خبر : نحو مصر الجديدة .. بقلم: طلال عوكل

الخميس 24 مايو 2012 12:32 م / بتوقيت القدس +2GMT
نحو مصر الجديدة .. بقلم: طلال عوكل



يوم أمس يكون الحراك المصري نحو التغيير، قد وصل مفصلاً مهماً، فبعد الانتخابات التشريعية، تتقدم مصر نحو اختيار رئيسها للمرحلة الجديدة القادمة التي تفتح الآفاق أمام إعادة صياغة مصر، مصر الدور والكرامة، والفاعلية، مصر الديمقراطية، التي تلخص حضارة آلاف السنين. يثير الإعجاب المشهد الإعلامي والشعبي، الذي يتسم بحماس عارم، ويتنافس فيه على مقعد الرئاسة ثلاثة عشر مرشحاً يمثلون كافة الأطياف الفكرية والسياسية في الساحة المصرية. الإعلام الفلسطيني انخرط مؤخراً في تغطية المشهد الانتخابي المصري، والأسئلة تدور حول مَن هو المرشح المرجح، ومدة تأثير هذه الانتخابات على القضية الفلسطينية. في الواقع وبعيداً عن الرغبة في الاختيار، فإن المنافسة القوية تتم بين شخصيتين، الأولى توصف على أنها تمثل الحقبة السابقة أو النظام السابق، والثانية تحسب على خط الإسلام السياسي. ما يدعوني لذلك هو أن الكتلتين الأكبر اللتين تتنافسان على مقعد الرئاسة هما في واقع الأمر الإسلاميون الذين حصدوا أغلبية مقاعد مجلسي الشعب والشورى، وكتلة النظام السابق، بما تحوز عليه من مؤسسات ضخمة أكبرها الجيش ومؤسسة الدولة، والأجهزة.. هذه المقارنة لا تعني بالضبط أن المرشحين الذين يصرّ البعض على اعتبارهم من "الفلول"، سيحاولون أو أنهم سيكونون قادرين، أو أنهم يرغبون في العودة إلى النظام السابق، ولو كان أيّ من هؤلاء متهما بأنه يشكل امتداداً للنظام السابق، لكانت المؤسسات القضائية أصدرت بحقهم أحكاماً تمنعهم من الترشح لمثل هذا المنصب الرفيع. ولكن في المشهد المصري أيضاً ما يدعو للأمل والتفاؤل، ذلك أن شخصية مناضلة، مثل حمدين صباحي، الذي يمثل التيار الناصري قد نجح في أن يكون من بين المرشحين الأربعة الأوائل الذين يتنافسون على منصب الرئاسة، ما يعني أن مصر وفية لتاريخها وزعمائها، ولأن هذه الانتخابات تشكل بروفة أو توطئة لمرحلة قادمة قد يكون للناصريين والتقدميين حظوظ أفضل فيها. وأيا تكن شخصية الرئيس القادم لمصر، فإن أمامه كومة هائلة من المسؤولية التاريخية الضخمة، التي لا يجوز إنكار صعوبتها وأهميتها وتحتاج إلى تضافر المصريين كافة، ومرحلة طويلة من الزمن لتجاوزها. مؤسسة الرئاسة المصرية، بالتعاون والتكامل المأمول مع المؤسسات التشريعية، والقضائية، مطلوب منها، أن تكرس النهج الديمقراطي، نهج تداول السلطة عبر صناديق الاقتراع، وأن تتبع نهج العدالة الاجتماعية والمساواة والارتقاء بأوضاع الفقراء، وأبناء الطبقات الوسطى. وهؤلاء عليهم أيضاً أن يستردوا مصالح مصر، التي تهادن بشأنها النظام السابق، فكانت نهباً للسياسات والمصالح الأميركية والإسرائيلية، وعليهم أن يعيدوا لمصر كرامتها ودورها الإقليمي الذي يوازي إمكانياتها وحجمها، وتاريخها وحضارتها وموقعها الاستراتيجي. ومهما كانت الشخصية التي ستقود مصر في المرحلة القادمة، فإنها لا تستطيع القفز عن مسألة إعادة النظر في دور مصر الذي يفوق كثيراً ما تنص عليه اتفاقية كامب ديفيد، وبما يخدم إسرائيل أمناً ومصالح. وتنتصب أمام الرئيس القادم مسؤولية كبرى إزاء معالجة الأزمة الاقتصادية التي تضرب في كل أنحاء مصر، وأن يعيد ترميم مصادر الدخل التي تضررت كثيراً، خلال مرحلة الثورة وما بعدها. وسيترتب على الرئيس القادم أن يعيد التوازن والهدوء للمشهد السياسي والاجتماعي المصري، وأن يرسي دعائم الحوار، وقبول الآخر، والتعددية السياسية والإثنية، والطائفية، وأن ينهض بأوضاع مصر والمصريين. يسوؤنا كثيراً ويسوء كل مواطن عربي غيور، وملتزم بالنهضة العربية وبتطوير العمل العربي المشترك، أن تتطاول بعض الدول الصغيرة، سواء كانت عربية، أو غير عربية في أواسط الصحراء الافريقية على مصر وحقوقها ومصالحها السياسية والاقتصادية والمائية والأمنية. إذا أراد الرئيس القادم، مهما كان انتماؤه، أن يحقق النجاح، ولا نشك في أن كل المرشحين يرغبون في ذلك، فإن عليه أن يسترد مصالح مصر ودورها وكبريائها، وحين يفعل ذلك سيكون قد وضع مصر على سكة الصراع مع الأطماع والمصالح الأميركية الإسرائيلية. وفي كل الأحوال، فإن الثورة باقية ومستمرة، وأهم ما فيها أن الشعب المصري قد تجاوز كل حواجز الخوف، وهو لا يزال وسيواصل تأكيد دوره في صنع السياسات والاستراتيجيات والتأثير فيها. الشعب المصري عموماً، وخلال الأعوام الثلاثين وأكثر السابقة منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، الشعب المصري لم يكن معجباً لا بالاتفاقية ولا بطريقة التعامل مع إسرائيل العدوانية كل الوقت، وكان أيضاً ضد التطبيع وكل أشكال التعاون بين مصر وإسرائيل. لذلك من حق إسرائيل أن تقلق، ومن حقها أن تتحسب لما سيأتي من مصر في لاحق السنوات، وأيضاً بالمقابل من حق الفلسطينيين أن يتفاءلوا وأن يظهروا ارتياحهم لما يجري ولما هو قادم. على أن هذا الارتياح لا يعني أن ننام على وسائد من حرير، فقبل أن نتفاءل بمستقبل أفضل تصنعه جماهير مصر، علينا أن نقوم بواجباتنا تجاه أنفسنا وتجاه قضيتنا، وأن نكون قادرين على الاستفادة من هذا المستجد الأهم في المنطقة منذ عشرات السنوات. إزاء ذلك ورغم كثرة خيبات الأمل التي تجعل المواطن الفلسطيني يستقبل أخبار اتفاق القاهرة بين "فتح" و"حماس" بكثير من الحذر والشكوك، أقول ثمة ما يدعو للتفاؤل، بأن بداية مرحلة تنفيذ المصالحة، قد بدأت ولكن بدون أوهام، من أن الأوضاع ستتغير بين ليلة وضحاها وبدون عقبات.