خبر : السعودية وإيران: الخطر الأهم على الربيع السوري

الأربعاء 22 أغسطس 2012 03:11 م / بتوقيت القدس +2GMT
السعودية وإيران: الخطر الأهم على الربيع السوري



إنّ التأمل في خريطة العالم العربي وجواره وقراءة موجة الربيع العربي والسوري تحديداً، ضمن هذه الدائرة، ثم توسيع الدائرة وقراءة الموجة/ الظاهرة على المستوى الدولي ككل، عبر قراءة تقاطعات القوى السائدة والصاعدة، إقليمياً ودولياً، ستجعلنا نتلمس باكراً الصعوبات التي تقف في وجه هذا الربيع، وتعمل على احتوائه لإعادته إلى حظيرة الطاعة وفق أدوات جديدة ليست الديموقراطية الشكلية التي يتم ترويجها أحياناً إلا جزءاً منها.على المستوى الإقليمي، يشكل بلدان مثل السعودية وإيران خطراً داهماً ومباشراً على الربيع العربي والسوري تحديداً، لأسباب كثيرة يأتي في مقدمتها أنّ كلا البلدين مهدد بانتقال الربيع إليه، إذ إنّ جذور الثورة موجودة في كليهما، لأنهما محكومان بثيوقراطية دينية تجعل من الدين مجرد ستار لطموحات الممسكين بالسلطة فعلياً. فالثورة الخضراء (2009) التي وأدها العنف الوحشي للنظام الإيراني لم تزل تشكل إرهاصاً لثورة ما، وهذا لا يختلف عن الوحشية التي تقمع بها السلطات السعودية معارضيها، عدا توارد مؤشرات من القطيف قد تشكل إرهاصاً لثورة قادمة. هنا ليس من مصلحة البلدين أن ينتصر الربيع العربي عموماً والسوري تحديداً، لأنّ دولة ديموقراطية حقيقية في سوريا هي خطر عليهما، لسببين اثنين: الأول انتقال الربيع إليهما مهما تأخر عنهما، لأن المسألة مسألة وقت، وفق نظرية الموجة أو المد الديموقراطي استناداً إلى أحجار الدومينو، والثاني خسارة سوريا كلاعب مهم في المنطقة، نظراً لموقعها الجيوسياسي، يريدها كل طرف ضمن محوره.وهنا نصل إلى المسألة الثانية، من الخطر السعودي/ الإيراني على الربيع السوري، إذ إن كليهما ينظر لسوريا كامتداد لمحوره الطائفي أيضاً، وهو ما ينعكس على طريقة دعم البلدين لسوريا. طهران تدعم النظام الذي ترى فيه امتداداً شيعياً من طهران إلى بغداد إلى دمشق وحزب الله، والسعودية تدعم المعارضة التي ترى فيها امتداداً سنياً بوجه الهيمنة الإيرانية. وكلا الموقفين لا يصب في صالح السوريين ولا انتفاضتهم.ولفهم أكثر لهذا الموضوع لنا أن نعرف أنّ الدولة السعودية تقوم على تحالف سلفي/ ملكي، يقصي كل المكونات الاجتماعية الأخرى عن المشاركة في الحكم، إذ على خلاف التقسيم السائد في وسائل الإعلام للاجتماع السعودي إلى سنة وشيعة، فإنّ المملكة تحوي السنة الوهابيون الحاكمون و«الشيعة الاثني عشرية والمالكية في المنطقة الشرقية، والحنبلية في المنطقة الوسطى، والإسماعيلية في المنطقة الجنوبية والشافعية والمالكية والصوفية في المنطقة الغربية»(1). بتأمّل تركيبة الحكم السعودي، سنجد أنّ السلفية تهيمن على كل شيء بمشاركة العائلة الحاكمة، أي أنّها تقصي كل المذاهب الأخرى، بما فيها أصحاب المذاهب السنية لأنّه «كانت المذاهب السنية والشيعية قاطبة في مركز الاستهداف السلفي منذ إبرام التحالف بين إمام المذهب الوهابي الشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود سنة 1744» (2)، عداك عن الشيعة الذين ليس لهم أدنى حقوق المواطنة بعد. إذن نحن أمام دولة تقودها سلطة مفرطة بالمذهبية والتمييز الديني بين طوائفها، بحيث يقصي المذهب السلفي كل مكونات المجتمع الأخرى، ويمنعها من التعبير عن ذاتها وطنياً أو دينياً حتى.الأمر نفسه ينطبق على إيران التي تحكم وفق نظرية ولاية الفقيه التي لا يتفق حولها الشيعة أنفسهم، الأمر الذي يجعل شيعة آخرين في طهران بعيدين عن التمثيل سياسياً في نظرية لا تمثلهم، كما يجد بعض السنة في السعودية أنّ المذهب الوهابي لا يمثلهم. إضافة إلى أنّ الأقليات (الدينية والإثنية) الأخرى في طهران تعاني تمييزاً واضحاً لجهة التمثيل السياسي. عداك عن سجل البلدين السيئ في انتهاك حقوق النساء.نحن أمام دولتين تتشابهان في الجوهر الاستبدادي الذي يقوم على بينة دينية، وبالتالي فإنّ سياستهما الخارجية هي في جزء منها صدى لهذا النظام الذي يقوم على تصدير إيديولوجيته إلى الخارج، إذ يغدو التصدير عاملاً بنيوياً في تركيبة كلا النظامين، وهنا الخطر الحاسم على الربيع السوري. إنّ النظر في سياسة البلدين الخارجية، خلال عقود سابقة، سيثبت أنّ كليهما اعتمد الدين وسيلة لإيجاد موطئ قدم له في تلك البلدان، إذ لم يكن الدين أكثر من إيديولوجية لتسهيل الهيمنة وكسب النفوذ. لقد عملت السعودية تاريخياً على دعم بناء الكثير من المساجد ودعم التيارات السلفية في سوريا وغيرها، عدا دعم جمعيات دينية تدين لها بالولاء، إضافة إلى دعم تشكيلات سياسية تقترب منها إيديولوجياً بهذا القدر أو ذاك. وكان هذا الدعم يستهدف إضافة إلى الولاء السياسي تحويل دين المناطق المدعومة من دين طبيعي إلى إيديولوجية دينية ستكون المولد الطبيعي للطائفية التي هي صناعة سياسية بامتياز، لنشهد الانتقال من الطائفة المتموضعة اجتماعياً ضمن نسيج اجتماعي عام إلى طائفية لن تجد نفسها إلا بمواجهة هذا النسيج.وبالمقابل عمدت طهران إلى نشر التشيّع في أكثر من مكان في العالم وفي سوريا تحديداً، بل عمدت حتى إلى نشر تشيّعها الخاص المستند إلى ولاية الفقيه بين الشيعة أنفسهم، لتحويلهم من شيعة متدينين بشكل طبيعي، إلى شيعة مؤدلجين بولاية الفقيه، وثمة فرق شاسع بين الاثنين، إذ يغدو الأول ديناً طبيعياً كأي دين، في حين يصبح الثاني إيديولوجياً وطائفياً.خطر هذين النموذجين ليس في ما سبق فحسب، بل في العمل المنهجي والحثيث على تغيير البنى الاجتماعية في المناطق التي تدخلها، بحيث يتم العمل على أن تصبح تلك المناطق بيئات للتطرف وإنتاج الطائفية، عدا تغيير عادات الناس باتجاه فرض عادات لم تكن موجودة سابقاً. عادات أكثر تخلفاً من العادات التي كانت سائدة بشكل طبيعي، أي أنّ هذا التصدير للنموذج يستهدف إنتاج بنى اجتماعية متغربة عن محيطها وتتشابه مع البنى الاجتماعية للمنبت المصدِّر. هذا الأمر أشار إليه بنحو جيد الباحث اللبناني أحمد بيضون، حين قال: «في الأساس كان التشيّع اللبناني، بما هو تشيع عربي، قريباً من مواقع الاعتدال في الإسلام السني، وهذا بخلاف التشيع الإيراني... وأما تدين الشيعة اللبنانيين فكان لا يزال لنحو ثلاثة عقود أو أربعة خلت «طبيعياً» إن جاز هذا الوصف، أو خافتاً لا مغالاة فيه ولا استعراض... وقد حملت أسرة إيرانية إلى النبطية في جنوب لبنان، أسلوب الشيعة الإيرانيين المسرحي والفاقع في التفاصيل في إحياء ذكرى عاشوراء، وكان ذلك في أوائل القرن العشرين... مال هذا الأسلوب إلى الانتشار في مواطن الشيعة اللبنانيين المختلفة، فعاد غير مقصور على النبطية. وقد واكب انتشاره (وتحوله إلى مزيد من الحدة وإلى ضرب من الاستعراضية شبه العسكرية في آن) انتشار مضامين ومسالك إيرانية المشرب في أوساط الشيعة اللبنانيين... ولعل أبرز معالم الصورة المذكورة ـ فضلاً عن التحوير الذي حصل لمراسم عاشوراء ولمضامين المجالس الحسينية وفضلاً عن استحداث مناسبات كثيرة للاحتفال متصلة بسائر آل البيت ـ تصدّر الإمام المهدي وانتظار ظهوره مسرح المخيلة الشيعية بعد أن كان رهيناً لكواليس المسرح المذكور» (3).وعملت طهران من جهة أخرى على نشر التشيّع في سوريا وكان ذروة هذا الكلام في 2006 و2007 كما يقول الكاتب السوري ياسين الحاج صالح: «على أنّ الانفعال الذي ووجهت به ظاهرة التشيّع في أخفى وجها آخر قد يكون أهم للظاهرة ذاتها: «تشيّع» الشيعة السوريين أنفسهم، وأعني تعزيز وعيهم الذاتي الخاص واجتذابهم نحو النموذج المعياري الإيراني بعد أن كانت سمة التديّن الشيعي بعيدة عن المعيارية، وكان الشيعة مندمجين في بيئاتهم المحلية. ولعل كلاً من العلاقة الخاصة للنظام بإيران وتنطّح الدولة الإيرانية لرعاية مقامات وأضرحة تخص بعضاً من «آل البيت» وأصحاب الإمام علي، أسهمت في تعزيز شعور الشيعة السوريين بذاتهم ودفعهم للظهور. ومن مظاهر التشيّع التي تصاعد الكلام عليها إنشاء حسينيات وحوزات وتوسيع مقامات مقدسة، وتشكيل جمعيات خيرية ومؤسسات صحية، وصولاً إلى حد دفع رواتب للمتشيعيين»(4).تعمل طهران على استغلال الساحة السورية اجتماعياً وسياسياً واجتماعياً عبر سعيها لنشر التشيّع وجر العلويين السوريين ليكونوا وقودا للمصالح الإيرانية على المدى المنظور. وهي فشلت في نشر التشيّع سورياً حتى الآن بسبب أنّ النظام السوري ليس طائفياً في العمق، بقدر ما هو يستخدم الطائفية وسيلة لضمان السيطرة والإخضاع، ولأنّ النموذج الاجتماعي العلوي (عيشاً وسلوكاً) بعيد كلياً عن نماذج التديّن الشيعي، وسياسياً عبر دعم النظام السوري سواء بشكله الحالي أو بعد سقوط النظام عبر دعم ميليشياته المتبقية، إلا إن حدثت تسوية سياسية تعترف بالمصالح الإيرانية في سوريا، وهو أمر يبدو مستبعد حتى اللحظة في ظل الاستقطاب الحاصل بين القوى الإقليمية والدولية. هنا قد توفر إطالة زمن الثورة السورية وعدم قدرتها على الحسم للنظام الإيراني فرصة استغلال العلويين لاحقاً كما كانت الحرب الأهلية اللبنانية المحطة الأساس في دخول طهران إلى النسيج الاجتماعي اللبناني، لأنّ الحروب ترفع نسبة التديّن لدى الناس عامة، وبالتالي يصبحون أكثر قابلية للاستغلال الديني.ولعل ما نشهده الآن على الساحة السورية في الشمال السوري من محاولة تغلغل الجماعات السلفية المسلحة التي تدعمها السعودية والكتائب المسلحة التي يدعمها الإخوان المسلمون برعاية قطر، هو محاولة ضمن سعي السعودية وقطر لإيجاد مواطئ قدم لهما في النسيج السوري الذي سيستثمر لاحقاً سياسياً. إنّ قراءة التقارير التي يكتبها الصحافي حازم الأمين من شمال سوريا توضح بأنّ النسيج الاجتماعي السوري في تلك المناطق (ريف حلب وريف إدلب) هو تديّن طبيعي يرفض الصيغ السلفية المفروضة عليه باسم السلاح ويتذمر منها (وهذه اللحظة تشبه اجتماعياً لحظة دخول أول عائلة إيرانية إلى النبطية في المثال الذي ذكره أحمد بيضون سابقاً). يقول الأمين في أحد تقاريره: «يقول قائد مجموعة من الجيش الحر في ريف حماه، رداً على إلحاح في السؤال: «وزائر مدن وبلدات ريفي حلب وإدلب سيشعر بأنّ المجتمعات المحلية ليست مكاناً نموذجياً لانتشار الجماعات الإسلامية المتشددة. الناس هنا قليلو التشدد. الصحافيون الغربيون والعرب من غير الصائمين لن تواجههم صعوبات كبيرة. النساء السوريات لا يخضعن لحصار ولفصل حاد عن مجتمع الرجال. هن محجبات، لكن حجابهن غير محكم. لا أثر لمنقبات باستثناء أولئك اللواتي يجرين مقابلات صحافية ويرغبن بإخفاء وجوههن... «كتائب أحرار الشام» التي استولت على معبر باب الهوى على الحدود التركية ــ السورية هي اليوم محل انتقاد شديد من قبل الكثير من المواطنين في المدن الريفية هنا» (5). نلحظ هنا رفض البيئة الاجتماعية السورية لهذا التديّن السلفي لأنّه يتنافى مع طبيعتهم الاجتماعية وانتقادها له ولتصرفاته. لكن استمرار الصراع السوري ودخول سوريا في أفق الحرب المفتوحة إقليمياً، سيعملان على تحويل هؤلاء تدريجياً، من التديّن الطبيعي إلى التديّن الإيديولوجي السلفي، بفعل العنف وما يستدعيه من حاجة الناس إلى الدين من جهة، والمال من جهة أخرى، إضافة إلى الأجندة التي تعمل وفقها تلك الكتائب التي لا تعمل ضمن تركيبة الجيش الحر كما يقول حازم الأمين، ولها تمويلها الخاص والمنظم: «لا تقاتل الوحدات «الإسلامية» في ريفي حلب وإدلب ضمن تشكيلات «الجيش السوري الحر». يقول المسؤولون في هذا الجيش وفي تلك الوحدات إن ثمة تنسيقاً بينهما، لكن قيادة الجيش الحر، وهو الفصيل الأكبر والأقل انسجاماً، تقول إنّها لا تملك نفوذاً على هذه الجماعات. وفي موازاة ذلك ثمة حرص كبير يمارسه الجميع هنا على التكتم على طبيعة هذه الجماعات وعلى هوياتها الدينية والسياسية وعلى تركيباتها البشرية»(6).ما سبق، يجعلنا أمام احتمال مفتوح أن يسعى الطرفان الإيراني والسعودي إلى إطالة أمد الحرب في سوريا لإغراق الربيع السوري بحرب أهلية مديدة، ولتنحرف من صراع حرية/ استبداد إلى صراع سني/ شيعي، ليصبح هذا الربيع غير مغر وغير قابل للانتشار وفق أحجار الدومينو، فيتوقف في الأرض السورية ويموت بها، وإما التوصل إلى تسوية تفتح أفق الحل بضمان مصالح الطرفين في دمشق، إذ إنّ الحرب الأهلية السورية (إن وقعت) مرشحة للتوسع إقليمياً وهو ما تخشاه الدولتان لتأثيرها على أمنهما الإقليمي، ويلعب هنا عامل صد أمامهما. غير معروف حتى اللحظة كيف تنتهي الأزمة السورية، لكن المؤكد أنّ السعودية وإيران تعملان جهدهما التام لاحتواء الربيع العربي والسوري تحديداً، لأنّه الأكثر خطراً على مصالحهما، ولأنّ انتصاره يعني أنّ الربيعين السعودي والإيراني باتا على الأبواب. وهذا أمر يحكم أيضاً الموقفين الروسي والأميركي اللذين يدرك كل منهما خطر الربيعين السعودي والإيراني عليهما.ــــــــــــــــالمراجع:(1): نواصب وروافض ـ منازعات السنة والشيعة في العالم الإسلامي اليوم ـ إعداد حازم صاغية، دار الساقي، بيروت، طبعة 2 ـ 2010 ـ ص 143.(2): المصدر السابق، ص 144.(3): المصدر السابق، ص 15.(4): المصدر السابق، ص 75.(5): الأمين، حازم، «الإسلاميون» الأكثر تنظيماً وتمويلاً وغموضاً والأقل عدداً ونفوذاً، صحيفة الحياة، الثلاثاء ١٤ أغسطس،٢٠١٢،الرابط: http://alhayat.com/Details/426355.(6): المصدر السابق.   محمد ديبو(*) ـ الأخبار اللبنانية * شاعر وكاتب سوري.