خبر : كخرافات عودة الأبطال الغائبين : "فتح" تعود إلى المشهد في يومها الكبير ..بقلم: حسين حجازي

السبت 05 يناير 2013 05:04 ص / بتوقيت القدس +2GMT
كخرافات عودة الأبطال الغائبين : "فتح" تعود إلى المشهد في يومها الكبير ..بقلم: حسين حجازي



هكذا بدت كما لو أنها صبيةٌ شابةٌ نضرةٌ في عامها الثامن والأربعين، كربيع الأرض، أو كعروس البحر التي خرجت للتو من حمامها الشمسي، تحتفي بعيد ميلادها، كما في الأساطير. هكذا بدت هتافات شباب وصبايا لا تتعدى أعمارهم العقد العشرين. جيل جديد من الفلسطينيين الغزيين الذين لم يكونوا قد ولدوا أو جاؤوا إلى الدنيا، حين كانت حركةً فتيةً في أعمارهم قبل أربعين عاماً، تصدح بالبشارة والأناشيد والفدائيين، على الضفة الشرقية من نهر الأردن، وبعد ذلك في لبنان، ليسمى جنوب هذا البلد في المنفى، الذي احتضنها، بـ"أرض فتح" أو "فتح لاند"، وفيه، في عاصمته خرجت جماهير نيسان، "يا جماهير نيسان عدي" كما يعدي النهار، نهار هذه الحركة الطويل، الذي لم ينقض، لم تغب شمسه، وكأنها خلقت على صورة أسطورة طائر الفينيق الذي ينبعث من رماده ولا يموت. كأنها تعود إلى شبابها، صباها، تستعيد الصورة الأولى، بالأبيض والأسود، لياسر عرفات، بالكوفية، يحتضن في إحدى قواعد الفدائيين، في جبال الأردن، بندقيته الكلاشنكوف، التي منحها ربما الفدائيون الفلسطينيون شهرةً لا تقل عن اسم صانعها السيد كلاشنكوف. الشهرة التي خلّدتها عدسة المخرج برهان علوية، في زمن وهج الفدائيين. وحين كان عرفات وقادة "فتح" المؤسسون، القادة التاريخيون، لا يزالون على قيد الحياة في بيروت، في مثل هذه المناسبة، يوم "فتح" الكبير في شارع جامعة بيروت العربية، يستعرض قوات "فتح" في العرض العسكري، مروراً من الملعب البلدي في حي الفاكهاني، وصولاً إلى مستديرة الكولا الشهيرة. هناك حيث وقفت شاباً، وقف جيلي الكهل اليوم، في الزحام، الذي كان يصطف على جانبي طول الطريق، ومدى البصر، وعلى وقع المارشات العسكرية، يردد عرفات مقولته الشهيرة، عن هذه الثورة، التي هي الرقم الصعب، وإنها لثورة حتى النصر.سلاماً على روحك، يلقيه جيل جديد، بعد جيل، وبعد جيل ياسر عرفات كما لو أنهم، يرددون مع نيتشه، أن طوبى لمن صنع، خلق شيئاً أعظم منه ثم مات. جيل جديد كما لو أنه يصدق علينا قول المتنبي نحن كالموج إن نسترح نمت، لحركة ما عرفت يوماً، الراحة، كحروب الرسول، حرب وراء حرب، حتى فتح مكة، ويقام الوطن على الأرض، وتعود فلسطين إلى الخريطة الجغرافية، وكأنما أشبه بما تفعله الطبيعة، كلما سقطت الثمار على الأرض أينعت الأشجار ثماراً من جديد. وهكذا جيل وراء جيل، فأنى لك أن تستأصلينا، تكسري روحنا، تهدمينا يا إسرائيل.في العام الثامن والأربعين أقول لكم إن هذه الحركة تفاجئنا نحن، لا بقدرتها على مواصلة البقاء، ولكن بجذوتها المشتعلة أبداً شرارة عنفوانها على محور الزمن، وتذكيرنا في كل مرة إن أخطأنا أو نسينا حقيقتها. هل ما قارب المليون أو تجاوزه في حشد هو الأعظم ربما في تاريخها، تاريخنا؟ وبجدارة هذا المشهد على نحو ربما يتجاوز حتى كل تلك التوقعات.هنا مسار كان يبدو حتى الأمس بائساً، يقارب التلويح بحل السلطة، لكن من هنا من غزة التي يحارون فيها إنما يعاد تنسيق الأبعاد، دوزنة الإيقاع، وتوجيه الرسالة إلى المستقبل. هنا مدينة أشبه بمرجل النار الذي يغلي، وبالمستودع العظيم الذي يختزل قصة الصراع. هنا لا يحدث رد الاعتبار، هدم الفجوة بين حركتين كبيرتين، تتنافسان على القيادة، وتعيد دوزنة العلاقة بينهما، كما لو أنها من قبيل سيف ديمقليس المسلط على الرؤوس، أن حذار أن يخطؤوا تذكيراً بالعقاب. هل كان هذا حساباً أو تذكيراً غير مباشر لـ"حماس"؟ فهذه هي الجموع التي خرجت تصفق للنصر، النصر الحماسي في الحرب، هم الذين خرجوا عفوياً كما لم يخرجوا من قبل فيما يشبه تقديم الاعتذار إلى "فتح". ولا تعارض فهذا مهرجان، مشهد عنوانه الدولة والنصر.ها نحن يا إلهي، شهود على هذه التوازنات التي تمثلها إرادة باطنية لا واعية، على المسرح السياسي الفلسطيني الداخلي، وحيث اللاوعي، أي الجزء المتعلق بالعقل الباطن، لأمة، وشعب كان دوماً المحرك العظيم لهذه الاندفاعات أو الطاقات، والذي يحاسب بالأخير، بمثابة عقل التاريخ. هيا نلقي بابتسامة عطوفة، بعقل بارد على المشهد. أو ليس هذا هو الحشد الذي عاقب "فتح" في العام 2006، في الانتخابات ؟ ويخرج اليوم، كما لو أنه في مشهد كربلائي، لرد الاعتبار لـ"فتح"؟ لكن هيا نُضِف بحساب العقل البارد، إنه ما كان ليتم ذلك لولا تفوق "حماس" على نفسها، عند هذا المحك، الاختبار، وبهذا المعنى يمكن الموافقة حقاً، على أقوال قادة "حماس"، والناطقين باسمها من أن هذا الإنجاز، هذا الكرنفال التاريخي، الاحتفال للشعب كله، يعد إنجازاً لـ"فتح"، و"حماس" أيضاً. هذا صحيح، ولكن من الزاوية الوحيدة الرئيسة التي يمكن اعتبارها مقياساً للنجاح، بل إنجاز ونصر إستراتيجي، لكلتا الحركتين، بعدم السقوط في هذا الاختبار، ومواجهة التجربة، بل والدخول فيها. فهذه الاندفاعة، السيكولوجية، التي هي أشبه بربيع فلسطين، يجب عدم الخطأ في تقدير وجهتها، سهمها الحقيقي. باعتبار أنها موجهة إلى إسرائيل وعلى إسرائيل، التي تحيك الخطط لغزة والضفة، بمواصلة دق الأسافين، وحدها من عليه أن يشعر اليوم بالتكدر، والاكتئاب. فها هي غزة تستعيد يا إسرائيل دورها التقليدي التاريخي والقديم. إنها الجزء الصغير من الوطن الذي يختزل وطناً بأكمله، الجزء الذي يختزل في عنفوانه، دوره منذ النكبة، بمثابة الوطن الجامع لكل الفلسطينيين، الحامل لهذا الوطن الكبير كالجنين في رحم الأم. إذا كنتم تفكرون بإخراج غزة من الصراع؛ فهذا رد عليكم بأنكم مخطئون. هكذا تعودين يا "فتح"، اليوم كخرافات كل الأبطال العائدين بعد الغياب. هو مشهد جديد. فحسناً عرف كل منا الآخر الآن، وحدق في صورته. حركتان تقفان على مسافة واحدة من الثقل، لا يمكن لإحداهما إقصاء أو تغييب الأخرى، ولكن بإمكانهما اختيار الحل الوحيد لهذا التعارض، التكامل معاً، والاتفاق. باستبعاد فكرة الغلبة. وقدر المدينة كان دوماً تحديد الاتجاه، كما احتضان العائدين، المفتي الحاج أمين الحسيني، وأحمد الشقيري، وحتى جورج حبش وغسان كنفاني اللذين جاءا هنا إلى غزة في الستينيات ومن بعد ذلك ياسر عرفات وخالد مشعل، وواجب الوقت يحتم علينا بعد اليوم السؤال عن متى يعود الغائب الحاضر الكبير.