خبر : نحو إنجاز المزيد من لحظات الفرح ...بقلم: طلال عوكل

الإثنين 26 نوفمبر 2012 12:26 م / بتوقيت القدس +2GMT
نحو إنجاز المزيد من لحظات الفرح ...بقلم: طلال عوكل



يخطئ من يعتقد أن عدوان "عامود السحاب" الذي شنته إسرائيل واستمر ثمانية أيام بطولها على قطاع غزة، يمكن أن يكون الأخير، إلاّ إذا كنا كفلسطينيين على مشارف النصر النهائي. مهما كانت الأهداف التي سعت حكومة نتنياهو إلى تحقيقها من هذا العدوان، وهي أهداف كثيرة، من بينها دفع قطاع غزة أكثر فأكثر نحو الانفصال كلياً عن الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن مبررات العدوان تظل قائمة في طبيعة دولة إسرائيل، وهي قائمة، أيضاً، طالما بقي الاحتلال جاثماً على صدور الفلسطينيين. اتفاق التهدئة الذي تم توقيعه في القاهرة بوساطة مصرية، ودعم من قبل المجتمع الدولي، كان الخيار الوحيد أمام حكومة نتنياهو للخروج من الورطة التي أوقعت نفسها فيها، إذ لم يكن بوسع ثلاثي الحرب الإسرائيلي "نتنياهو ـ باراك ـ ليبرمان"، أن يصعّدوا العدوان إلى حرب برية شاملة، كما لم يكن بوسع هذا الثلاثي المجرم أن يتوقف كما توقفت العدوانات السابقة التي خلّفت في مرات عديدة تهدئة واقعية دون مفاوضات واتفاق. وتبدو معالم الهزيمة التكتيكية التي لحقت بثلاثي الحرب والعدوان في اضطرار حكومة نتنياهو للتفاوض مع فصائل المقاومة التي لطالما اعتبرتها إسرائيل جماعات إرهابية، المفاوضات كحقيقة وقعت، وإن كانت بطريقة غير مباشرة وعبر الوسيط المصري، الذي كان عليه أن يتنقل بالشروط والطلبات بين الطرفين، محاولاً تقريب وجهات النظر. على أننا إذ لا نستطيع تقييم ما تم الاتفاق عليه، بسبب غياب المعلومات التي لم يتسرّب منها إلاّ القليل، فإنه كان على المقاومة مبدئياً أن تدقق في صياغة بعض ما ورد من بنود الاتفاق وتم إعلانه. لا يمكن وصف ما تقوم به المقاومة في مواجهة العدوان الإسرائيلي على أنه أعمال عدائية مساوية للأعمال العدائية التي تصدر عن الطرف الذي يبادر للعدوان، ويحتل الأرض، ويصادر الحقوق، والصحيح أن ما تقوم به إسرائيل من أعمال عسكرية، يمثل عدواناً بشعاً وظالماً على الشعب الفلسطيني الذي هو في حالة دفاع عن النفس، وفي موقع رد الفعل. إسرائيل لم تتأخر في توضيح رسالتها العدوانية التي لا ترى في "عامود السحاب" سوى جولة على طريق طويل خبره الفلسطينيون من العدوان، فقد قامت قواتها الحدودية بخرق الاتفاق في اليوم التالي لسريان مفعول وقف إطلاق النار، وفي اليوم الذي يليه؛ مما أوقع بين الفلسطينيين في شرق خان يونس شهيداً وأكثر من عشرة جرحى. وفوق هذا يواصل اليمين المتطرف الذي شن عدوانه تهديداته للفلسطينيين، من أنه سيعود للقضاء على فصائل المقاومة، إذا قدر له أن يفوز في الانتخابات التي ستجري بعد نحو شهرين. الهزيمة واضحة على جلود الإسرائيليين بقدر ما أن الانتصار واضح على وجوه وفي سلوك الفلسطينيين، وهي مسألة لا تحتاج إلى نقاش أو تحليل بعد أن يعترف الجنرال المجرم صاحب حرب (الرصاص المصبوب) شاؤول موفاز، بأن إسرائيل خسرت الجولة. نحن الذين خبروا إسرائيل نعرف أنها لا تقبل الهزيمة، وأنها ستعاود الانتقام، وستعاود العدوان وارتكاب المجازر، فهذا هو ديدنها وهذه هي طبيعتها التي لا تفارقها. الاتفاق هو إذاً مؤقت، هش، لا يختلف عن حالات التهدئة السابقة، فلا إسرائيل ستتوقف عن العدوان، ولا الفلسطينيون سيكفون عن تحضير أنفسهم لمواجهة عدوان جديد. لقد اكتشف الإسرائيليون بسرعة، الأهداف الحزبية الانتخابية من وراء حملة (عامود السحاب)، وهم وإن كانوا أظهروا الوحدة خلال أيام العدوان، وهذه واحدة من مميزات الوضع الإسرائيلي، فإنهم ما لبثوا أن بدؤوا بتوجيه انتقاداتهم الحادة لثلاثي الحرب، بمجرد أن توقف دوي الانفجارات. على أن الكرة الآن في ملعب الفلسطينيين، الذين بإمكانهم أن يحتفلوا بهذا الإنجاز اليتيم، وأن يتحضروا لجولة قادمة من العدوان، ستكون أكثر بشاعةً وإيلاماً، وإما أن بإمكانهم أن يراكموا المزيد والمزيد من الإنجازات التي تعيد بناء ثقافة الصمود والمقاومة، وتستعيد للفلسطيني شعوره بالأمل وتمسكه بأحلامه الوطنية. فرصتان متاحتان لتحقيق إنجازات كبيرة على الطريق، يمكن في حال اغتنامهما أن يلونا المشهد الفلسطيني السوداوي بألوان الطيف، الأولى، وهي فرصة التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة في ذكرى التقسيم وذكرى التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية، أي في التاسع والعشرين من هذا الشهر. الخطوة إلى الأمم المتحدة ستقع كما يتضح، ولا سبيل أمام القيادة الفلسطينية سوى أن تواصل عزمها بثبات متجاوزة كل الضغوط والتهديدات الإسرائيلية والأميركية التي تحاول ثني القيادة عن عزمها بالقوة وليس بالإغراءات، ولذلك يتوجب على الفلسطينيين كل الفلسطينيين أن يؤكدوا وحدتهم ووقوفهم خلف هذا القرار حتى لو كانت لدى البعض منهم بعض الملاحظات أو التحفظات. الخطوة كما هو واضح، اشتباكية، وبإمكان من يتبنى برنامج المقاومة من الفلسطينيين أن يدفعها أكثر فأكثر نحو أن تكون واحدة من مؤشرات فتح الصراع على وسعه، ولكنها، أيضاً، تنطوي على أبعاد مهمة للنضال الفلسطيني لسنا مضطرين للخوض فيها، ويكفي أن تكون في مصلحة القضية الفلسطينية حين تواجه مثل هذه الاعتراضات القوية من قبل إسرائيل والولايات المتحدة. اصمتوا أيها الفلسطينيون ولو مرة واحدة، وأظهروا التوحد خلف قرار الذهاب إلى الأمم المتحدة، حتى لو كان هذا التوحد لحظياً، وغير حقيقي، فمن شأن هذا أن يساعد في تعظيم الإنجاز، وفي أن تصوت لصالح القرار أكثر من مائة وخمسين دولة بدلاً من مائة وثلاثة وثلاثين دولة. أما الخطوة الثانية، ممكنة التحقيق، وتشكل الإنجاز الأبرز، فهي خطوة الذهاب إلى المصالحة الوطنية، ونحو استعادة الوحدة الوطنية، فلقد أظهر الشعب الفلسطيني بقوة وحدته، ولم يبق إلاّ أن تظهر قواه السياسية وقياداته عزمها على التوحد. المواطن الفلسطيني الذي واجه العدوان موحداً واحتفل موحداً وغنّى لفلسطين أنشودة واحدة، ينتظر من قياداته السياسية ألا تتأخر في تتويج هذه الوحدة بوحدة البرنامج والقرار والمؤسسة والأهداف، هكذا يمكن وبأيدينا أن ندشن مرحلة من مراكمة الإنجازات الحقيقية، التي تعزز قدرتنا على تحقيق الانتصار الأكبر حين ينقشع ظلام الاحتلال إلى شمس الحرية.