعض الملفات التي تخص عمل الحزب وأهم التحديات التي يواجهونها كتيار سياسي بمرجعية إسلامية. بيت القصيد تجلى في حوارنا الطويل مع الأستاذ المهندس محمد الحمداوي حول آفاق العلاقة بين الدعوي والسياسي، وكيف نجحت حركة التوحيد والإصلاح في إيجاد توافق لمرافقها وساحاتها المختلفة في العمل، بحيث يُعطي كلٌّ منها " شَدّةُ عَضُدٍ" للآخر، أشار الأخ الحمداوي بالقول: إن حركة التوحيد والإصلاح قد طورت اجتهاداً متميزاً في موضوع العلاقة بين الدعوي والسياسي، هو اليوم موضوع تتبع واهتمام بل واقتباس العديد من الحركات الإسلامية في المنطقة. ومع التطورات الأخيرة المرتبطة بالحراك السياسي الذي عرفه العالم العربي، والموقع الريادي الذي أصبحت تحتله الحركات الإسلامية والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في المشهد السياسي، تتزايد الحاجة إلى إعادة استكشاف وتطوير العلاقة الممكنة للعلاقة بين الدعوي والسياسي والدور الممكن للحركات والتيارات الإسلامية في هذا المجال. وحول دواعي هذه المراجعة وأبعاد هذا الحراك في الساحة المغربية، أجاب الأخ الحمداوي بالقول: إنه وبناءً على التحولات التي عرفها محيطنا وواقعنا المغربي فإنه يمكننا الإشارة إلى الدوافع التالية: أولاً؛ استرجاع العمل السياسي لمكانة كان قد بدأ يفقدها نتيجة لتوسع دائرة العزوف عن المشاركة السياسية، وانغلاق آفاق المدخل السياسي في عدد من البلاد العربية، حيث كان الاستبداد والتحكم وما يرتبط بهما وينتج عن اتفاقهما من استفراد بالسلطة والثروة، قد ولَّد حالة من انسداد آفاق المدخل السياسي في الإصلاح.. لقد أعادت ثورات الربيع الديمقراطي قسطاً كبيراً من المبادرة للشعوب، وكشفت عن صحوة سياسية قوية قلبت عدداً من الأوضاع السياسية الراكدة، وفتحت آمالا كبرى في بناء دولة الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، والمصالحة مع الشعوب وهويتها واختياراتها الحضارية الكبرى. ثانياً؛ انتقال الحركات الإسلامية والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية من وضع الإقصاء والتهميش ووضع الملاحقة والاضطهاد في بعض الحالات، إلى وضع المشاركة السياسية، من موقع التدبير للشأن العام في عدد من الدول العربية. وهو ما ينطبق - اليوم - على الحالة المغربية، التي تميز الربيع الديمقراطي فيها بتدشين مسلسل إصلاحي هادئ من خلال إصلاح دستوري متقدم، ومن خلال انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، أفرزت تصدر حزب العدالة والتنمية لنتائج الانتخابات التشريعية وقيادته للحكومة، والتي كانت كل المؤشرات - في الداخل - تشير الى الرغبة في تحجيم دوره. ثالثاً؛ لقد ترتب عن هذا الوضع أن أصبح الحزب الذي شكل طيلة أكثر من عقد إطاراً للعمل السياسي لأعضاء الحركة، والذي تربطه بها علاقة شراكة، في موقع التدبير، وهو ما يُرتب على الحركة مسؤوليات جديدة في مجال تثبيت المرجعية والمبادئ والقيم والأخلاق؛ سواء بالتربية والدعوة والتكوين للأفراد أو بالدعم والنصرة والذود عنها على مستوى المجتمع، أو في السياسات العمومية، آخذة بعين الاعتبار ما يرتبط بالتدبير من إكراهات وموازنات وأولويات قد لا تكون هي موازنات أو اكراهات الحركة. وحول المسار الناظم للعلاقة بين الدعوي والسياسي داخل حركة التوحيد والإصلاح، أجاب الأخ الحمداوي بالقول: إن ميثاق حركة التوحيد والإصلاح اعتبر إقامة الدين على مستوى الدولة أحد مقاصد الحركة الشاملة إلى جانب إقامته على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والأمة، ومن ثمَّ النظر للعمل السياسي كأحد المجالات الأساسية لعمل الحركة، إلى جانب مجالات العمل الأخرى من قبيل العمل التربوي والدعوي والعمل الثقافي والاجتماعي، وذلك انطلاقاً من شمولية الإسلام لكل مناحي الحياة في تصور الحركة. إن هذا الشمول في التصور – كما يراه الأخ الحمداوي - لا يعني الشمولية في الإنجاز والتنزيل أو أن بإمكان الحركة وتنظيمها الاشتغال بكل المناشط في نفس الوقت وبنفس القدر من الإحسان والإتقان.. لذلك، اعتمدت حركة التوحيد والإصلاح نهج التخصص، وكان العمل السياسي من بين المجالات التي شملها، كما تبنت توجهاً عاماً نحو التمايز بين العمل السياسي والعمل الدعوي. وقد اعتمدت الحركة – والكلام هنا للأخ الحمداوي - مبدأ الدخول تدريجياً في العمل السياسي، خاصة بعدما توفر لنا وجود إطار حزبي مستقل للعمل السياسي هو حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، وأصبحت تتفرغ أكثر فأكثر لما اصطلحت على تسميته بالوظائف الأساسية، وأصبحت المسألة بعد ذلك تدبير للعلاقة بين العمل السياسي والعمل الدعوي، خاصة ما يتعلق بالمساحات والقضايا المشتركة أو مسألة تدبير حركة الموارد البشرية بين الحزب والحركة وبين الحركة وباقي التخصصات. غير أن مسار تطبيق هذا التوجه قد مرَّ بعدة مراحل، كما أن تنزيله من الناحية العملية قد احتاج إلى عدة قرارات وتدابير.. وعموماً، فقد تطورت العلاقة بين الحركة والحزب عبر ثلاث مراحل، يمكن تلخصيها فيما يلي: 1) مرحلة الاحتضان الكامل للعمل السياسي من قبل الحركة والدعم المباشر له، وهي المرحلة التي سبقت تنظيم المؤتمر الاستثنائي لحزب الحركة الشعبية الدستورية واستمرت إلى غاية سنة 2004، حيث خلص مجلس الشورى إلى ضرورة تطوير العلاقة بينهما في أفق استعادة وضعية الحركة بوصفها حركة دعوية تربوية.. وقد تميزت هذه المرحلة بالدعم المباشر من قبل الحركة لجهود إعادة هيكلة الحزب ودعمه بالموارد البشرية، وانخراطها الكامل في دعم حملته الانتخابية سنة 2007م، حيث انخرط في هياكل الحزب الوطنية والجهوية وفي لوائحه الانتخابية عددٌ من رموز ومسئولي الحركة، كما أسهمت الحركة في اختيار المرشحين وفي القيام بالحملات الانتخابية. 2) مرحلة الدعم غير المباشر من خلال الإسهام في اختيار المرشحين بتشاور مع الأمانة العامة والمشاركة في الموازنة في الحملات الانتخابية. 3) مرحلة التمايز التي انطلقت بصدور قرار عن مجلس شورى الحركة بخصوص إعادة النظر في تنظيم علاقة الحركة بالحزب بعد إقرار الهيكلة العادية للحركة، حيث تم إقرار مبدأ استقلالية الهيئتين استقلالا قانونياً وفعلياً. وفي المجمل، فقد استقرت العلاقة بين الحركة والحزب على إقرار مفهوم الشراكة الاستراتيجية، حيث يؤكد مفهوم الشراكة ضمنياً على المضامين التالية: الاستقلالية التنظيمية بين الهيئتين والتمايز بينهما في مجال الاختصاص، لتفادي الاستنساخ والتكرار في الأعمال والمجالات والاستنزاف في الموارد البشرية.  4) مرحلة التكامل والشراكة، حيث إن الحركة والحزب يلتقيان في الأهداف، ويشتركان في مشروع إصلاحي واحد، يرتكز على الإسهام في إقامة الدين وإصلاح المجتمع، وهذا يقتضي منهما التشاور والتعاون والتنسيق. وفي استعراضنا لمسيرة العمل وصيرورته القائمة، جاء سؤالنا حول دور حركة التوحيد والإصلاح - الآن - في مجال العمل السياسي؟ لخص الأخ المهندس محمد الحمداوي أدوار الحركة في المجال السياسي في المهام التالية:1-  الاستمرار في تعزيز اتجاه التمايز بين الحركة والحزب على مستوى الوظائف والرموز والخطاب، بما يقتضيه ذلك من اصطحاب وتعزيز التوجه إلى تركيز الحركة على وظائفها الأساسية المتمثلة في الدعوة والتربية والتكوين. 2-  الإسهام في تخليق الحياة السياسية؛ سواء من خلال بناء الإنسان الصالح المصلح الذي يقدم نموذجاً في القوة والأمانة وتقديم الصالح العام على غيره من المصالح، أو من خلال التعهد التربوي للمتفرغين للعمل السياسي وغيره من الأعمال المتخصصة. 3-  مواصلة الحركة لدورها في تبني القضايا ذات الصلة بقضايا تعزيز المرجعية الإسلامية للبلاد ودعم هويتها الحضارية. 4-  تعزيز دور الحركة كفاعل مدني مؤثر في القرار السياسي، وتقوية حضورها في مجال قضايا الهوية والقيم، وهو مجال للتمايز الممكن بين الحركة والحزب، سواء من حيث المواقف التي لا ينبغي أن تكون مرتهنة لإكراهات التحالفات الحكومية والتدبير السياسي اليومي، أو من حيث الخطاب وزاوية المعالجة. 5-  تقوية الدور المدني للتخصصات في القضايا ذات الطبيعة الحقوقية والقيمية والثقافية، وتطوير جاهزيتها التدافعية في مجال المبادرات المدنية عبر آليات التشبيك، وتمتين جاهزيتها على الرصد والتدخل عند الحاجة بإسناد من الحركة عند الضرورة. 6-  دعم تجربة الإصلاح والانتقال الديمقراطي في البلاد من خلال جوانب القوة والرشد في التجربة أو من خلال التنبيه على جوانب القصور والضعف فيها. 7-  العمل على تشجيع التعاون بين العاملين في الحقل الإسلامي - داخلياً وخارجياً - وتعزيز التعاون من أجل تبادل التجارب الناجحة ومواجهة التحديات المشتركة. لقد أمتعنا اللقاء والحديث مع الأخ المهندس محمد الحمداوي في مكتبه بالرباط حول تجربة الحركة الإسلامية بالمغرب، كما اتحفنا برؤيته التي تعكس نضجاً فكرياً حول مجالات العمل الدعوي والسياسي، وكيف نجحت الحركة في الانتقال من مساحة المنبر الواحد، ووضعية التدافع في المكان، إلى حالة من الحراك الذي يغطي الجوانب التي اقتصرت على احتكارها تيارات وقوى سياسية لا تحمل هموم وعناوين إسلامية واضحة. إن هذا القفزة المتوازنة تجاه محطات العمل السياسي قد أفسحت المجال للإسلاميين لفرض حضورهم في كافة الميادين من السياسة والحكم الرشيد إلى المنابر الثقافية والإعلامية وشئون المال والأعمال. لقد حاول الأخ المهندس محمد الحمداوي معالجة كل ما يدور في خواطرنا نحن إسلامي الشرق العربي من خلال الكتاب الذي صدر له - مؤخراً - عن دار الكلمة للنشر والتوزيع بعنوان: "في العلاقة بين الجماعة والحزب: قراءة واقعية للتجربة المغربية". لقد وجدت في هذا الكتاب إجابات شافية لكل ما اختلج في صدري من تساؤلات، منحتني الاطمئنان لتجربة إسلامية أخرى في فضائنا الإسلامي، ولكن بنكهة عربية، تعزز بإنجازاتها ونجاحها من اعتماد نهج التجربة التركية ومساراتها، وتدفعنا - كإسلاميين في فلسطين - للمزيد من إعمال الفكر وإمعان النظر فيما حولنا من تجارب ناجحة والعمل على محاكاتها. ختاماً: فلسطين بانتظار ولادة حزبٍ سياسي بمرجعية إسلامية عندما نجد أن الحراك الثوري في المنطقة قد أفرز مناخات سياسية جديدة، دفعت الجميع؛ الإسلامي والليبرالي واليساري والقومي، ليكون جزءاً من مكوناتها، ويسهم في عملية الإصلاح والتغيير والتجديد والشهود الحضاري، فإن السؤال الذي يطرح نفسه - برغبة الناس وإلحاحهم – هو: لماذا لا نشهد على الساحة الفلسطينية مثيلاً لما يجري في كل دول الجوار والمنطقة، حيث أضحى أصحاب المشروع الإسلامي لديهم واجهات وعناوين سياسية إضافة لعملهم الدعوي والتربوي، وأصبح هناك نوعٌ من عملية "التقاسم الوظيفي والمهني للكفاءات"، بحيث يجد كل منتسبٍ للمشروع الإسلامي بأن مكانته ومهارته وتمايزه في ساحات العمل محفوظة وتتوزع بتوازن واختصاص بين الدعوي والسياسي والفعل المقاوم. وحيث إننا اليوم على أبواب مرحلة سياسية فلسطينية جديدة، ترى في الشراكة السياسية والتوافق الوطني طوقاً للخلاص، فإننا نرى أن التفكير في نقاش جدوى الحزب السياسي ذي المرجعية الإسلامية أضحى - الآن - ضرورة يتوجب الحديث عنها بين الإسلاميين والسعي نحو العمل بها.إن الخارطة السياسية داخل ساحتنا الفلسطينية تحكم خطوطها وألوانها أربع تيارات: أولها؛ القوى الإسلامية وتمثلها حركة حماس والجهاد الإسلامي والتيار السلفي وحزب التحرير الإسلامي، وثانياً؛ حركة فتح، وثالثاً؛ القوى اليسارية، رابعاً؛ المستقلون ولهم أكثر من عنوان، وعباءة بعضهم يمكن أن تستوعبها فضاءات كل من سبق ذكره من التيارات المؤدلجة سياسياً أو دينياً. من هنا؛ فإنني أرى أن على التيارات الإسلامية - وقبل فوات الأوان - توحيد موقفها في إطار صيغة حزبية وبرنامج سياسي موحد، تدخل بها ساحة المنافسة، وتشرع – بطاقتها مجتمعة - في حشد الشارع، وتعبئته خلف تطلعاتها وشعاراتها في الانتخابات القادمة.. وقديماً قالوا: إن التغيير يجلب الاستقرار ويتحقق معه – غالباً - الأمن والازدهار.