خبر : الدعاية الإسرائيلية - هل فعلاً أطفالنا مستعدون؟ ...بقلم د. بهجت علي

الأربعاء 01 أغسطس 2012 01:40 م / بتوقيت القدس +2GMT
الدعاية الإسرائيلية -  هل فعلاً أطفالنا مستعدون؟ ...بقلم د. بهجت علي



أدهشني كثيراً ما رأيته في مقطع الفيديو الذي نشرته حركة أمناء جبل الهيكل حول إستعداد أطفال إسرائيل لبناء الهيكل، وتابعت الموضوع وقرأت ما بين السطور والرسالة التي يوجهها هذا المقطع، ليتبين أنه يقدم حالة تنم عن العقيدة الإسرائيلية التي تنطلق من نظرية الأيديولوجيا التعبوية. المتابع للفيديو تتعزز لديه فكرة أن الحركات الإسرائيلية المتدينة تحضر أطفالها وتعبئهم نحو ما هو آت وترسخ لديهم قناعة بأنهم هم الجيل القادم الذي سيبني الهيكل. من المعروف بأن الحركات الصهيونية في إسرائيل لها مدارسها الخاصة التي تربي أطفالها على كره العرب عامة والفلسطينيين خاصة. فبناء الهيكل هو جزء أساسي في العقيدة الإسرائيلية ومن أولويات المرحلة القادمة لدي الأجيال الصهيونية القادمة. هناك حقيقة واضحة بأن الإعلام الإسرائيلي يقوم على تعبأة جمهوره نحو السياسات التي يرسمها صناع القرار في الدولة. فالسياسات التي تمارسها إسرائيل نحو وسائل إعلامها واضحة للعيان بأنها تحمل مشروع الإعلام ذو الإيديولوجية التعبوية الذي يقوم على السيطرة على المعلومات التي تقدم للمواطنين وتعبئة المواطن فكرياً للدفاع عن فكر أو قضية تحددها أولويات المرحلة.  فبالرغم من أن إسرائيل تزعم أنها دولة ديمقراطية، إلا أنها تمارس الرقابة على وسائل الإعلام. وبالرغم من إنتشار المؤسسات الإعلامية في إسرائيل، إلا أنها تبقى أسيرة لقوانين المؤسسة العسكرية والأمنية. ولا يخفى على أحد بأن الحركة الصهيونية منذ قيامها إعتمدت على الدعاية من أجل تحقيق أهدافها في السيطرة على فلسطين وإقناع العالم بأن الشعب اليهودي هو الشعب المضطهد. وإستطاعت الحركة الصهيونية من خلال إستراتيجيات رسمتها بأن تهيئ الرأي العام العالمي لقيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية ووضع القضية اليهودية على سلم أولويات الدول الكبرى. لقد جاء هذا المقطع ليضعنا أمام العديد من التساؤلات حول ماهية أولوياتنا في المرحلة الحالية وإستراتيجيات الرد على الدعاية الصهيونية. فمع رؤية مقطع الفيديو تحركت مشاعرنا وأصبنا بالذهول لقوة المشهد الذي أظهر بناء الهيكل، وبدت الصدمة على وجوه الكثيرين ممن شاهدو المقطع. تلك الصدمة تحولت الى ردة فعل والتي كانت نتاج للفيديو الذي أنتجه المخرج الفلسطيني صابر عليان. لا أريد الخوض في مضمون المقطع، فبالرغم من تواضعه إلا أنه يعتبر عملاً جيداً لا يمكن تجاهله. ولكن الى متى سنظل نتعامل بردات الفعل. فمن الجميل أن نخرج مقاطع فيديو دعائية للرد على الدعاية الصهيونية، ولكن من الجميل أيضاً أن نرتب أولوياتنا ونربي أطفالنا ونجعلهم فعلاً جاهزين للمرحلة القادمة. ولكن لنرتب أولوياتنا ونكون جاهزين للمرحلة القادمة يجب أن نسأل أنفسنا سؤال وهو: هل المواطن الفلسطيني جاهز للمرحلة القادمة أم لا؟ لقد ترسخت في ذاكرتنا فكرة الرجوع الى أراضينا التي أحتلت عام 48، وتربينا على حماية مقدساتنا، وضحينا بكل ما نملك من أجل قيام دولتنا، ولكننا يجب أن نعترف بأننا نفتقد الى البنية المتماسكة والرؤية المشتركة حول تحديد أولوياتنا. فاليوم المواطن الفلسطيني أصبح لسان حاله يقول أريد كهرباء، أريد وقود، وغيرها من مستلزمات الحياة اليومية. لا أريد الخوض كثيراً في موضوع المصالحة ومن الطرف المعطل لها، ولكن لقد بات الشعب يعرف نوايا المتنفذين السياسيين والمستفيدين من الحال الذي وصلنا إليه اليوم. فاليوم أصبحنا كشعب وسياسيين نعيش حالة من الاوعي والتيه ولا نعرف ما هي أولوياتنا. فمع طول عمر الإنقسام وتعثر المصالحة، أصبح من الصعب خلق مناخ سياسي وإجتماعي قادر على إستيعاب كل المتغيرات. فكيف لنا أن نتصور بأننا حماة الوطن وحراس المقدسات الإسلامية، بينما لا نزال نخون بعضنا البعض ونستخدم الدعاية لتشويه الآخر. الكل بات يعرف مخططات إسرائيل بمنع إقامة الدولة الفلسطينة، بل بدى واضحاً ايضاً ما تقوم به إسرائيل من عرقلة الطرف الفلسطيني من الوصول الى الأمم المتحدة للحصول على إعتراف دولي. واذا نظرنا الى ما يحدث الآن نلاحظ أن إسرائيل تعيش أزمة سياسية تتمثل في التعامل مع القضية الفلسطينية. وإذا أخذنا بعين الإعتبار الجمود السياسي بين الطرفين، فنستطيع أن نصل الى نتيجة بأن إسرائيل تعمل ضمن سياسة ممنهجة ومدروسة للتعامل مع الفلسطينيين. هناك الكثير من القضايا إذا ما أخذناها بعين الإعتبار فإنها تدفعنا الى تحديد أولوليتنا ورسم سياستنا المستقبلية في كيفية التعامل مع الدعاية الاسرائيلية. من الواضح أن هناك غياب تام لأشكال المهنية في إعلامنا الفلسطيني في التعامل مع الدعاية الإسرائيلية، وهذا بإعتقادي يرجع الى عدم وجود إستراتيجية جدية للتعاطي معها. لا أتفق كثيراً مع فكرة أن التكنولوجيا الإعلامية الفلسطينية ضعيفة أمام ماكينة الدعاية الإسرائيلية، لأننا رأينا كيف تم تطويع الأجهزة الإعلامية الفلسطينية في حملات التشويه والتغريض. فلم يساهم إعلامنا الفلسطيني في خلق جو من اللحمة السياسية وإنسجام جميع الشرائح المجتمعية، بل خلق حالة من الفوضى الإعلامية التى شوهت التجربة الإعلامية الفلسطينية. إن ضعف إعلامنا الفلسطيني يكمن في إنسياقه وراء القيم الحزبية والسياسية وإنتاجه مواد إعلامية تعكس وجهة نظر القائمين عليه. ومن هذا المنطلق تكون حرية التعبير هي المعيار الأساسي التي يقيس مدي تبعية أجهزة الإعلام للحكومة أو للحزب. فالإعلام ليس فقط له دور في الحياة السياسية، بل في الحياة الإجتماعية والثقافية أيضاً. فالإعلام يجب أن يمتلك الحرية في التعبير وإعطاء الناس الفرصة للتعبير عن آرائهم وأن يتحرر من تبعيته.  ولكن المتأمل في الخطاب الإعلامي الفلسطيني يجد أن أبجدياته تقوم على الصراع والعنف وتخوين الآخر. إن الإقدام على مثل هذه الممارسات وإتباع سايسة تكتيم الأفواه وغياب التنوع في الخطاب السياسي تؤكد على أن هناك مشكلة في الشكل والمضمون. لقد بات إعلامنا يحتاج الى إصلاح لأننا يجب أن ندرك جيداً خطورة الحرب الإعلامية التي نتعرض لها وأهمية الخطاب الدبلوماسي في طرح قضيتنا العادلة في المحافل الدولية.