خبر : مشعل في غزة.. شلح في؟! ...محمد ياغي

الجمعة 14 ديسمبر 2012 11:20 م / بتوقيت القدس +2GMT
مشعل في غزة.. شلح في؟! ...محمد ياغي



لأننا لا نعرف أين يقيم الدكتور رمضان شلح فإن مكان تواجده في عنوان المقال ترك على شكل علامة استفهام. لكن الحقيقة أن علامة الاستفهام الكبرى لا تتعلق بمكان الدكتور شلح، ولكن في السبب الذي سمح فيه للأستاذ خالد مشعل، قائد "حماس" بدخول غزة، بينما هُدِّدَ الأمين العام "للجهاد الإسلامي" من قبل إسرائيل بالتصفية إذا دخلها. خطاب مشعل الثوري في احتفالات انطلاقة "حماس" الأسبوع الماضي، وتأكيده على استمرار المقاومة المسلحة، ووعده للأسرى بالإفراج عنهم بالطريقة نفسها التي أفرج فيها عن المئات منهم بعد أسر المجند الإسرائيلي جلعاد شاليت، وقوله إن معركة "حجارة السجيل" وما ترتب عليها من اتفاقات كنموذج لإدارة الصراع مع الاحتلال، لا تبعد مشعل، ولو سنتيمتراً واحداً، عن مواقف شلح. لماذا إذاً سمح لـ"مشعل" بدخول غزة ولم يسمح لـ"شلح"؟ لماذا يصمد اتفاق وقف الاغتيالات بدخول "مشعل" لغزة.. بينما تهدد إسرائيل بإنهائه في حالة دخول "شلح" غزة، مما اضطر الأخير، ومن أجل الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار، للبقاء خارج غزة. هذه الأسئلة لا تستهدف إثارة الغبار حول زيارة مشعل لغزة.. فأولاً وأخيراً، غزة محررة، ومن حق أي فلسطيني دخولها.. وفي ما يخص مشعل، فالرجل قام بعمل بطولي بدخوله غزة وهو يعلم أن إسرائيل قد تُخِلف وعدها لمصر وقد تقوم بعمليه تصفية حساب معه، وهي التي استهدفت احمد الجعبري في الوقت الذي كان فيه ينسق مع مصر من أجل تمديد وقف إطلاق النار، وكانت قد استهدفت مشعل شخصياً العام 1997 في الأردن. الأسئلة تهدف لمعرفة كيف تفكر إسرائيل. إسرائيل ترى أن الحفاظ على علاقة أمنية متينة مع مصر تتطلب منها تنازلات، وطالما أن هذه التنازلات لا تتعلق بجوهر الصراع.. وهو صراع على مصير الضفة الغربية أولاً، وعلى أمن إسرائيل ثانياً، فلا مانع من تقديم التنازلات بما في ذلك السماح لمشعل بزيارة غزة، وإدخال مواد البناء لإعمارها، واتخاذ عدد من الخطوات التي تخفف من وقع الحصار على أهلها. "حماس" في نظر إسرائيل، هي امتداد لتنظيم الإخوان المسلمين في مصر، وطالما أن بالإمكان التفاهم مع "الأم" أو على الأقل العمل على منع غضبها، فلا مانع من إعطاء "الابن" "حماس" بعض التنازلات.. التنازلات إذاً، ليس بسبب الانتصار "المجلجل" في معركة "حجارة السجيل"، وليس من باب دفع "حماس" لتقديم تنازلات سياسية تعلم إسرائيل بأن "حماس" لن تقوم بها.. ولكن من باب الحفاظ على علاقة جيدة مع من يحكم مصر اليوم. مصر تحت قيادة الإخوان المسلمين لا تريد صراعاً مع إسرائيل، على الأقل لعشر سنوات قادمة.. ولأنها كذلك، ولأنها "الأم" لحركة "حماس" فإن إسرائيل تعتقد، وقد تكون محقة، بأن "الأم" ستمارس ضغوطها على "ولدها" في غزة للامتناع عن "توتير" الأجواء السياسية في الوقت الحالي. "الابن" قد يكون على استعداد لسماع "الأم" لأن عقيدته الفكرية، الدينية والسياسية، وحساباته المستقبلية، متعلقة بأكثر مما نعتقد بموقف "الأم" من الصراع. مهما كانت الحسابات، وأياً كان تحليلنا، فإننا نرى أن وقف إطلاق النار وما ترتب عليه هو مصلحة فلسطينية لا يجب التقليل منها، لأننا نعتقد، بأن معركة غزة هي في إنهاء الحصار، وأنها وبسبب "لعنة" الجغرافيا لا تستطيع المساهمة الفاعلة في تحرير الضفة.. لكن هذا موضوع آخر. في المقابل، لا ترى إسرائيل في حركة الجهاد الإسلامي "ابناً" لحركة الإخوان المسلمين في مصر.. وتنظر إليها على أنها "ابن" مدلل لإيران. وهذا يعني في الحسابات الإسرائيلية، بأن مصر لا "تَمون" على "الجهاد الإسلامي"، وطالما أن المسألة كذلك، فلا داعي لتقديم تنازلات لـ"شلح"، شبيهه بالتي قدمتها إسرائيل لـ"مشعل".. الدخول الآمن لغزة.. واحتمال ما قاله مشعل فيها. لو كانت إيران هي التي رعت اتفاق وقف إطلاق النار بدلاً من مصر.. لكان "شلح" في غزة.. و"مشعل" خارجها. إسرائيل تعلم أن حركة الجهاد لا زالت في مواقعها الأصلية مع محور الممانعة، إذا كان هذا المسمى لا يزال ممكناً. الجهاد الإسلامي لا يزال يرى في حزب الله، وسورية وإيران حلفاء له.. على عكس "حماس" أو قيادتها السياسية على الأقل، التي تعتبر أن الظروف السياسية قد تغيرت، وأن محور الممانعة القادم يجب أن يكون "سُني" الهوا.. وفي اللعب بالسياسة، لا مانع من مغازلة الأميركان، والطلب منهم أن ينظروا ولو بعين واحدة على الأقل لمصالح الشعب الفلسطيني طالما أن عيونهم "المئة" لا ترى إلا مصالح إسرائيل وأمنها (حديث مشعل في القاهرة عن موقف أميركا من الحرب على غزة حيث امتنع عن إدانتها في مقابل إدانة "شلح" الصريحة لها). حسابات إسرائيل أقرب إلى طريقة تفكير العرب بأكثر مما يتخيلون. طالما أن بإمكانها تشجيع الطائفية بينهم، وتمزيقهم، بين سنة وشيعة، وضفة وغزة، وفلاح ومدني.. فخذوا من إسرائيل ما تشاؤون من التنازلات الرمزية بما فيها مستقبلاً زيارة مشعل لمدينة القدس للصلاة في الحرم القدسي الشريف. بصراحة أكثر ما كان على "مشعل" القبول بزيارة غزة بدون "شلح" لأن عنوان المقاومة في وحدتها. والله أعلم.