خبر : "معتقلون" أم "أسرى حرب": قراءة في حسابات الربح والخسارة ..عصام يونس

الأربعاء 05 سبتمبر 2012 11:58 م / بتوقيت القدس +2GMT
"معتقلون" أم "أسرى حرب": قراءة في حسابات الربح والخسارة ..عصام يونس



عندما تشتد الأزمة ونكتشف عجزنا أمام أنفسنا بعدم قدرتنا على تحقيق الحدود الدنيا لما هو مطلوب كنتيجة طبيعية لغياب الرؤية وغياب الفعل المنظم الواعي نلجأ إلى خيارات انفعالية ونحاول تعظيمها لترميم جزء من شرعية متآكلة ومبادرة مفقودة. ما دفعني للكتابة هو الدعوة، الجديدة القديمة، التي أطلقت أخيراً للبدء بهجوم لتغيير التوصيف القانوني للمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال ليصبح "أسرى حرب"، بدلاً مما هو قائم من أنهم "معتقلون". وما ذكرته أعلاه يكاد ينطبق على إدارتنا لملف المعتقلين حيث تمثل إدارة الملف والتعامل الرسمي والأهلي معه، وحتى الشعبي مثالاً مأساوياً حول الفشل في إدارة القضايا الوطنية، وهو ما أفضى ويفضي إلى العجز عن تحقيق ما هو مطلوب. ملف الأسرى يثير شجناً وأسى كبيرين لما يمثله الأسرى من رمزية في النضال الوطني الفلسطيني كمناضلين من أحل الحرية، وحقيقة أن قضيتهم على تماس مع كل البيوت والعائلات الفلسطينية حتى يكاد لا يخلو بيت فلسطيني من معتقل حالي أو سابق في سجون الاحتلال، أو حقيقة أنهم يدفعون أثماناً باهظة من أعمارهم وصحتهم في ظل ظروف كارثيّة تفرضها عليهم إدارات السجون للنيل من صمودهم وكرامتهم. وخضع التعامل الرسمي مع قضيتهم وتأمين الإفراج عنهم ولم يزل إلى العمل على أرضية ردود الأفعال وليس الفعل نفسه، فالفعل يكون موسمياً بمساندة إضراب عن الطعام بادر إليه المعتقلون أنفسهم، أو تعرض الأسرى لحملات من القمع والتنكيل، وفي النهاية فإن المعتقلين هم من يعرّون الجميع ويجبرون المستوى الرسمي والأهلي والشعبي قسراً على التحرك. السعي نحو توصيف المعتقلين بأنهم أسرى أو الإبقاء عليهم معتقلين يخضع لحسابات قانونية وحسابات إنسانية وحسابات الربح والخسارة من الناحية السياسية، وهو ما نسعى لتوضيحه في هذا المقال. منذ أن استكملت إسرائيل احتلال الأراضي الفلسطينية في العام 1967 وحتى يومنا هذا، وهي ترفض الاعتراف بوضع القانوني كأراضٍ محتلة، وبأنها قوة احتلال حربي، كما ترفض الاعتراف بانطباق اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية السكان المدنيين وقت الحرب على الأراضي الفلسطينية، كما أن اتفاقية أوسلو وما تلاها من اتفاقات لم تعرّف الأراضي في أي من احكامها بأنها أراضٍ محتلة. وبالتبعية فقد رفضت دولة الاحتلال الاعتراف بانطباق احكام القانون الدولي على المعتقلين الفلسطينيين والعرب في سجونها، وخضع تنظيم العلاقة إلى اتفاق عقدته اللحنة الدولية للصليب الأحمر مع دولة الاحتلال سمح بموجبها الاحتلال للجنة بتنظيم زيارات للمعتقلين والالتقاء بهم ونقل رسائلهم لذويهم، وفقاً لاتفاقية جنيف فإن أطراف الاتفاقية يمكنهم الاتفاق على أن "تقوم هيئة تتوفر فيها كل ضمانات الحيدة والكفاءة بالمهام التي تلقيها هذه الاتفاقية على عاتق الدولة الحامية. وإذا لم ينتفع الأشخاص المحميون أو توقف انتفاعهم لأي سبب كان بجهود دولة حامية أو هيئة معينة وفقاً للفقرة الأولى أعلاه، فعلى الدولة الحاجزة أن تطلب من دولة محايدة أو هيئة من هذا القبيل أن تضطلع بالوظائف التي تنيطها هذه الاتفاقية بالدول الحامية التي تعينها أطراف النزاع.  فإذا لم تتوفر الحماية على هذا النحو، فعلى الدولة الحاجزة أن تطلب إلى هيئة إنسانية، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الاضطلاع بالمهام الإنسانية التي تؤديها الدول الحامية بمقتضى هذه الاتفاقية، أو أن تقبل، رهناً بأحكام هذه المادة، عرض الخدمات الذي تقدمه مثل هذه الهيئة." ومن المهم هنا التأكيد على أن الصليب الأحمر لم يقم بذلك الدور وفقاً للاتفاقية وإنما يستمد مهامه وما يقوم به من دور إنساني من اتفاقية موقعة مع دولة الاحتلال وليس وفق المرجعيات المشار اليها. ومنذ العام 1967 وبعد اطلاع مستفيض وبما يضمن المصالح الفضلى للمعتقلين الفلسطينيين فقد كان رأي الصليب الأحمر اعتبار المعتقلين في السجون الاسرائيلية معتقلين وفقا للاتفاقية الرابعة، وبالتالي يتمتعون بالحماية المنصوص عليها في الاتفاقية، ومن بينها عدم تعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة وتلقيهم زيارات دورية من ذويهم وتقديمهم الى محاكم تتوفر فيها ضمانات المحاكمة العادلة، وعدم احتجازهم في سجون داخل دولة الاحتلال ليكونوا في اماكن قريبة من مناطق سكناهم...الخ. وهو ما أهَّل الصليب الأحمر للإشراف على زيارات ذوي المعتقلين وتنظيمها ومراقبة ما يتعرض له المعتقلون من انتهاكات وإجراءات ومعاملة والعمل على تغييره، من خلال نقل ذلك إلى دولة الاحتلال مباشرة وفق منطق السرية الذي يتبعه الصليب الأحمر في كل مكان في العالم. أقرت اتفاقيات جنيف في العام 1949 أي بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وقد شكلت خبرات العالم وماشهده من تجارب أثناء الحرب أساسا للاتفاقية، أي أن خبرة العالم كانت محصورة في الحروب الكلاسيكية وحالات الاحتلال التي لم تزد عن عامين أو ثلاثة. ولم يكن العالم قد خبر بعد، الحروب والاحتلالات طويلة الأمد كحالة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والتي تحتاج إلى نظام حماية أشد صرامة وأكثر عدلاً من قانون جنيف. كما لم يكن العالم قد خبر بعد انخراطاً يذكر للجماعات المسلحة خارج فضاء الجيوش النظامية في العمليات الحربية، وهو ماشهده العالم على نطاق واسع في حروب التحرير لتصفية الاستعمار في سنوات الخمسينات والستينات على وجه الخصوص. الدعوة لاعتبار المعتقلين الفلسطينيين أسرى حرب وتنظيم حملة مساندة لتغيير توصيفهم القانوني استند أساساً إلى ما يتعرض له المعتقلون من ظروف كارثية وقمع منظم من قبل دولة الاحتلال، وبأن تدويل القضية، وأحد عناوينها هو تغيير التوصيف القانوني لاعتبارهم أسرى حرب، هو الحل. والقيمة المضافة لاعتبارهم أسرى حرب تكمن في أن أسير الحرب يتم الإفراج عنه مع انتهاء العمليات الحربية والتوصل إلى اتفاق للسلام بين المتحاربين. توفر اتفاقية جنيف الثالثة نظاماً من الحماية لحماية أسير الحرب على اعتبار أنه أحد ضحايا النزاع المسلح، وهو أولى بالحماية لأنه لم يعد مقاتلاً فور إلقاء سلاحه أو وقوعه في قبضة العدو وعليه لايجوز قتله أو تعذيبه كما أنه يجب أن يتمتع بنظام من الحماية يضمن له كرامته ويحافظ على انسانيته. وأسير الحرب وفقا للاتفاقية الثالثة بالإضافة للجنود في الجيوش النظامية "أفراد المليشيات الأخرى والوحدات المتطوعة الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة، الذين ينتمون إلى أحد أطراف النزاع ويعملون داخل إقليمهم أو خارجه، حتى لو كان هذا الإقليم محتلاً، على أن تتوفر الشروط الأتية في هذه المليشيات أو الوحدات المتطوعة بما فيها حركات المقاومة المنظمة المذكورة:  أ – أن يقودها شخص مسؤول عن مرؤوسيه.ب- أن تكون لها شارة مميزة محددة يمكن تمييزها من بعد.ج‌- أن تحمل الأسلحة جهراً.د - أن تلتزم في عملياتها بقوانين الحرب وعاداتها".وبداية أقول بأن التعريف تم وضعه من قبل دول، ومن الواضح أنها لم تكن ترغب في توسيع نظام الحماية إلى الجماعات والمليشيات المسلحة، وهو تعريف محافظ إلى حد كبير، وقصد التعريف حصره في أضيق نطاق بحيث لا يكاد ينطبق إلا على أفراد الجيوش النظامية. وتثير المعايير المحددة في تعريف أسير الحرب إشكالات كبيرة حول مدى توافرها في مقاتلي حركات التحرر، ومن بينهم مناضلي الحرية والمقاومين الفلسطينيين، حيث أن ظروف مقاومتهم للاحتلال هي ظروف بالغة التعقيد والصعوبة وتتسم في غالبها بالطابع السري يجعل من اللتزام بقواعد التعريف مسألة تضعهم في دائرة الخطر. فحمل السلاح جهراً على سبيل المثال يعرض المقاومين للاستهداف والاغتيال من قبل القوة المحتلة، كما أنهم ليسوا جنوداً نظاميين بالمعنى المحدد للكلمة حيث أنهم يقيمون ويعيشون مع أسرهم ووسط شعبهم أي أنهم مدنيين يقاومون احتلالاً، كما أن أعمال المقاومة قد لاتقتضي الاشتباك المباشر مع القوة المحتلة بالإضافة إلى إشكالات أخرى لسنا بصدد تناولها. إضافة إلى ذلك فإن الإفراج عن أسرى الحرب وعودتهم إلى ديارهم يكون بعد انتهاء الأعمال الحربية والتوصل إلى ترتيبات بين المتحاربين، وهو ما يعني أن من يتم أسره في بداية الأعمال الحربية قد يمكث رهن الأسر إلى أن تضع الحرب أوزارها والتوصل إلى اتفاق سلام حتى لو استمرت الحرب عشر سنوات أو عشرين سنة أو أكثر، وغني عن القول مرة أخرى أن من أعد الاتفاقية كان مسكونا بتجربة الحرب العالمية الثانية، وبحالات الاحتلال التي لم تكن لتستمر في أقصى أحوالها إلا لبضع سنين. وعلى سبيل المقاربة ففي حالة الأراضي الفلسطينية المحتلة فإن من قاوم الاحتلال في العام 1967 بالقاء حجر على قوة للاحتلال واعتقل يبدو أنه لن يفرج عنه إلا بانتهاء العمليات الحربية والتوصل إلى اتفاق سلام قد يتم التوصل اليه في العام 1993 او2012 او 2050 حيث أنه من المحظور أن يتم تقديم أسير الحرب إلى المحاكمة، بينما لو كان معتقلاً وفق للاتفاقية الرابعة فإنه قد يحكم ببضعة أشهر أو نحوها فضلاً عن إمكانية تلقيه زيارة دورية من ذوية والالتقاء بمحام من اختياره وتمتعه بنظام الحماية الذي توفره الاتفاقية. إن اللجوء إلى توصيف المعتقلين بأنهم أسرى حرب مرتبط كما يبدو بواقع الظلم وانتهاك قواعد القانون الدولي، والانتهاكات الخطيرة التي يتعرض لها المعتقلون الفلسطينيون من قبل إسرائيل كقوة احتلال، كمحاولة لتظهير قضيتهم في المحافل الدولية لاسيما وأن هناك اتفاقاً للسلام وقعته منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. وإنني أرى بأن ما يتعرض له المعتقلون من واقع أليم يستوجب معه القيام بفعل منظمٍ وواعٍ، فمهما كان التوصيف القانوني لهم فدولة الاحتلال لاتعترف بذلك ولن تعترف، وهو لن يغير من الواقع الأليم شيئا. والقضية تحتاج إلى تكامل بين المستويات الرسمية وغير الرسمية، الحكومية والأهلية في عمل لايخضع لردود الأفعال، سعياً لتحسين ظروف اعتقالهم وفقا لمعايير الأمم المتحدة الدنيا لمعاملة السجناء على طريق الإفراج عنهم وإفراغ السجون من المعتقلين العرب والفلسطينيين، لاسيما وأن كل المعتقلين في السجون الإسرائيلية قد خضعوا لمحاكمات غير شرعية تفتقد للحد الأدنى من معايير المحاكمة العادلة، وأنهم تعرضوا للتعذيب وهي سياسة رسمية لدرجة تكاد معها دولة الاحتلال أن تكون الوحيدة في العالم التي تقرها رسميا مهما هذبت من المصطلح، وهو ما يعني أن وجودهم من الناحية القانونية غير شرعي وبالتالي فإن واجب الإفراج الفوري عنهم قضية قانونية بالإضافة إلى أنها سياسية وأخلاقية بامتياز. إن سوء الأداء الفلسطيني محزن ومخجل ويثير الشفقة وهو ليس بحجم قضية كقضية المعتقلين في السجون الاسرائيلية، ولا بحجم قضية شعب كالقضية الفلسطينية. العجز والارتباك وغياب الإرادة واضح بشكل مأساوي، فإسناد المعتقلين يتم بالاعتصام أمام الصليب الأحمر في عمل أقرب إلى "الشو" ومسيرات تتجند لها الفصائل، في عرض كلاكيت ثاني وثالث ورابع مرة، وهو نوع من بيع همومنا إلى أنفسنا، وأنا لا أقلل من قيمة الإسناد الشعبي والفصائلي لقضية المعتقلين، لكنه يجب أن لا يكون موسمياً مرتبطاً بحدث هنا أو هناك، وثانياً لابد أن يخرج الفعل إلى فضاءات أرحب إقليمية ودولية ومرة أخرى لا تكون كالعروض المسرحية. المطلوب عمل مخطط له يستخدم الأدوات القانونية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية، على نحو فاعل يحقق الاختراقات المطلوبة في الرأي العام الدولي والمؤسسات الدولية بما يجعل قضية المعتقلين حاضرة دائماً على أجندة الفاعلين الإقليميين والدوليين رسميين وغير رسميين. ويضع العالم أمام مسؤولياته القانونية والأخلاقية تجاه المعتقلين في السجون الاسرائيلية. إن القفز في الهواء لن يفيد أحداً، والمطلوب أن يتحمل الجميع مسئولياته تجاه القضايا الوطنية الكبرى، فالمشكلة ليست فنية بل سياسية، ونقطة البدء لتحقيق ما هو مطلوب - ودون إبطاء - نحو خلق بيئة مناسبة لاقتراب العالم من قضايانا هي المصالحة وإنهاء حال الانقسام التي تهدد كل ما هو وطني وتعيق أي فعل إقليمي ودولي. إن الشرعية وحدها لاتصنع العدالة، فعلي رغم شرعية قضية المعتقلين أخلاقياً وقانونياً وسياسياً إلا أننا لم نحقق الاختراقات المطلوبة، فبالإضافة إلى الانقسام هناك سوء الأداء الفلسطيني القانوني والسياسي ممثلاً في انكفاء معظم السفارات الفلسطينية على نفسها، وعدم توفر الارادة السياسية للمضي قدما في مواجهة دولة الاحتلال والاشتباك معها قانونياً وسياسياً وخير شاهد على ذلك ما حدث في إدارة ملف غولدستون. إنها لحظة الحقيقة التي تتطلب تصويب أوضاع خاطئة وحالات من العبث السياسي لاتنتج إلا مزيدا من الأزمات والكوارث.issam@mezan.org