خبر : مبادرة في الوقت الضائع ...'طلال عوكل

الخميس 07 فبراير 2013 08:34 ص / بتوقيت القدس +2GMT
مبادرة في الوقت الضائع ...'طلال عوكل



بالرغم من أن موضوع سلام الشرق الأوسط لم يكن في أولويات البرنامج الانتخابي للرئيس براك أوباما عندما خاض التنافس على الرئاسة نهاية العام الماضي، كما أنه غاب عن أولويات الأحزاب الإسرائيلية التي خرجت للتو من انتخابات الكنيست التاسعة عشرة، إلاّ أن ثمة مؤشرات قوية على أن الأشهر القادمة ستشهد تحريكاً لهذا الملف.ليس مصدر التحريك لملف السلام والمفاوضات، إسرائيل ولا الفلسطينيين، فبالرغم من أن نتنياهو أكثر بعد الانتخابات من التصريحات التي تشير إلى التزامه بعملية السلام، وبالرغم من أن يائير لابيد يشترط للمشاركة في الحكومة القادمة. تحريك عملية السلام، إلاّ ان مصدر التحريك دولي، ومن الولايات المتحدة على وجه التحديد والدقة.يبدو أن الولايات المتحدة، ومعها الاتحاد الأوروبي، قد أدركت بعد طول وقت أن آلية المفاوضات الثنائية، وترك أمر الاتفاق للأطراف المعنية الفلسطينيين والإسرائيليين، إن هذه الآلية لم تعد قادرة على إنتاج عملية سلام، وهي فقط تؤدي إلى تأجيج الصراع، الأمر الذي قد يؤدي في النهاية إلى تعريض المصالح الدولية للخطر، وحتى تعريض وجود إسرائيل للخطر.إذاً نحن لسنا أمام صحوة للضمير، أو محاولة لإحقاق الحقوق، وتعميق القيم النبيلة، التي تفتقدها سياسات الرأسمالية المتوحشة، وإنما يظل الدافع مرتبطا بالطريق الأفضل لتطوير مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. وأيضاً الحرص على وجود إسرائيل وتفوقها، وإنقاذها من السياسات المتطرفة التي يتبعها اليمين الإسرائيلي والتي من شأنها أن تعرض وجود إسرائيل للخطر. فجأة بعد أن مارست الولايات المتحدة ضغوطاً مالية واضحة على السلطة الوطنية، عبر احتجاز الدعم الذي تقدمه، وعبر الإيعاز للدول العربية بالامتناع عن تقديم ما ينبغي تقديمه للسلطة، وفي الوقت ذاته السكوت على السلوك الإسرائيلي باحتجاز أموال الضرائب، نقول فجأة تحول هذا السلوك إلى نقيضه.عملية الابتزاز السياسي من باب المال كانت واضحة، ويبدو أنها كانت تستهدف تطويع الجانب الفلسطيني في إطار مرحلة التحضير لإطلاق مبادرة بشأن المفاوضات وعملية السلام.لا نعلم بالضبط ماذا أرادت الولايات المتحدة من الفلسطينيين، وما إذا كانت حققت ذلك أم لا، ولكن السلوك تغير مرة أخرى، فتم الإفراج مرة واحدة ومن قبل الجميع عن الأموال لصالح خزينة السلطة، وها هو وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري يطلب من الكونغرس الإفراج عن الأموال لصالح السلطة.المعلومات الأولية تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي يخطط لتقديم مبادرة هذه المرة قد تقود إلى مؤتمر دولي تشارك فيه دول الخليج العربي بالإضافة إلى عدد كبير من دول العالم والمنطقة، وتستهدف العودة إلى المفاوضات على اساس حدود الرابع من حزيران 1967، مع تبادلية أراض بحيث تبقى المستوطنات ضمن السيادة الإسرائيلية، وتعديلات أخرى تستجيب لمتطلبات الأمن الإسرائيلي.في هذه المبادرة ليس هناك مكان لحق اللاجئين في العودة، أما فيما يتعلق بالقدس، فثمة أكثر من صيغة لتقاسم السيادة والإدارة عليها جزء لإسرائيل، وجزء لفلسطين وجزء لمرجعية دينية أو دولية.المهم في هذه المبادرة أن المجتمع الدولي لن يترك للأطراف الحرية في الاختيار بمعنى القبول أو عدم القبول، ما يعني أن المجتمع الدولي قرر التدخل بفعالية أكبر في تحريك عملية السلام، ما يوحي بأن هناك إمكانية لممارسة ضغوط هائلة على الطريق الذي يعوق هذا الجهد.والحقيقة أن قبول الولايات المتحدة، إسناد هذا الدور للاتحاد الأوروبي يشير من حيث المبدأ، إلى أن الإدارة الأميركية تشعر بقدر من الانزعاج إزاء سياسة نتنياهو، وانها بالتالي قد تضع إسرائيل مباشرة أمام احتمالات التعرض للضغط من أوروبا الموحدة.لقد رفضت إسرائيل كل الوقت أي دور للاتحاد الأوروبي يتجاوز أو يتوازى مع دور الولايات المتحدة، ولذلك فإنه لا يفوت نتنياهو إدراك معاني وأبعاد هذا التفويض من قبل الولايات المتحدة لأوروبا، بدون أن تتخلى عن دورها الأساسي.وثمة من يقول إن نجاح الفلسطينيين في التحرك نحو المصالحة، هو جزء من متطلبات التحضير للمبادرة الدولية الجديدة، إذ يترتب تخفيف حدة المعارضة الفلسطينية الداخلية، بل وإدماج حركة حماس بصيغة أو بأخرى في هذا الجهد.ومن الواضح أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، يعولان كثيراً وأساساً على الدور المصري في إقناع حركة حماس بإعطاء السلام فرصة، وإبداء قدر من المرونة تكفي لمشاركة مريحة لمنظمة التحرير في التعاطي مع متطلبات المبادرة الجديدة.خلال فترة قريبة، سيقوم جون كيري، وزير خارجية أميركا بزيارة لإسرائيل والضفة الغربية، وفي الربيع القادم، سيقوم الرئيس باراك أوباما بمثل هذه الزيارة بالإضافة إلى دولة أخرى في المنطقة، ومن الواضح أن كيري المعروف بمواقفه ضد الاستيطان، سيحاول أن يلعب دور وزير الخارجية الأميركية السابق جيمس بيكر الذي أرغم شامير على حضور مؤتمر مدريد عام 1991.مبادرة جديدة يجري التحضير لها جيداً، ولكن ما خلقته السياسات الإسرائيلية وما تقوم به حكومة نتنياهو، لا يترك فرصة لتحقيق سلام مقبول فالقضية الفلسطينية والحقوق، ليست فقط دولة على أجزاء من الأراضي المحتلة عام 1967، مع شراذم مقدسية، وأما الأطماع الإسرائيلية فإنها أيضاً لا تبقي للفلسطينيين لا حقوقاً، ولا وجوداً إن استطاعت.