خبر : عن دولة غزة: إسرائيل لا تبيع الزهور .. ونحن لا نجيد السياسة ..! .. بقلم :أكرم عطا الله

الأحد 29 يوليو 2012 03:50 م / بتوقيت القدس +2GMT
عن دولة غزة: إسرائيل لا تبيع الزهور .. ونحن لا نجيد السياسة ..! .. بقلم :أكرم عطا الله



هل كنا بحاجة إلى خمس سنوات من عذاب الطوابير لنحصل على أمل بفتح معبر محدد العدد مع مصر؟ وهل كان من الضروري أن نغرق خمس سنوات في الظلام لنبدأ بالبحث عن حلول مرحلية للكهرباء ؟ ألم يكن ما حصل عام 2007 هو ما تسبب بكل ذلك، ألم يقل الرئيس المخلوع حسني مبارك "تصالحوا ليفتح المعبر؟ ألم تكن قصة الكهرباء لتحل وفق ما كان متبعاً في إطار المصالحة؟ وأسئلة كثيرة قد تعطي إجاباتها مؤشرات تستدعي التفكير بما جرى ويجري وقدرا أكبر من الخوف مما سيجري.  من يعتقد أن إسرائيل جمعية خيرية أو أنها تبيع الزهور عليه أن يعيد إجراء حساباته السياسية وقراءته لتاريخ الصراع، ومن لم ير أن غزة قطعت شوطا بالذهاب نحو مصر لن تفيده كل عدسات التكبير كي يرى الأشياء على حقيقتها ولن يراها، ومن لا يعرف أن مشروع إسرائيل تجاه قطاع غزة يقوم على دفعه باتجاه مصر عليه أن يعيد قراءة كل الوثائق الإسرائيلية من جديد وأشهرها وثائق مؤتمر هرتسيليا التاسع لعله يرى مصلحة الخصم ليحسم ضبابية الموقف وسذاجته ليرسم رؤيته وفعله السياسي في الاتجاه المضاد تماماً أي باتجاه مصلحته. من لم يقرأ أن غزة شكلت وتشكل وستشكل في المستقبل عنصر تهديد على الأمن القومي الإسرائيلي وتشكل خطرا على دولة إسرائيل إن استمرت كما هي فقط فهو مخطئ في قراءة توازنات الصراع، من يذكر مشروع التوطين في سيناء الذي كان منذ ستة عقود أي بعد إنشاء إسرائيل بأقل من خمس سنوات؟ وهل يمكن ربطه بما يحدث حاليا؟ هو سؤال ينبغي البحث عن إجابته لدى المؤرخين والمفكرين والمتابعين للشأن الإسرائيلي فلديهم إجابة عما يحدث في المنطقة وقد أكون مبالغا حين استنجد بالمفكرين لتفسير اللحظة التاريخية، فدفع غزة باتجاه مصر لا يحتاج إلى كل أولئك فهو على هذه الدرجة من الوضوح.  من لا يعرف أن غزة ملعونة أيديولوجيا فليعد قراءة التوراة وقصص دليلة وشمشون وهروب الملك داوود كلاجئ سياسي فيها وحروب الهزيمة في "جرار" القرارة شرق خان يونس حالياً، وغزة التي لم ينهكها نزيف الدم على مدى العقود ولا زالت تحمل من الإصرار ما يكفي لإشعال فتيل الحرية، فغزة هي فدائيو مصطفى حافظ وغزة التي خرجت منها الخلية الأولى لفتح على رأسها ياسر عرفات، وغزة التي تشكلت فيها حركة حماس والجهاد الإسلامي والانتفاضة الأولى وحرب الصواريخ وشكلت دفيئة المقاومة التي كلما قارب مخزونها على النفاد أمدته غزة بالمزيد لتستمر حالة الاشتباك مع إسرائيل. كيف أصبح الآن فك الاشتباك مع إسرائيل حلماً وأحد أبرز الانجازات الوطنية؟ في العلم العسكري يقولون إذا أردت أن تدفع خصمك باتجاه محدد حاصره من ثلاث جهات واترك له الرابعة مفتوحة، فقد أغلقت إسرائيل الشرق والشمال والغرب، معابر الشرق كلها معبر كارني ومعبر صوفا والشمال معبر بيت حانون وحولته لثكنة عسكرية وغرباً طاردت الصيادين في عرض البحر بإطلاق النار واعتقالات ولاحقت سفن كسر الحصار وهي تعرف أنها لا تحمل سوى المساعدات الإنسانية، ولكن الهدف كان التأكيد على أن كل الجهات الثلاث مغلقة فابحثوا عن الجنوب، وفعلا تم ذلك من تحت الأرض وفوقها.  من يذكر أن رابين كان يحلم أن يصحو ليجد غزة قد ابتلعها البحر؟ ومن يذكر أن اتفاق أوسلو قام أساسا على أن تتخلص إسرائيل من غزة، وعندما أراد عرفات أن يتجاوز ذلك انقلبت إسرائيل على أوسلو وعلى كل الاتفاقيات ورسمت طريقا آخر للتخلص من غزة بعد أن حاول عرفات إعادة ربطه بالضفة الغربية.  غزة المنطقة الفقيرة والصغيرة والمزدحمة وتبلغ نسبة التوالد فيها أعلى النسب في العالم وهذا يحمل مشاكل وأزمات مؤجلة ستنفجر يوما في وجه إسرائيل، فالمكان لن يتسع للبشر، والموارد لن تكفي لإعاشتهم وسيزداد السكان وإن أرادوا التوسع، ففي ثلاث جهات سيكون على حساب إسرائيل، فلماذا تنتظر تلك الدولة التي لم تتوقف "دبابات الفكر فيها عن الحركة" تنتظر حتى يحدث الانفجار، فهذه منطقة فقيرة الموارد، والفقر سيولد بطالة وعنفاً و "إرهابا" كما قالت إحدى الوثائق التي قدمها عوزي أراد المستشار السابق للأمن القومي، والإرهاب ستدفع ثمنه إسرائيل، فهل تتصور أنها تنتظر دون فعل أم أنها تترك الأمور للمصادفات، التجربة تقول أنها ليست كذلك. كل الانتقادات التي وجهت للرئيس الراحل عرفات لدى توقيعه اتفاق أوسلو كانت لأن المشروع بدا أنه قائم على دولة غزة، وتتمثل مأساة اللحظة بأن ما رفضه الفلسطينيون يتحول الآن لإنجاز وطني وأصبح مطلباً للناس، فقد أوقعت إسرائيل وأوقع الفلسطينيون أنفسهم في مطب كبير وكيف نجحت في تحويل حلم رابين إلى حلم للفلسطينيين؟ هذه لعبة الحصار الذكية التي أعمت بصيرة الفلسطينيين ليذهبوا حيث يريد الإسرائيلي، ففي وسط الأزمة لا يفكر الإنسان جيدا، والدول والأحزاب والأنظمة كما البشر، فقد حوصرت غزة وللمصادفة كان البحث عن المخرج من الجهة التي أرادتها إسرائيل منذ الخمسينات .. !!  هل يعني ذلك أن على غزة أن تبقى محاصرة ؟ وهل يعني أن المشروع الوطني يجب أن يقوم على جلد أبناء غزة ؟ من يقول ذلك مخطئ، أليست المصالحة هي المخرج لأهالي غزة والمخرج للمشروع الوطني ولإعادة تصويب المسار الآخذ بالانحدار؟ ففي المصالحة ما يفتح المعبر وما يمكن من توفير كهرباء وفيها الأهم إجهاض مشروع إسرائيل بدفع غزة جنوباً، وفيها ما يضمن إدامة الاشتباك مع إسرائيل، كنت في أحد اللقاءات التلفزيونية أحذر من المشروع الإسرائيلي كمتابع للنوايا والمؤتمرات والصحافة الإسرائيلية، سألني أحد المتداخلين عن سر تمسكي بالارتباط بالاحتلال في غزة وأعتقد أن هذا السؤال المقلوب كان يجب أن يكون كما قلت: لماذا يسارع البعض بفك اشتباك غزة مع إسرائيل، وهل في ذلك مصلحة وطنية؟.  يجري الحديث عن إعلان غزة منطقة محررة، وحديث آخر عن منطقة تجارية حرة، وما بين النفي والإثبات تنبعث رائحة تقول أننا على وشك الانزلاق كما تخطط إسرائيل، وموضوع غزة يعكس فراغنا السياسي وغياب المشروع الوطني على المستوى الفلسطيني سواء في رام الله أو في غزة، فليس هكذا تقاد الشعوب وتدار الصراعات، وإذا لم يتم تدارك الأمر سيكون الزمن قد فات ليقول الغزي لأخيه إلى اللقاء في شبرا ..! Atallah.akram@hotmail.com