خبر : إسرائيل أولاً .. إسرائيل دائماً ..بقلم: طلال عوكل

الإثنين 23 يوليو 2012 10:34 ص / بتوقيت القدس +2GMT
إسرائيل أولاً .. إسرائيل دائماً ..بقلم: طلال عوكل



لم تترك وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون لأحد أن يفسر مقاصد زيارتها الأخيرة لمصر وإسرائيل على نحو ما يقع عندما يقوم مسؤولون دوليون كبار بزيارات للمنطقة وفي معظم الأحيان يدعي هؤلاء أنهم يستهدفون المساعدة في إحياء أو دفع عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي هذه الأوقات على وجه الخصوص حيث يقترب أكثر فأكثر استحقاق الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، لا يمكن ولا يجوز لأحد بأن يفكر، مجرد التفكير بأن تقوم شخصية مركزية في الإدارة الأميركية بزيارة تستهدف دفع عملية السلام، اللهم إن كان في مثل هذه الزيارة، ما يسعد إسرائيل، وهو أمر من غير الممكن تحقيقه في ضوء المسؤولية الحصرية لإسرائيل عن تعطيل عملية السلام، التي ستظل عملية بدون سلام. السيدة كلينتون جاءت بمهمة واحدة، بدأتها وكان من الطبيعي انطلاقاً من طبيعة الهدف أن تبدأها من مصر الجديدة برئاسة الدكتور محمد مرسي، الذي عليه أن يستمع إلى توجيهات وطلبات الوزيرة، وربما تحذيراتها، وأن تحصل منه على تأكيدات، بأن مصر الجديدة لن تتخلى عن التزاماتها واتفاقياتها بما في ذلك اتفاقية "كامب ديفيد". وفي مصر، لم تتورع الوزيرة الأميركية عن التدخل في الشؤون الداخلية للبلد المضيف، وكان أبرز ما صدر عنها مطالبة الجيش الالتزام بمهمة حماية الأمن القومي لمصر. الوزيرة بالفم الملآن وبدون خجل أو مواربة تطالب الجيش المصري بأن يتوقف عن دوره الذي قام به خلال مرحلة الثورة، وأن يقوم بتسليم صلاحياته ودوره، للرئيس مرسي. هكذا يبدو موقف الوزيرة، وكأنه ينطلق من مبدأ الحرص على الديمقراطية وعلى التداول السلمي للسلطة، ولكن الأمر لا يخلو من موقف صريح وواضح بأن الإدارة الأميركية تمنح ثقتها ودعمها لسلطة تقودها جماعة "الإخوان المسلمين"، الذين لم تنقطع حواراتهم معها أي مع الإدارة الأميركية منذ ما قبل الانتخابات. الوزيرة الأميركية لم تراعِ حالة الاستقطاب الحادة والذي يتعمق يوماً بعد آخر في الحياة السياسية المصرية، وكان من اللافت أن المناوئين للإخوان المسلمين هم الذين خرجوا إلى الشارع يعبرون عن احتجاجهم على زيارة كلينتون، وعلى التصريحات التي أدلت بها، وعبرت عن تدخل مباشر في الوضع الداخلي، إلى أن القوا عليها البندورة، وما ملكت ألسنتهم من شتائم. في هذا الإطار فإن الكرة في مرمى الرئيس المصري محمد مرسي، وفي مرمى حركة الإخوان المسلمين التي تستعد للسيطرة على الحكم، الذين عليهم أن يوضحوا علنياً موقفهم من الولايات المتحدة وسياساتها، وما ظهر من انحياز الوزيرة الأميركية. لا يحتمل الأمر مواقف عامة من النوع الذي صدر، ومفاده أن مصر الكبيرة، مصر الجديدة، حريصة بقيادة الإخواني محمد مرسي، على إقامة علاقات جيدة مع كل دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، فالمواقف التي اعتدنا على سماعها من الإخوان المسلمين على مدار التاريخ السابق، كانت تعبر عن حالة عداء للولايات المتحدة وإسرائيل. ذاكرة الشعوب قوية، ولا تنسى، أن تغيير المواقف والسياسات، التي تتخذ طابع الثبات النسبي، ان هذا التغيير يستدعي تغيير طرف ما لسياساته ومواقفه، فهل تغيرت المواقف والسياسات الأميركية والإسرائيلية، أم أننا نستعجل طرح الأسئلة الصعبة، وان علينا أن ننتظر حتى يستقر الحال في مصر، ثم نحكم على كيفية سير الأمور؟ حتى الآن ولأسباب تتصل بغياب الشفافية، فإننا لا نستطيع التأكد مما جرى في لقاء الوزيرة كلينتون بالرئيس مرسي، وما هي طبيعة الطلبات، التي تقدمت بها أو أمرت بها كلينتون؟ وأيضاً ما هي طبيعة التعهدات التي قدمها الرئيس مرسي، أو الطريقة التي رد بها على الوزيرة الأميركية؟. غير أن سلوك وتصريحات الوزيرة كلينتون في إسرائيل، والابتسامات العريضة التي ظهرت على وجوه مستقبليها من المسؤولين الإسرائيليين، كل ذلك يشير إلى أن كلينتون قد أسمعت مضيفيها الإسرائيليين ما يحبون أن يسمعوه، وما يدخل إلى نفوسهم القلقة الطمأنينة. كلينتون في إسرائيل قالت إن التغييرات الجارية في المنطقة العربية جاءت لمصلحة إسرائيل والولايات المتحدة، وأن بلادها تؤكد مجدداً حرصها الكامل على أمن إسرائيل، واستقرارها. وعلى الرغم من أن القدس التي نزلت الوزيرة الأميركية في ضيافتها لا تبعد سوى نصف ساعة بالسيارة وليس بالطائرة عن رام الله، إلاّ أن الوزيرة الأميركية أرادت أن لا تزعج مضيفيها الإسرائيليين بالظهور بمظهر الحريص على العلاقة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. وربما أرادت كلينتون أن تتجنب الاستماع للطلبات والشكاوى الفلسطينية والمواقف التي لا تلاقي لدى واشنطن آذاناً صاغية، ذلك أن الآذان الأميركية مفتوحة فقط لسماع الطلبات الإسرائيلية، التي لا يتأخر الرد الإيجابي العملي عليها من قبل الإدارة الأميركية. خلال هذه الفترة، ليس لدى الإدارة الأميركية أن تفعل للفلسطينيين سوى الضغط عليهم، ومواصلة تحذيرهم من الإقدام على أي خطوة أو موقف من شأنه أن يزعج إسرائيل، أو يحرج واشنطن، فيؤثر على أصوات اليهود الأميركيين الذين تعتقد إدارة أوباما أن عليهم أن يصبُّوا أصواتهم لصالحه، وأن يقدموا كل الدعم لحملته الانتخابية. وفي الواقع كان على كلينتون أن تتساوق مع أجندة الاهتمامات والأولويات التي تعتمدها الحكومة الإسرائيلية، وليس في سلّم هذه الاهتمامات الموضوع الفلسطيني. إسرائيل تبدي اهتماماً خاصاً لإيران ثم للمتغيرات العربية خصوصاً الجارية في مصر. ونلاحظ أن موفاز وحزبه "كاديما" قد انسحب من الائتلاف الحكومي الذي انضمّ إليه قبل أشهر قليلة، لأسباب تتعلق بالفلسطينيين أو ملف السلام، كما أن مؤتمر هرتسيليا لهذا العام، لم يكلف نفسه إبداء الحد الأدنى من الاهتمام للموضوع الفلسطيني. ثمة سبب رئيسي لغياب الملف الفلسطيني عن أولويات الحكومة الإسرائيلية وهو أن الفلسطينيين أنفسهم لم يجتهدوا في تصعيد ملف الصراع مع إسرائيل بما يفرض على إسرائيل والولايات المتحدة أن تتعاطى مع هذا الملف بشكل مختلف.